إنشاء مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بمنطقة رأس شقير باستثمارات 7 مليارات يورو    رئيس الوزراء: مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي نقطة البداية لتفعيل بنود اتفاقية الشراكة    وفد شئون الأسرى المفاوض التابع للحوثيين يعلن وصوله مسقط    الزمالك يتقدم على سيراميكا كليوباترا بثنائية في الشوط الأول    مابين المشدد والبراءة.. الحكم علي المتهمين بخطف نجل وزير الصحة الأسبق    تجديد حبس 20 متهما باستعراض القوة بالأسلحة وقتل شخص في الإسكندرية    نويت أعانده.. لطيفة تطرح مفاجأة أغنية جديدة من ألحان كاظم الساهر    الإمارات تقدم رؤية لمواجهة تحديات الطاقة باستخدام الذكاء الاصطناعي    الأوقاف: فتح باب التقدم بمراكز الثقافة الإسلامية    بماراثون دراجات.. جامعة بنها الأهلية تحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو    البرلمان العربي يؤكد على الدور المهم للنساء في مكافحة الإرهاب والتطرف    انهيارات أرضية في نيبال بسبب الأمطار الغزيرة.. الأرض ابتلعت 9 أشخاص (فيديو)    تبادل كهنة أسرى بين روسيا وأوكرانيا    صفحة المتحدث العسكرى تنشر فيلم "لهيب السماء" احتفالا بالذكرى ال54 لعيد الدفاع الجوي    رد حاسم من ريال مدريد على مفاوضات ليفربول لضم تشواميني    ليفربول يحاول حسم صفقة معقدة من نيوكاسل يونايتد    كوناتي: لوكاكو أقوى مهاجم واجهته.. كامافينجا: غياب كورتوا أمر جيد لنا    مانشستر سيتي يخطف موهبة تشيلسي من كبار الدوري الإنجليزي    رئيس جهاز الشروق: استمرار الإزالات الفورية للمخالفات خلال أيام العطلات الرسمية    تطوير عربات القطار الإسباني داخل ورش كوم أبو راضي (فيديو)    حريق هائل يلتهم مطعم مأكولات في المنيا    الداخلية تكشف ملابسات واقعة طفل الغربية.. والمتهمة: "خدته بالغلط"    حبس المتهمين بإنهاء حياة طفل بأسيوط.. قطعوا كفيه لاستخدامهما في فتح مقبرة أثرية    «مياه الشرب بالجيزة»: كسر مفاجئ بخط مياه بميدان فيني بالدقي    موعد عرض أولى حلقات برنامج بيت السعد ل أحمد وعمرو سعد    أشرف عكة: منظمات الأمن الدولى فشلت فى الحد من اتساع رقعة الصراعات الدولية    هيئة البث الإسرائيلية: واشنطن تسعى لحل الخلاف بشأن صفقة تبادل المحتجزين    محمد رمضان : الشخص اللي صفعه عمرو دياب حاول يتصور معايا    موعد عرض مسلسل لعبة حب الحلقة 54    عمرو دياب يطرح ريمكس مقسوم لأغنية "الطعامة"    وزير الصحة يبحث التعاون مع إحدى الشركات المتخصصة في مستلزمات الجروح والعظام    استشارية أمراض جلدية توضح ل«السفيرة عزيزة» أسباب اختلاف درجات ضربة الشمس    رئيس الهيئة البرلمانية ل«حماة الوطن» يهنئ الرئيس السيسي بذكرى 30 يونيو    المجاعة تضرب صفوف الأطفال في شمال قطاع غزة.. ورصد حالات تسمم    إحالة أوراق المتهم بقتل منجد المعادي للمفتي    طرق استلام كعب العمل لذوي الاحتياجات الخاصة    ننشر أسماء الفائزين في انتخابات اتحاد الغرف السياحية    ربيع: إعادة الريادة للترسانات الوطنية وتوطين الصناعات البحرية    القاهرة الإخبارية: لهذه الأسباب.. الفرنسيون ينتخبون نواب برلمانهم بانتخابات تشريعية مفاجئة    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    برقية تهنئة من نادي النيابة الإدارية للرئيس السيسي بمناسبة ذكري 30 يونيو    الأهلى تعبان وكسبان! ..