إن ما يحدث الآن على الساحة فى مصر - من جدل وخلاف فى الحياة السياسية وفى قاعات المحاكم وفى الصحف اليومية وبرامج الإعلامَيْن الحكومى والخاص المشاهدة والمسموعة والمقروءة، على اختلاف تخصصاتها، والتى لم تعد مقتصرة الآن على برامج التوك شو وإنما وصلت إلى برامج الطبخ، وكذلك فى الشارع والسوبر ماركت وعند بائع الخضراوات والفكهانى والحلاق...إلخ - يتلخص فى انقسام الناس إلى مؤيدين لقرار الرئيس برجوع البرلمان، ومعارضين لقراره، أحيانًا تكون المناقشات ثرية وأحيانًا أخرى يحتدم النقاش وترتفع الأصوات، حتى إنه لم يسلم من كل ذلك القضاة أنفسهم، فقد انقسمت آراؤهم ليصبحوا مؤيدين ومعارضين، حتى إننا بتنا نخاف على قضايانا التى أمام المحاكم بعد أن علمنا بأن هناك توجهات وأفكارًا وانتماءات ربما تطغى على عدالة الأحكام عند بعض القضاة أنفسهم. الأهم أننا فى هذا الوقت المهم من تاريخ أمتنا نظرنا إلى آراء كل الناس، السياسيين والقانونيين والدستوريين والنخبة المثقفة - التى لا تريد أن تغادر كرسى التلفاز وتتحرك إلى الشارع لتستطلع رأيه - وعلمنا وعرفنا آراءهم جميعًا، لكن لم نلتفت إلى رأى أهم شخص فى هذه المسألة، وهو المواطن المصرى البسيط ، الذى لا أجد من يصغى إلى رأيه فى هذا البلد إلا فى أمر واحد فقط، وهو الانتخابات، وقتها يكون له رأى ويجب أن يُستمع له، وينصت له، أما فى الحالة التى نحن فيها فلا أحد ينظر إليه، ولا يسأله أى أحد، بل لا تجد إلا الرغبة فى التأثير عليه وتشكيل قناعات خاصة لديه مرتبطة طبعًا بمصالحهم الشخصية. فلهذا رأيت أن أعطيه حقه فى هذا الوقت المهم، لأسأله: ما رأيك فيما يحدث على الساحة الآن حول عودة البرلمان "مجلس الشعب" وعدم عودته؟ وهل أنت مؤيد أم معارض؟ وقد فاجأنى بردود جعلتنى فى دهشة من أمرى بعد أن استمعت إليها.. وتساءلت متعجبًا: كيف لهم أن يهملوا رأيك وينسوك – المواطن المصرى البسيط - على الرغم من أنهم كلهم يتحدثون باسمك، وإليكم الإجابة التى أدهشتنى... قال: أنا ليس لى أى دخل فيما يحدث الآن، ما أريد أن أعرفه هو: أين مجلس الشعب الذى انتخبته؟ أين ذهب؟ فأنا لا أفهم معنى الكلام الذى يقال عن دستورى وغير دستورى، وإذا كان كما يقولون "غير دستورى" فلماذا نزلت من الأساس لانتخابه؟ ولماذا قالوا لى اذهب لكى تنتخب، واخْتَر الأفضل؟ ولماذا صدعونى بأن دور عضو مجلس الشعب كذا وكذا... إلخ؟ فى هذ الوقت أنا "مش فارق معايا" يعود أو لا يعود، المهم هو من سيحل لى مشاكلى الآن؟ هل سأعيش باقى عمرى فى الانتخابات؟ انتظرت لأكثر من سنة ونصف السنة حتى يكتمل موضوعا مجلس الشعب والرئيس، لكى أجد من يحل لى مشاكلى اليومية، بعض الناس يقولون: الآن الرئيس سيحل مشاكلى "لوحده ومش مهم مجلس الشعب، طيب ازاى؟" نحن أكثر من 85 مليونًا، هل سيحل مشاكل كل هؤلاء البشر؟ أريد أن أرى من يشعر بى ولا أريد أن أسمع يوميًّا فى التليفزيون عمَّا يقال من أن جماعة تريد أن تسيطر على كل شىء، أنا لا يعنينى ذلك، أريد أن أجد رغيف عيش نظيفًا، أريد أن أشرب مياهًا حتى إذا كانت ملوثة، ولكن لا تنقطع، من سيحل كل ذلك؟ من يتحدثون كل يوم فى المساء فى الفضائيات يتكلمون فقط، ولا يشعرون بنا، لقد استمعت لأحدهم يقول: يجب أن يعزل الرئيس لأنه أخطأ. "طيب ما الرئيس اللى فات أخطأ" ولم يعاقبه أحد حتى الآن على ما فعله طوال 30 سنة، وإذا كان هؤلاء المتحدثون أقوياء "من زمان هكذا" فلماذا قامت الثورة من الأساس؟ ولماذا لم يتحدثوا فى عهد المخلوع؟ ولماذا لم نرَ هذه الأسود بهذا الشكل؟ فهو كان يخطئ ليلاً ونهارًا، فلماذا لم يفعلوا مثل ما يفعلونه الآن؟ "هنعاقب الرئيس الجديد ونعزله، طيب وبعد ما نعزله ننزل ننتخب تانى وبرده" الجديد إذا لم يعجبهم "هايطالبوا" بعزله ونعيش فى انتخابات "على طول"، "من الآخر" أنا لن أسامح أحدًا فيما يحدث لى ولأبنائى. بهذه الكلمات السابقة انتهى حديث المواطن المصرى البسيط، استخلصت منها أننا أمام حالة سياسية كبيرة، لا يستطيع أن يستوعبها هذا المواطن أمام اهتماماته اليومية، فهو يريد من يقف إلى جانبه ويشعر به، فنحن فى وقت لا يحتاج فيه أن نعلمه القانون كله والدستور كله والمتناقض فيه، لو استرجعنا ما حدث فى اليومين السابقين فى الإعلام فسنجد وكأن قضية عودة البرلمان من عدمها هى قضية أمن قومى، فى حين أننا لو فعلنا الأمر نفسه فى استرجاع أموالنا المهربة بالخارج بالقانون أيضًا، أو محاسبة ولدَى الرئيس المقدمَيْن على البراءة بعد أيام، أو محاسبة الرئيس السابق واسترجاع أموالنا المنهوبة منه لربحنا الكثير. احرصوا أيها النخبة على مصلحة الوطن، ولا تنظروا إلى أن من نجح من فصيل لا تريدونه فتقوموا بقلب "الترابيزة" عليه وعلى الجميع، ولا يهمكم أمر هذا الوطن ولا أمواله المهدرة فى الصناديق والانتخابات، وأعمار أبنائه المضيعة فى الدعاية والطوابير، إننا الآن أمام رئيس جديد لمصر يجب أن يساعده الجميع، بمن فيهم النخبة المثقفة، لكى ينهض بهذا الوطن، لن ينتظر الشعب كثيرًا للحديث فى السياسة وما يفعله الرئيس يوميًّا من صوابٍ أو خطأ من وجه نظركم، لا تجعلوا الشعب ينفر منكم، احرصوا على أن يسير الرئيس ومن معه فى اتجاه المواطن البسيط، ولا تحرصوا على هدم مصر من أجل مصالحكم الشخصية. جنبوا أفكاركم الآن، ولا تنكلوا بالمصريين جراء انهزامكم فى معركة انتخابية، فقد تكسبون المعركة الانتخابية المقبلة، لا تستحق مصر كل ما تفعلونه بها الآن، انظروا إلى مصر وشعبها الفقير الذى يريد عيشًا وأمنًا وعدالة فى كل شىء.