استيقظ الشعب المصرى يوم 25 يناير على فجر التغيير، ولم يكن يدرك ما هو المعنى الحقيقى للتغيير ولم يكن على استعداد كامل له فلقد ظل هذا الشعب محبوسًا مسلوب الإرادة مغيب العقل لسنوات، فلقد فوجئ هذا الشعب بهذا التغيير عندما قرر مجموعة من الشباب الثائر الواعى المقهور لسنوات وبدون اتفاق مسبق مع باقى الشعب على استرداد الحق المسلوب لسنوات، وقرر أن ينهى عصر الظلم والاستبداد. وبدأ طريق التغيير بمفرده، وما إن وجد الشعب الأمل فى التغيير انضم إلى هؤلاء الشباب جزء من الشعب الواعى الذى أدرك معنى وأهمية تلك المرحلة من التحول فى المسار ولكنه فقد جزءًا من هذا الشعب الذى يخشى التجديد بطبعه ويفتقد إلى الثقة فى الشباب، فعندما أنتجت الثورة أول مكاسبها وهو إسقاط النظام أنتجت معه تشتتًا وتفرقًا بين طوائف الشعب المختلفة، وكشفت الغطاء عن كثير من مظاهر الفساد التى لم نكن نتخيلها يومًا، وأخرجت الكثير من الثعابين من جحورها، وانقسم الشعب ما بين مؤيد ومعارض. ومع مرور الوقت، ولأن الثوار عندما بدأوا خطوات التغيير لم يعدُّوا لها جيدًا وإنما كانت تسير بلا تخطيط مسبق، بدأت تتخبط وتتساقط هذه القوى وتسقط فى أيدى كثير من أصحاب المصالح المختلفة والخاصة الذين وجدوا المناخ متاحًا لهم لفرض سطوتهم وتعويض ما لم يستطيعوا الحصول عليه فى العصر السابق وحتى يكسب أصحاب المصالح ود هؤلاء الشباب بدأوا يلهون عقولهم بكثير من الأحداث المتلاحقة المتشابكة المصطنعة أحيانًا وزاغت أعينهم بالمناصب والأضواء التى لم يحلموا بها يومًا واكتسبوا ثقة عمياء فى أنفسهم لتمجيد الكثيرين فى بطولاتهم، فنسوا جميعًا أهدافهم الأساسية واستطاع الآخرون إعادة بناء الثورة بالشكل الذى يخدم مصالحهم الخاصة، فبعد صراع لأكثر من عام ما بين ثوار وفلول وإخوانى وليبرالى وعسكرى وعلمانى وبعد شهور طويلة تحملنا فيها الكثير وتعلمنا فيها الكثير وفقدنا فيها الكثير واكتسبنا فيها القليل حتى نصل إلى هذه اللحظة التى حلم بها الشعب المصرى لسنوات وهى لحظة الاختيار وتحديد المصير، ولكننا وجدنا أنفسنا للأسف بداخل لعبة كبيرة لم نستعد لها ولم نتوقعها، فلقد أعطونا فرصة الاختيار حتى نستمتع بالحرية والديمقراطية كما كنا نحلم بها، واعتقدنا أننا بدأنا من جديد ولكننا صدمنا بالواقع وهو أننا وصلنا إلى نقطة النهاية وهو الوصول إلى الاختيار ما بين نظامين كل منهما يخدم مصالح معينة بعيدة كل البعد عن أهداف الثورة وأحلام الشباب ودماء الشباب وعيون الشباب وعدنا إلى نقطة الصفر وعادت إلينا أسوأ المشاعر من اليأس والتخبط والسلبية والإحساس بالإحباط والفشل، فلقد استطاع أصحاب المصالح وبمساعدتنا للأسف إجهاض الثورة بأساليب كانت بعيدة كل البعد عن عقل الشباب البرىء الواعى الصادق المخلص المحب لوطنه الساعى للحق والخير والعدل دون مصالح أو أهداف خاصة أو ملتوية لم يكن له هدف سوى حب الوطن. نستطيع جميعًا اليوم أن نبكى على شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم بلا نتيجة ونبكى على بلد وشعب لم تكتب له الحرية حتى الآن، شعب لم يعرف قيمة الحرية والديمقراطية فأضاعها من بين يديه.