كولر يهاجم نظام الدورى.. وكهربا يعلن العصيان    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    أكرم القصاص: علاقات مصر والاتحاد الأوروبى تعتمد على الثقة وشهدت تطورا ملحوظا    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    بدءا من اليوم.. فتح باب التقدم عبر منصة «ادرس في مصر» للطلاب الوافدين    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    مجلة جامعة القاهرة للأبحاث المتقدمة تحتل المركز السادس عالميًا بنتائج سايت سكور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أردوغان في حواره مع فهمي هويدي : لو انتهكت إسرائيل أجواء تركيا ستتلقى ردا مزلزلا
نشر في الشعب يوم 08 - 12 - 2009

عشية سفره إلى واشنطن قال رجب طيب أردوغان إن الوضع في غزة ضمن جدول أعمال زيارته، مشيرا إلى أن الوضع في القطاع لا ينبغي السكوت عليه. كما أعرب عن أمله في أن تكون الزيارة التي سيقوم بها الرئيس حسني مبارك إلى أنقرة يوم 15 ديسمبر الحالي بمثابة نقطة تحول في علاقات تركيا ومصر. وتمنى في حديث مطول تطرق فيه إلى أمور عدة أن ينتهي الانقسام العربي حتى تتمكن الأمة العربية من الاحتشاد لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها.
(1)
كان ذلك هو لقائي الثاني مع الرجل، إذ التقيته في المرة الأولى عام 1994 حين انتخب رئيسا لبلدية إسطنبول ممثلا عن حزب الرفاه. وجرى الحوار آنذاك حول مشكلات المدينة ومحنتها، بعد أن شاع الفساد في إدارتها وتدهورت مرافقها. لم يكن يتحدث كعمدة منتخب فحسب، وإنما كعاشق للمدينة وحافظ لشوارعها التي اضطرته ظروفه العائلية في سنه المبكرة لأن يتجول فيها بائعا للبطيخ والسميط والمياه الغازية كي يوفر مصروفات تعليمه التي عجز أبوه عن تحملها، إذ كان الأب الذي ينحدر من أصول جورجية يعمل جنديا بسيطا في خفر السواحل، وهي المهنة الوحيدة التي أجادها منذ نزحت أسرته من شواطئ البحر الأسود كي تستقر في إسطنبول بعدما قتل الجد عام 1916 أثناء صد الحملة الروسية والأرمينية التي استهدفت أراضي الدولة العثمانية في سنوات أفولها.
ولا أعرف إن كان لقب الأسرة له علاقة بهذه الخلفية أم لا، ولكن صاحبنا "الطيب" ظل يعرف طوال الوقت باسم "أردوغان" الذي يعني في اللغة التركية "الفتى الشجاع" ("أر" تعني القوي أو الشجاع، و"دوغان" تعني الطفل).
استطاع الطيب أن يكمل تعليمه حتى التحق بإحدى مدارس الأئمة والخطباء، شأنه في ذلك شأن غيره من أبناء الأسر المتدينة. لكنه تخصص في الاقتصاد وإدارة الأعمال، وتخرج من المعهد العالي الذي صار الآن جامعة مرمرة، ثم ألقى بنفسه في خضم العمل السياسي، تاركا ملاعب كرة القدم التي لمع نجمه فيها، وتحول إلى عنصر ناشط في حزب الرفاه الإسلامي الذي أسسه أستاذه نجم الدين أربكان، الأمر الذي أوصله إلى منصب عمدة إسطنبول، وقاده بعد ذلك إلى السجن عام 1998 حيث أمضى فيه ستة أشهر بعد اتهامه بالإساءة إلى العلمانية.
