◄عمارة وبطرس يعيدان للأذهان زمن كشك وديدات والمواجهات التليفزيونية التى يعتبرها كل طرف انتصاراً على الدين الآخر ◄خبير أمنى: إذا كان الأمن غير قادر على السيطرة على فتنة معارك الإنترنت فلن يستطيع احتمال نتائج أى مناظرة علنية عادى جدا أن تسمع عن مناوشات قضائية إسلامية مسيحية بسبب شيخ أو قسيس من هنا أخطأ فى عقيدة المؤمنين هناك، على نفس المنوال تمتلئ المحاكم بالكثير من هذه القضايا يبرع فى اصطيادها محامون باحثون عن الشهرة، ولا مانع من أن تشترك الكنيسة أو الأزهر فى المعركة القضائية مادامت حبالها طويلة، وهدفها متوقفا عند إحداث ضجة إعلامية تخيف صاحب الإساءة ويؤكد من خلالها كل طرف للآخر أنه موجود ومفتح عنيه ومصحصح أوى، مثلما فعل المحامى نجيب جبرائيل ومعه عدد من القساوسة وقاموا برفع دعوى قضائية ضد الدكتور زغلول النجار يتهمونه بإشعال الفتنة الطائفية، ومن بعدها قام عدد من المحامين والمواطنين المسلمين برفع دعوى مماثلة ضد القس زكريا بطرس، وانشغل الناس قليلا بذلك الصراع القضائى ولكن سرعان ما طوت حبال المحاكم الطويلة تفاصيل الصراع ونسيه الناس وكأن شيئا لم يكن. انتهاء الأمر عند تلك النقطة، أمر غير مخيف على الإطلاق فى ظل سيره تحت المظلة القانونية، وفى ظل اقتناع الناس فى الشارع أن مايحدث مجرد مناوشة إعلامية لا أكثر ولا أقل، ولكن حينما يتحول الأمر إلى مناظرات يبحث فيها كل طرف عن النصر، فلابد أن نضع أيدينا على قلوبنا لأن تاريخنا مع المناظرات يحمل طابعا دمويا أحيانا، عنيفا يصنع الفتنة غالبا. استعداد الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس والرجل القوى داخل الكنيسة لإصدار كتاب للرد على هجوم الدكتور زغلول النجار على الكتاب المقدس، وتحدى زغلول النجار لحالة الغضب الكنسى هذه وإعلانه عن استعداده لمناظرة أى من رجالها علنا، يعود بنا إلى تلك الدائرة التى سبق أن انتهت بنا إلى مقتل واحد من أعظم مفكرى مصر الدكتور فرج فودة عقب فترة من مناظرته الشهيرة مع الدكتور محمد عمارة، وكانت تلك النهاية سببا لمنع ذلك النوع من المناظرات لدواع أمنية وسياسية. كتاب الأنبا بيشوى الذى انفرد الموقع الإلكترونى لليوم السابع بنشر الفصول الثلاثة الأولى منه، تحول إلى مادة خصبة للتعليقات سواء على الموقع نفسه أو على منتديات صناعة الفتنة التى بدأت فى تطويع كتابات الأنبا بيشوى وتنسيقها من جديد ونشرها على شكل واسع على هيئة مناظرة مكتوبة بين الأنبا بيشوى والدكتور زغلول النجار، حتى غرف «البال توك» بدأت فى الإعلان عن مناظرات تحد، بغرض تحديد الفائز والمهزوم فى مناظرة بيشوى زغلول، التى تحولت دون أن يدرى الدكتور أو الأنبا إلى مادة خصبة تؤجج صراعا مشتعلا على الإنترنت قد ينتقل قريبا إلى أرض الواقع فى هيئة فتنة حقيقية أو على شكل مطالبات ملحة بعقد مناظرات علنية بين رجال الدين المسيحى ورجال الدين الإسلامى، لتتحول الحالة من البحث عن طريق جدى لإجراء حوار بين الأديان، إلى إشعال معركة ضارية تبحث عن فائز ومهزوم من بين الأديان.. هكذا يخبرنا تاريخ المناظرات التى