بداية أؤكد إيماني أن الدماء هي زيت الثورة المقدس، وإلى أخره من التعبيرات والأساليب الإنشائية التي لن توفي هذه الدماء ودورها في دفع الثورة الشاملة إلى الأمام حق قدرها، كذلك إيماني بأنه لا تغير حقيقي تحت إمرة العسكر الذين حولوا كل مؤسسات الدولة علي مدار ستين عاما إلى ثكنات عسكرية وتحويل المواطنين إلي مخبرين، لتعزيز مراكزهم. وبعد، هل ما يحدث عند وزارة الدفاع الآن هو خطوة في اتجاه اشتعال الثورة من جديد وتحقيق أهدافها وانتزاع الثوار لشرعيتها المسلوبة، أم خطوة في سبيل إخمادها وتعزيز شرعية الانتهازيين وأصحاب المصالح ؟؟ إشارة قبل الإجابة، إنه لم يكن من الممكن أبدا تصور أن هناك من سيخرجون من ميدان التحرير وشارع محمد محمود محملين بالغبار السام وبقوائم عديدة لشهداء عديدين، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس الشعب ثم يعودون لاعتصام مجلس الوزراء، محتفلين بما سماه المجلس العسكري "العرس الديمقراطي" وهو ما حرص معظم رؤساء التحرير في معظم الصحف المصرية علي التدشين له ووضعه شعارا على أولى صفحاتهم، وقتها تعالت أصوات كثيرة مؤكدة أن المشاركة في الانتخابات ما هي إلا تورط في اللعبة التي يديرها العسكري في اتجاه ما يخدم مصالحه ومصالح الطبقة الحاكمة التي هو حارس لها، هذا في ظل التوافق بينه وبين الأخوان المسلمين بما يدعم مصالح مكتب الإرشاد، خاصة وأن تلك الأصوات كان لديها أسباب عديدة واضحة، منها أن تلك الانتخابات تعطيلا لمسار الثورة وأن مجلسا منزوع الصلاحيات لا يمكن أن يكون ثوريا وهو ما أصبح واقعاً الآن وليس تخمينا. من المؤسف أن يتكرر المشهد، وتتكرر المأساة، وأن يتحول الشهداء إلي أرقام في قوائم مجهولة، ويتحول المصابون إلى عاهات مستديمة في وجه مصر، لأن الثوار الذين يعلمون تمام العلم بعد تجربة الانتخابات التشريعية أن كل ذلك ما هو إلا تأكيدا لوضع قطار الثورة علي قضبان العساكر ، يتظاهرون ويفقدون الدماء والأعضاء والنفوس لقاء تغيير في مادة ما في إعلان دستوري قد وضعه العسكري بنفسه ودافع عنه وعن شرعيته الكثير من المفوهين الانتهازيين الداعرين الذين دائما ما ينفضون أيديهم عن ساحة قتال لم يدخلوها بل استخدموها واستخدموا طهر وإخلاص الثوار بمجرد تلويح العسكري لهم بإغراءات زائفة، ومن المؤسف أن الثوار أيضا سيشاركون في الانتخابات مرة أخري محتفلين بالعرس الديمقراطي. إن كنا علي استعداد لدفع مزيد من الدماء من أجل تلك الثورة، فلم ننفقها فيما لا يجدي نفعا، في فخاخ ومعارك وهمية، لماذا نقبل بدستور يكتبه العسكر ولا يكتبه الشعب، أو نقبل برئيس لا حيلة له كمجلسي الشعب والشورى. مادامت الرغبة في التضحية موجودة، ومادام الغلابة قادرين علي أن يضخوا الدم في عروق مصر الثورة، إذن فليكن هذا لما أردنا وليس لما أراده العسكر ومن يحميهم العسكر. إن صح ما يتردد عن العودة إلى النقطة صفر وإن كان لابد من معركة كبيرة، فما الذي يجبرنا علي خوض معركة وهمية، بدلا من العراك الحقيقي، خصوصا أنه من المفترض أن الشباب الذين خرجوا عشية 25 يناير 2011 ، ليسوا ما هم عليه الآن من خبرة ووعي وطموح إن كان العراك حول الأهداف الأولى وهى تشكيل جمعية تأسيسية وطنية منتخبة تشكل بدورها مجلس رئاسي مؤقت وحكومة انتقالية ثورية، لحين إعداد دستور يحدد شكل الجمهورية الثانية بأجهزتها ووظائفها، وتحدد فيه سلطات الرئيس وصلاحيات كل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ إن كان هذا لا يعني شيئا، فما الذي يعنيه إهدار الدم والأرواح من أجل البناء علي قواعد متهالكة، وإيهام الشعب بأن تغييرا ما قد حدث وكان يلزمه كل تلك التضحيات منذ يناير 2011 وحتى الآن. Comment *