15 عاما مضت بين اللقاءين الأول والثاني، تحول فيها من عضو ناشط في حزب الرفاه وعمدة إسطنبول إلى زعيم لحزب آخر باسم "العدالة والتنمية" وعمدة لتركيا كلها، وأول "باشبكان" (رئيس الوزراء) للجمهورية التركية الثانية ("باش" تعني الرأس و"بكان" تعني الوزير).
ذكرته بلقائنا الأول فابتسم ابتسامة خفيفة تليق بمقام باشبكان بلغ من العمر 55 عاما، ورد بالعربية قائلا "أهلا وسهلا" وكأنه بذلك دعاني إلى الدخول في الموضوع.
(2)
كنت أعلم أن مستشاريه وأجهزة وزارة الخارجية منهمكون منذ أيام في التحضير لزيارته إلى واشنطن، فسألته عن الهدف منها، وعما إذا كانت زيارته قبل أسابيع معدودة إلى إيران وباكستان لها علاقة بهذه الرحلة؟ فقال إن تركيا الحالية ليست مشغولة بشؤونها الداخلية وعلاقاتها الثنائية بالولايات المتحدة فحسب، ولكنها أيضا مشغولة بمحيطها وثيق الصلة بانتمائها وعمقها الإستراتيجي.
وهذا الانشغال جعلها حاضرة في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، فهى حاضرة في ملفات الشرق الأوسط، وهي موجودة في أفغانستان وترأس القوات الدولية هناك، ثم إنها معنية بموضوع إيران وتداعيات برنامجها النووي الذي يثار حوله لغط شديد في الساحة الدولية. ولكي تنجح علاقاتها مع أرمينيا أصبحت تركيا وثيقة الصلة بحل المشكلة القائمة بين أرمينيا وأذربيجان بخصوص النزاع حول إقليم "ناغورني قره باغ" الذي اجتاحته القوات الأرمينية قبل سنوات قليلة. كما أن الوضع في قبرص يدخل في صميم اهتمامنا ليس فقط بسبب قبرص التركية، ولكن أيضا لأنه مطروح في سياق علاقتنا باليونان. وإضافة إلى كل ذلك، موضوع علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي له مكانة في جدول الأعمال.
قلت له إن من بين تلك العناوين المهمة تحتاج ملفات الشرق الأوسط إلى بعض التفصيل، خصوصا ما تعلق منها بفلسطين وإسرائيل وإيران. هز رأسه موافقا وقال إن أكثر ما يقلقه في الشأن الفلسطيني حاليا هو وضع قطاع غزة الذي تحول إلى سجن كبير مفتوح، يقف الجميع متفرجين عليه وغير مكترثين به، وهو أمر لا ينبغي السكوت عليه ليس فقط من جانب دول المنطقة، بل أيضا من جانب العالم المتحضر الذي يحترم حقوق الإنسان.
فقد كان العدوان على غزة جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس، استخدمت فيها القوات الإسرائيلية الفوسفور الأبيض ضد المدنيين العزل. وبعد العدوان الذي أدى إلى تدمير القطاع وقتل 1500 من سكانه وإصابة خمسة آلاف بجراح، عقد اجتماع شرم الشيخ الذي اتفق فيه على إعمار ما تم تدميره، وخصصت لذلك ملايين الدولارات، إلا أن القرار لم ينفذ، وبقيت خرائب غزة كما هي.
والأدهى من ذلك أن الحصار استمر بحيث قطعت عن القطاع الحاجات الأساسية للناس، وقد سمعت أنهم اضطروا لاستخدام الأنفاق لتهريب الأغنام في الاحتفال بعيد الأضحى. فهذا الوضع البائس وغير الإنساني يتطلب بذل جهد خاص لعلاجه، ولذلك كان من الطبيعي أن يدرج على قائمة جدول أعمال الزيارة.