أصبحت متهما رئيسيا فى إشعال الفتنة أو تمكين الحقد والغضب من صدور شعب فى أغلب طوائفه أمى لا يقرأ ولا يكتب، ولا يفهم من فكرة المناظرة الدينية سوى أنها معركة تعنى خسارتها أن دينه وعقيدته قد تمت إهانتها، سواء كانت هذه المناظرة مباشرة كما كان يفعل الشيخ الراحل أحمد ديدات المناظر الإسلامى الأشهر مع قساوسة الغرب، أو مناظرات غير مباشرة على هيئة تصريحات أو كتب تخرج من الكنيسة لتهاجم الإسلام أو تخرج من تحت أيدى مشايخ الإسلام لمهاجمة الكنيسة. ويمكنك أن ترجع إلى الوراء قليلا لتدرك كيف وضع الناس رجالا على شاكلة الشيخ كشك والدكتور عمارة والقس زكريا بطرس ومكدويل وسوكرت وغيرهم فى مواضع الأبطال بسبب مناظراتهم التى تحولت إلى مادة صوتية مختزنة على أجهزة الكمبيوتر وفى مكتبات المنزل دون أن يبخل أى طرف فى بذل الجهد لنشرها أو تداولها وإعادة مشاهدتها والاستماع إليها لإرضاء بعض من غرور التعصب أو قمع بعض من الشعور بالاضطهاد والضعف الذى يسيطر على الطرفين، حتى أرصفة الشوارع تحولت إلى ساحة للمناظرات عبر كتب مجهولة تخبرك بعناوينها الصارخة عن احتوائها على مناظرة انتصر فيها الدكتور عمارة أو كلمة للقس زكريا بطرس أذاق بها الهزيمة للدكتور زغلول النجار أو كتب أخرى تتصدرأغلفتها صور الشيخ الجنوب الإفريقى «أحمد ديدات» كبطل إسلامى يتداول الناس آخر أخبار جولاته التنظيرية ومواجهته مع القساوسة الأمريكان والأوربيين بشغف ربما يمكن تبريره فى أن هذه الشعوب المسلمة فى حاجة إلى انتصار.. أى انتصار حتى ولو كانت نفس المناظرة يتم توزيعها بين المسيحيين على أنها انتصار للعقيدة المسيحية. الشيخ كشك والقس زكريا والدكتور زغلول النجار وما يستعد الأنبا بيشوى لفعله بكتاب الرد على زغلول هم المواجهة الحقيقة، التى يبحث فيها كل دين عن نقاط الضعف فى الدين الآخر، المعركة التى يمكن للمشاهد أن يهتف ويصفق ويحزن ويتعصب وهو يشاهدها تنتهى بفائز ومهزوم بغض النظر عن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ما قد تأخذنا إليه تلك الدعوة من مناظرة علنية بين الدكتور زغلول النجار مع الأنبا بيشوى، هو إرث قديم ازدهر مع الشيخ كشك الذى تنتشر مناظراته غير المباشرة مع قساوسة مسيحيين على الإنترنت بكثرة ويتم استدعاؤها من الجانب المسلم كلما حلت علينا أزمة طائفية جديدة، وانتشر وتأصل مع ديدات النجم الشعبى لمسألة المناظرات، فالرجل حصل على شهرة واسعة عقب مناظراته الشهيرة - فى منتصف الثمانينيات - مع القس «جيمى سوكرت» وظلت حتى فترات قريبة هى الأكثر تداولا بين الجمهور، بالإضافة إلى مناظرة «هل صُلب المسيح؟» التى ناظر فيها الأسقف «جوسيه ماكدويل» فى ديربان عام 1981.