الحرب الأخيرة على قطاع غزة كشفت الإعلام المصرى على حقيقته وعلى الأخص أداء الخطاب الإخبارى المتمثل فى قطاع أخبار مصر وقناة مصر الإخبارية، بعيدا عن شعارات الريادة التى أبقت المواطن المصرى فى الوهم، بعد أن فشل فى بناء جسور الثقة مع المواطن المصرى الذى لاحظ البعض انصرافه إلى شاشة قناة الجزيرة والتى تتمتع بإمكانيات مادية تصل إلى 100 مليون دولار سنويا، تجعلها فى مقدمة القنوات الإخبارية، حيث تم تصنيفها أخيرا من قبل الاتحاد الأوروبى فى المركز الخامس عالميا كأكثر العلامات التجارية تأثيراً، وذلك بعد كل من "أبل وجوجل وأيكيا وستار بكس". طارق عبد الجابر، موفد قطاع الأخبار بغزة سابقا، أوضح لليوم السابع، أنه إذا كانت الجزيرة نجحت فى الانفراد بنقل صورة حقيقية لما يدور فى غزة فهى تستحق الاحترام، مشيرا إلى فشل الإعلام المصرى فى فرض وجهة نظره على الرأى العام العربى، وأوضح أن قطاع أخبار مصر مازال يتعامل مع القضايا من خلف صندوق زجاجى الجميع يراه، ولكن لا يسمع أحد ما يدور خلفه، فهو مازال يعمل بسياسة التلقين للمواطن الذى أصابه الملل من السذاجة فى نقل الأحداث. قناة الجزيرة دخلت معركة إعلامية واسعة النطاق ضد الإعلام المصرى بدأت بالحملة النكراء ضد مصر مرورا بأحداث الحرب التى نجحت فى تغطيتها بحرفية استثنائية لحظة بلحظة حتى وإن ظهرت مغرضة، وفى الوقت الذى مازال التلفزيون الرسمى أسير القالب الحكومى العقيم فى عرض النشرة الإخبارية التى لابد أن تبدأ بأخبار رئيس الجمهورية فى الافتتاحية حتى لو قامت الحرب العالمية الثالثة، كانت قناة الجزيرة تكسب من جولة إلى أخرى فى تلك الحرب ومع ارتفاع حدة التوتر على الحدود المصرية قبل الحرب بأسبوع ومع اهتمام الفضائيات العربية والأجنبية، الذى بدأ يلتف حول المنطقة، كان التلفزيون المصرى تنحصر اهتماماته فى حفلات نوال الزغبى وشيرين عبد الوهاب فى رأس السنة وإطلاق قناة نايل كوميدى، هذا وطبول الحرب تدق على الحدود المصرية. كانت أهم تلك الجولات التى انتصرت فيها قناة الجزيرة فى مؤتمر القمة الدولية بشرم الشيخ عندما نجحت قناة الجزيرة فى الانفراد بإذاعة خطاب الرئيس مبارك فى الاجتماع الرئيسى المغلق بالمؤتمر، الذى كان يدبر قطاع الأخبار أن يكتفى بإذاعة المؤتمر الصحفى عقب الاجتماع، فانتبه المسئولون فى التلفزيون المصرى، ولأنه لا يجوز أن ينقل خطاب الرئيس على قناة الجزيرة، حتى تدارك أخبار مصر بنقل الخطاب القناه الأولى، وهكذا دخل المشاهد المصرى على خطاب الرئيس بعد فقرتين من بدايته، أضف إلى ذلك موقف قطاع أخبار مصر غير الواضح والذى لم يخدم الموقف السياسى المصرى على الإطلاق. محمد كمال القاضى أستاذ الإعلام والدعاية السياسية بجامعة حلوان وعضو اتحاد الكتاب، أشار إلى أن الإعلام المصرى نجح بنسبة 50% فى إدارة المعركة الإعلامية وغياب باقى النسبة يعود إلى غياب الحرفية الإعلامية عن قطاع أخبار مصر، وفن التعامل الإعلامى مع الأزمات التى تختلف فى عن الأوقات العادية، والتى تحتاج إلى المرونة الإعلامية ومهارة استيعاب الأزمة ومهارة التعليق والتناول الإعلامى لمختلف الأزمات والتى لم تكن متوفرة، أما أوجه القصور تعود إلى عدم تماشى الإعلام المصرى مع سياسة الدولة، التى أثبتت نجاحها فى النهاية، لأن مصر أعلنت من البداية أنها لن تلتفت إلى المهاترات الكلامية وستهتم بالأفعال فقط، ولكن الإعلام المصرى لم يلتزم بذلك وانزلق فى بعض الأحيان إلى ما يمكن أن نطلق عليه مشاحنات ومجادلات إعلامية