أضاف السيد أردوغان قائلا: هناك أمران آخران يشغلاننا في هذا السياق، الأول وقف الاستيطان من جانب إسرائيل الذي يعد شرطا ضروريا للعودة إلى مفاوضات السلام، والثاني أننا نقوم بدورنا في التوسط بين إسرائيل وسوريا، وقد عقدت حتى الآن خمس جولات من المفاوضات بين الطرفين. وحين قلت له إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إنه لم يعد مطمئنا إلى وساطة تركيا في هذا الصدد ويفضل وساطة فرنسا، علق قائلا: إننا توسطنا بناء على رغبة الطرفين، وإذا تلقينا هذه الرغبة مجددا فسنستجيب لها، وإذا لم نتلقها فلن نقوم بأي مبادرة من جانبنا.
(3)
الحديث جرنا إلى الوضع الراهن للعلاقات التركية الإسرائيلية، وقرار أنقرة منع إسرائيل من المشاركة في مناورات "نسر الأناضول" السنوية مع الجيش التركي، فقال إنه لم يكن معقولا أن تجتاح إسرائيل غزة وتفتك بشعبها ثم نقول لجيشها تعال تتدرب عندنا، ذلك أننا حكومة منتخبة جئنا بإرادة شعبنا ولا نستطيع أن نتحدى مشاعر الشعب التركي الذي صدمه ما جرى أثناء العدوان على غزة. ولقد كان لاحترام هذه المشاعر دوره الحاسم في خلفية قرارنا، وفي الوقت ذاته أردنا به أن نبلغ الإسرائيليين بأنهم لا يستطيعون تحت أي ظرف أن يستخدموا علاقتنا بهم ورقة في عدوانهم على أي طرف ثالث، فنحن في هذه الحالة لن نقف محايدين أو مكتوفي الأيدي.
قلت إن لدي معلومات تشير إلى أن إسرائيل اخترقت الأجواء التركية كي تقوم بعملية تجسس ضد إيران، وأن هذه الخطوة استفزت القيادة التركية، وكان لهذا الغضب دوره في قرار إلغاء اشتراكها في المناورات. وقد علق على هذه الملاحظة قائلا: إن المعلومة غير صحيحة، وبصوت حاسم أضاف: لو أن إسرائيل فعلت ذلك فإنها ستتلقى منا ردا مزلزلا.
سألته عن نتائج زيارة وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر الذي اصطحب معه 20 من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين، وذكرت له أن بن أليعازر حين كان قائدا لإحدى وحدات الجيش في حرب عام 1967 أمر بقتل 70 من الأسرى المصريين بعد اعتقالهم، وكانوا خليطا من الضباط والجنود.
رد الباشبكان قائلا: إن الرجل زارنا باعتباره وزيرا، وما فعله أثناء حرب 1967 أمر يخص الحكومة المصرية، وقد تمت الزيارة في إطار الاتفاقيات المعقودة بين البلدين، وبعض هذه الاتفاقيات لم تنفذها إسرائيل. سألته عما إذا كانت هذه الاتفاقات قد تمت في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، فقال إن حكومته عقدت اتفاقية واحدة مع إسرائيل خلال السنوات السبع الأخيرة، وهي خاصة بشراء طائرات بغير طيار، وهذه لم تف بها حكومة تل أبيب وقد اضطررنا إلى استئجار تلك الطائرات لحاجتنا إليها، وأمام إسرائيل مهلة بقي منها 40 يوما (ابتداء من الخميس 3/12)، إذا لم تنفذ الاتفاقية خلالها فإنها ستفسخ، أما الاتفاقات الأخرى فكلها عقدت قبل عام 2002.
كنت قد علمت أن مستشار الأمن القومي الإيراني ورئيس وفدها لمباحثات البرنامج النووي سعيد جليلي قد وصل إلى أنقرة حاملا رسالة إليه، ولأن وزير الخارجية الدكتور أحمد داود أوغلو كان في طهران قبل أيام معدودة فقد استنتجت أن الأمر له علاقة برحلته إلى واشنطن، وحين سألته في هذه النقطة قال إن العلاقات الوثيقة بين تركيا وإيران ليست جديدة، وقد وثقتها اتفاقية "شيرين" التي عقدت بين البلدين عام 1939، إذ بيننا تاريخ مشترك في الثقافة والفنون إضافة إلى علاقاتنا الإيمانية (لاحظ أنه لم يذكر الإسلامية ربما تحسبا للمحاذير القانونية التي يستخدمها غلاة العلمانيين ضده).