؛ ويتفاخر الجمهور المسلم على الموقع الخاص بالشيخ ديدات أنه دفع الكنيسة ومراكز الدراسات التابعة لها والعديد من الجامعات فى الغرب لتخصيص قسم خاص من مكتباتها لمناظرات ديدات وكتبه وإخضاعها للبحث والدراسة سعياً لإبطال مفعولها. الجانب المسيحى هو الآخر يرفع القس زكريا بطرس إلى نفس مرتبة ديدات عند المسلمين ويتفاخر بأحاديثه ويقسمها إلى مقاطع فيديو يملأ بها أجواء الإنترنت لمعايرة المسلمين بنصر القس زكريا على شيوخ الإسلام، وسرعان ما تتطور تلك المعايرة إلى معركة بالألفاظ لا ينجو الدين منها سواء المسيحى أو الإسلامى من الإهانة، كنتيجة أولية لذلك الصراع، قد تتبعها نتائج أخرى دموية الطابع إما بسبب اشتعال فتنة تشهد مواجهة بين المسيحيين والمسلمين ويسقط بها ضحايا مثلما حدث فى الإسكندرية منذ فترة، أو عبر تهديدات بالقتل والاغتيال مثلما حدث مع الكثير من الكتاب أو المشايخ أو القساوسة الذين تصدوا لخوض هذا الصراع، وهو المرحلة التى حذر العديد من الخبراء الأمنيين من الوصول إليها حتى لا تكون النتيجة حادثة اغتيال أخرى مثلما حدث مع الدكتور فرج فودة..العميد السابق محمود قطرى كان واحدا من أولئك الذين أشاروا إلى صعوبة موافقة الأجهزة الأمنية على عقد أى مناظرة علانية بين قس وشيخ، لأن الأمن لم يستطع بعد السيطرة على الفتنة التى تصدرها مناظرات الإنترنت، لكى يتفرغ إلى مواجهة نتائج المواجهات العلانية التى ستكون أشد قسوة بالطبع، العميد السابق أشار إلى أن مسألة الخلاف المسيحى الإسلامى، وقضايا الفتنة من أكثر الأشياء التى تزعج الجهاز الأمنى وتقلق منامه، وبالتالى ليس طبيعيا أن يسمح بإطلاق الشرارة الأولى للفتنة عبر تلك المناظرات العلنية التى تزيد من حالة التعصب، وقد تدفع أى مواطن بسيط شعر بإهانة دينه خلال المناظرة إلى التصرف بشكل عشوائى قد ينتج عنه تحركات عنيفة غير محسوبة العواقب، ولذلك فمن المرجح استحالة موافقة الأجهزة الأمنية على عقد أى مناظرة علنية حتى ولو كانت بين حزب وحزب آخر.. مش شيخ وقسيس. هذا ما تنتهى إليه المناظرات التى يهرول خلفها الجمهور الدرجة الثالثة ويفرح بها الشيوخ من هنا أو القساوسة من هناك، وهم غافلون عن انحدارهم لهذا المستوى الشعبى الذى يفرح بالفتنة ويتلاعب معها ليشغل حاله بمعركة وهمية تعوضه عن هزائمه فى الحياة بشكل عام. نعود إلى البداية لنعترف بحق الأنبا بيشوى فى الرد على كلام الدكتور زغلول النجار، وحق الدكتور زغلول النجار فى ممارسة منهجه فى اكتشاف الإعجاز العلمى فى القرآن بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معه، ولكن قبل هذا الاعتراف لابد أن نسأل ما الذى سيستفيده الدكتور زغلول ويفيد به الإسلام حينما يقول إن الكتاب المقدس محرف أو أن العهد القديم قد حرفه اليهود، ما الذى سيضيفه الدكتور زغلول إلى الإسلام أو إلى المواطنين الغلابة؟، وهل رجل فى علمه ومعرفته لا يدرك الفرق بين البحث العلمى الذى يعلو بشأن الأمم، والبحث الدينى الذى يوقظ الفتنة من أسفل رمادها؟ أم أن الأمر كله أن الدكتور زغلول والدكتور عمارة قرروا أن يعملوا قضاة فى أوقات فراغهم، ويستحلوا دعوات الناس لمناظرات علنية، وكأن مشاكل البلد انتهت؟، والغريب أيضا أن ينساق رجل بحجم الأنبا بيشوى إلى تلك المهاترات وهو الأعلم جيدا بأن بنزين المناظرات وغيرها لا يجب أن يوضع بجوار نار الفتنة أبدا. لمعلوماتك... ◄1981 شهد مناظرة لديدات مع القس ماكدويل ◄1992 تم إغتيال المفكر فرج فودة