فأصبح موقفه متأرجحا ما بين موقف الدولة وما انزلق إليه. وفيما يخص الخطاب الإعلامى تجاه حماس فقد أوضح كمال القاضى "أنه ظهر غير مفهوم انعكاسا لموقف حماس نفسها التى أنقسم قادتها ما بين مهاجمين لمصر ثم يأتى وفد منها للقاهرة ويشيد بالدور المصرى فجاء رد الفعل على نفس النسق". التغطية الإخبارية ليست مجانية، فلكل قناة ميولها السياسية على سبيل المثال قناة العربية مثلا تغطى الحرب كتغطيتها لأى حرب فى العالم وتستخدم لفظ قتلى بدلا من شهداء لذكر من سقطوا خلال العدوان، والقنوات اللبنانية لا يخفى على أحد موالتها الواضحة لحزب الله التى ترجمت إلى تجريح وسباب مصر، وفتحت منبرا لكل من يريد أن يهاجم أو يزايد على مصر، أما قناة الجزيرة فأجندتها الإيرانية تطل من كل عبارة وصورة تعرضها حتى يظن من يتابعها أن مصر هى التى أعلنت الحرب على غزة وقادت حربا إعلامية موجهة ضد مصر، بالاشتراك مع القنوات الشيعية الموالية لإيران بالمنطقة العربية. والمفارقة أن حوالى 20 قناة من تلك القنوات التى تبث إرسالها على القمر الصناعى نايل سات تخصصت فى إهانة مصر ومنها "الدنيا السورية والعالم الإيرانية والأقصى التابعة لحركه حماس والمنار التابعة لحزب الله والحوار التابعة لجماعة الإخوان المسلمين"، ويبدو أن الجهات العليا لا تتخذ قرارا بإغلاق أى قناة فى مصر إلا بناء على توصية من الكونجرس الأمريكى، كما حدث مع قناة الزوراء العراقية . أمين بسيونى تنصل من مسئولية تلك القنوات مؤكدا أن دوره إداريا فقط ينحصر فى إجراء التعاقدات الإدارية بعد حصول أى قناة على تصريح المنطقة الإعلامية الحرة كما أشار لوجود جميع القنوات التى تبث بالمنطقة على النايل سات وهو ما اعتبره أمين نجاحا بغض النظر عن النتائج، وأوضح أن القناة التى سنطردها ستذهب إلى شركة أخرى للأقمار. اللافت للنظر أن الطريقة التى تعامل بها قطاع أخبار مصر مع قادة حماس وحزب الله، تبدو ملتبسة ولا تعبر عن موقف واضح تجاه أشخاص كادوا يقلبون المواطنين المصريين ضد القيادة السياسية من خلال خطاباتهم الموجهة ضد مصر فهو من ناحية يستضيف من خلال برامج القطاع آراء تنتقد حماس فيما يظهرهم من خلال نشرات الأخبار بالأبطال والمجاهدين والشهداء، ومع ذلك يرى النائب حمدى حسن عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين انتقد الخطاب الإعلامى للتليفزيون المصرى أثناء الحرب على غزة، مشيرا إلى أن لهجة الشماتة والإهانة وتلويث السمعة للمقاومة الإسلامية حماس التى يقوم بها الإعلام المصرى الرسمى تتعارض مع الحقيقة وتاريخ مصر وأمنها الوطنى. أحمد سليم وكيل وزارة الإعلام والمتحدث الرسمى باسمها نفى أن يكون الإعلام المصرى قد أخفق أثناء تغطية أحداث غزة، وأكد أن العكس هو الصحيح لقد نجح الإعلام المصرى فى تقريب وجهات النظر بين الرأى العام والقيادة السياسية، لذلك نلاحظ تراجع موجات الغضب بين الجماهير فور اندلاعها مع إذاعة خطاب الرئيس مبارك، وتقديم معالجات مختلفة من البرامج الحوارية والإخبارية، كما رفض سليم أن نعتبر أن قناة الجزيرة قد استولت على ثقة المواطن المصرى قائلا "إن هذه الأحداث أكدت أن ثقة المواطن المصرى مازالت تجاه التلفزيون المصرى والذى يعرف أن يفرق بين القنوات المغرضة التى تتلاعب بالحقائق وبين التى تنقل له الواقع بلا مزايدات، والدليل هو تجاوب الرأى العام مع طريقة معالجة التلفزيون المصرى للأحداث". اقرأ غدا هيئة الاستعلامات تهدر ميزانيتها المقدرة ب 140 مليون جنيه دون تحقيق أى إنجازات