وأضاف أنه فضلا عن ذلك فالشأن الإيراني أصبح من صميم عناصر الأمن القومي التركي، وإضافة إلى مشروعها النووي الذي نؤيده في استخداماته السلمية، فهي موجودة في العراق وأفغانستان ومطلة على باكستان ودول آسيا الوسطى (التي تصنف سياسيا ضمن العالم التركي)، في الوقت ذاته إيران هي المصدر الثاني الذي نعتمد عليه في الغاز بعد روسيا، لذلك فإن استقرارها يهمنا للغاية، وتوتر علاقاتها بالولايات المتحدة والغرب لا بد أن يقلقنا. ولذلك فمن الطبيعي أن يستمر التشاور والتفاهم بيننا، ولا غرابة في أن يكون الملف الإيراني مدرجا ضمن جدول أعمال زيارة واشنطن.
(4)
كان السيد أردوغان قد صرح في مؤتمر صحفي عقب زيارته لإيران بأن تعاون البلدين قادر على أن يملأ الفراغ في المنطقة، وحين طلبت منه إيضاحا لذلك قلت إن هذا الجهد يظل غير كاف ما لم تنضم إليه مصر، لتصبح الضلع الثالث في مثلث القوة في الشرق الأوسط.
وهو يعقب على كلامي قال إن التفاهم بين تركيا وإيران قطع شوطا بعيدا في احتواء أمور كثيرة محيطة بالبلدين، علما بأنهما أصبحا هما الأكثر تأثيرا في المنطقة، وحجم التبادل التجاري بيننا 10 مليارات دولار الآن، نأمل أن يصل إلى 30 مليارا خلال فترة وجيزة. وما أقصده أن البلدين في وضع يسمح لهما بالقيام بدور كبير في الشرق الأوسط، دون أن يتدخل أي منهما في شؤون الآخر الداخلية.
أما مصر -أضاف- فهي الدولة العربية الكبرى التي لا غنى عن دورها، وثمة تفاهم طيب بيننا كان له إسهامه في وقف العدوان على غزة، ولدينا تعاون اقتصادي جيد معها، لكننا نتطلع إلى زيارة الرئيس مبارك يوم 15 ديسمبر الحالي، وأملنا كبير في أن تحقق تلك الزيارة طفرة نوعية تنقلنا إلى عهد جديد في مسيرة التعاون التركي العربي.
عند هذه النقطة قطع أردوغان كلامه وقال إنه بعد زيارته الأخيرة إلى ليبيا أدرك أن الخلافات العربية استفحلت لدرجة أصبحت معها بحاجة سريعة إلى الاحتواء، وأن الأمل معقود على الدول العربية الكبيرة كي تلعب دورا في هذا الصدد.
عندئذ قلت: بعد إلغاء تأشيرات الدخول مع سوريا أولا ثم الأردن وبعد ليبيا وألبانيا، ما هي خطوتكم التالية في هذا الاتجاه؟
في رده قال إن تركيا أمضت عقودا وهي غير قادرة على مخاطبة جيرانها، وقد اختلف الأمر تماما بما يعادل 180 درجة، حيث مدت جسورها وأياديها إلى الجميع وحلت كل مشاكلها المعلقة مع الجيران، ونحن نتطلع إلى يوم نتفق فيه على تأشيرة واحدة إلى كل الدول العربية، كما حدث مع أوروبا التي تسمح تأشيرة "شنغن" لزائرها بأن يتجول في كل بلدان القارة باستثناء إنجلترا.
قلت: هل هذا التوجه من إفرازات سياسة "العثمانية الجديدة
قال: هذا المصطلح مغلوط ولا أحبذ استخدامه، فضلا عن أنه تعبير خاطئ يبتسر الماضي وينتقص من قدره، كما أنه يستدعي إلى الذاكرة مرحلة اندثرت ولا سبيل إلى إحيائها، وإن جاز لنا أن نتعلم دروسها ونستفيد منها. ونحن لا نسعى إلى إقامة مستقبل رومنسي يدغدغ مشاعر الناس، لكننا نسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك، لأن تبادل المصالح على نحو متكافئ يفتح الباب لاستقرار التعايش والسلام بين الشعوب، وهذه السياسة هي التي مكنت تركيا من تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية لأنها لم تكن تعتمد على جهة واحدة في تعاملاتها وإنما وزعت أنشطتها على دائرة واسعة في الدول فتنوعت أسواقها ومن ثم تنوعت مواردها الاقتصادية.
(5)
كنت قد بعثت مسبقا إلى مكتبه بالمحاور التي وددت أن يدور حولها الحديث، وأوردت محورا يتعلق بعلاقة حكومته بالجيش الذي ظل يعد القوة الحقيقية صاحبة القرار في تركيا منذ وصول الكماليين إلى السلطة وإلغاء الخلافة الإسلامية في عشرينيات القرن الماضي، وهي العلاقة التي أصبحت محل لغط في العام الأخير بعد اكتشاف ضلوع بعض قياداته في منظمة أرغينكون السرية، وهي التي كانت وراء الكثير من الاغتيالات وأعمال الفوضى في البلاد، خصوصا أن وثيقة عثر عليها مؤخرا تحدثت عن الإعداد لحملة اغتيالات ومظاهرات استهدفت إسقاط حكومة حزب العدالة.
كذلك كنت أعلم أن السيد أردوغان بصدد عقد اجتماع مع قيادات الجيش لمناقشة تطورات الموضوع بعد استدعاء بعض قادة أسلحته السابقين للشهادة أمام محكمة مدنية لأول مرة في التاريخ التركي المعاصر، لكن كبير مستشاريه قال لي إنه يخشى أن يساء فهم الكلام في هذا الموضوع الحساس، وقد يظن البعض أن السؤال موحى به من قبل فريق أردوغان للتأثير على مسار الأحداث. وقد قدرت حساباتهم الدقيقة وسألت رئيس الوزراء عن ملف منظمة أرغينكون فرد بإجابة مقتضبة قال فيها إن الأمر كله أمام القضاء، ولا يجوز له قانونا أن يعلق على قضية معروضة على القضاء قبل أن يفصل فيها.
حاولت أن ألتف حول الموضوع فسألته عن عدد مرات محاولات الاغتيال التي تعرض لها (معلوماتي أن إحداها كشفت في الشهر الماضي)، فقال إن الذي لا يعرفه من تلك المحاولات أكثر من الذي يعرفه، وإن الذي يعرفه لا يذكر عدد المرات فيه.
غيّرت الموضوع في النهاية وسألته عما إذا كان متفائلا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي رغم أن القوى المعارضة لذلك تتزايد في أوروبا، فقال إن حكومته سمعت الكثير من الملاحظات خلال السنوات السبع الماضية، لكن ذلك لم يثنها عن المضي في الإصلاحات السياسية، ومن ثم فغاية ما يمكن أن يقوله إنه متفائل بحذر.
كنت قد تجاوزت التسعين دقيقة التي خصصت لي ونبهت إلى أن معاوني الباشبكان ينتظرونه في حجرة مجاورة لإتمام مناقشة ملفات الرحلة إلى واشنطن، ولاحظت أنه بدأ ينظر إلى ساعته، فطويت أوراقي وانصرفت مؤجلا بقية أسئلتي إلى لقاء ثالث أرجو أن لا يتأخر عن العام 2012 حين يرشح أردوغان نفسه لرئاسة الجمهورية التركية، وهي المعلومة التي أصبحت أكبر سر معلن في أنقرة.
..............
الشروق المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.