كنا نعتقد أنه مع سقوط الرئيس التونسى السابق بن على فى تونس ومبارك فى مصر والقذافى فى ليبيا أننا كشعوب عربية قد تحررنا وحصلنا على حريتنا بالكامل وآن الأوان لكى نفرح إلا أنه ومع مرور العام الأول على بداية الربيع العربى نجد أن كثيرا من الآمال بدأت تتهاوى لأننا كشعوب كنا نعتقد أن التركة التى سنرثها من مؤسسات ظنناها قوية ربما تساعدنا على الانطلاق والتحرر والتطور إلا أننا وجدناها خربة وخاوية على عروشها لذلك حريتنا التى ننشدها علينا أن نبنيها ونحميها لنحصد ثمارها ولكن ليس الآن. وهذه الأحداث التى مرت بها بلادنا العربية الغالية إلى الآن أثبتت لنا أننا لم نكن أبدا دولا ومؤسسات حيث لم تكن النظم السياسية العربية نظما سياسية بالمعنى الحرفى للكلمة كنظام له أسس ومقومات قوة لم يكترثوا لضعفها أو قوتها أو تنوعها كقوى سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية فالفساد السياسى الذى تغلغل فى داخل المجتمع العربى وما صحبه من تزاوج رأس المال مع السلطة قضى على أحلام ملايين البشر الفقراء فى وطننا العربى من أن يحيوا حياة كريمة أو أن يكون لهم أمل أو تطلع فى الحياة. فإن انهيارا كان لابد أن يحدث فى المجتمع العربى وكانت الثورات العربية سابقة على هذا الانهيار حيث ظن حكامنا أنهم آلهة على الأرض تأمر فتطاع ولأن الوحدانية لله سبحانه وتعالى فقط ومن ينازعه فيها يقصمه الله مثل فرعون فلم يعد مقبولا الحديث عن الحزب الواحد والقائد الواحد والنظام السياسى الواحد والرأى الواحد والتفكير الواحد فالوحدانية لله فقط والتعدد سنة الله فى خلقه فقدر الله لأوطاننا العربية أن تصحح مسارها عن طريق شبابها الذى ظلم كثيرا وتم التقليل منه و من قدراته. وعلى سبيل المثال فى مصر مثلا ولعل أكثرها خطورة هو ذلك المتعلق باختيار القيادات مثل الدبلوماسيين والقادة العسكريين وغيرها من المناصب والوزارات الهامة فعلينا أن نعترف أن هناك أجيالا كاملة حرمت من دخول السلك الدبلوماسى وكليات الشرطة والكليات العسكرية كان نتيجة ذلك دبلوماسية ضعيفة خانعة ودبلوماسيين غير قادرين على الحديث مع وسائل الإعلام وضباط شرطة سلموا مفاتيح السلاحليك للمخربين اللصوص وفروا هاربين وجيش قوى والسبب الرئيسى لقوته ليس لأنه لا يوجد واسطة أو فساد فى دخوله بل لأنه يعتمد التنوع كصيغة رئيسية فى تكوينه حيث أنه المؤسسة الوحيدة التى تضم كافة أطياف المجتمع وطبقاته ولم يعتمد طبقة واحدة كالسلك الدبلوماسى والشرطة كمكون رئيسى له وعندما أتحدث لا أعمم وأقول فى بعض الكليات أو فى بعض ما يدخل للسلك الدبلوماسى هناك فساد وأقول إن النتائج هى ما يثبت صحة ما أقول من عدمه وأن هذا هو وقت المصارحة التى تقود إلى المصالحة. إن الفساد فى مجتمع الجامعة والذى رأيته بعينى والحروب الخفية بين أعضاء هيئة التدريس وسيطرتهم على التعيينات الجامعية أنتج لنا جيلا من الأساتذة يؤمنون أن الفساد والمحسوبية هى من أتى بهم إلى مناصبهم فتكون هذه هى أهم القيم التى يؤمنون بها ويتعاملون بها. وهذا المثال الصارخ على الفساد أوجد جيلا متفوقا محبطا منكسرا هناك من قاوم وهناك كثيرون استسلموا وفقدت مصر بذلك درة تاجها وكذلك الحال فى كل الأقطار العربية حيث شربنا جميعا من نفس الكأس. كذلك لا يخفى عن أحد التعيينات فى الهيئات القضائية وسطوة المستشارين وأبنائهم من حاملى المقبول فما أقل ومجموعة الأربعين الذين على الرغم من حصولهم على أحكام قضائية بتعيينهم إلا أنهم مازالوا فى الشارع ونتيجة ذلك أن هناك كما سمعت 90% من الأحكام فى الدرجة الأولى يتم نقضها فى الاستئناف ولتعرف سبب ذلك ابحث عن مستويات وقدرات أعضاء الهيئات القضائية كذلك ستجد تفسيرا لماذا هذا الحرص على استمرار القضاة حتى سن السبعين لأن هذا الجيل من القضاة الذى تجاوز السبعين هم أبناء الفلاحين الذين نصرتهم الثورة التى جعلت من المساواة قيمة هى المعيار وذلك فى بدايتها هذا لا يمنع أن جيل المبدعين فى الخمسينيات والستينيات ليسوا كما يقال من نتائج ثورة يوليو بل إنهم من بقايا النظام التعليمى ما قبل الثورة الذى رأس نظارته يوما ما عميد الأدب العربى طه حسين. لذلك ونحن على أعتاب ثورة تصحيحية جديدة لم يتبين إلى الآن هل هى ثورة على أشخاص كالقذافى وبن على والأسد وصالح فى اليمن ومبارك كشخص أم على نظام سياسى فلو كانت الثورة فى مصر مثلا على نظام سياسى فإنه لن تكون فقط على مبارك بل على نظام ثورة يوليو بما فيه من حكم وسطوة للعسكر فالإشكالية الكبرى هل ما حدث ثورة على مبارك فقط ففى هذه الحالة يجب أن نطلق عليها انقلابا لتصحيح مسار ثورة يوليو أو ثورة على نظام ثورة يوليو فالثورة تكون ثورة على ما قبلها من ثورات وليس على أشخاص فقط وعلى كل فإن لدى أملا فسيحا فى أن تعود الكفاءة وحدها هى المعيار كما أيضا نستفيد من أخطائنا وأن نعيد بناء مؤسساتنا على أسس جديدة وعلى معايير مختلفة وأن نؤمن بأن الحرية الحقيقية لم نحصل عليها بعد فإنها سوف تكتمل عندما نأكل ما نزرع ونلبس مما نصنع ونركب ما ابتكرنا لذلك فإن الحرية التى أعتقدها هى أن يحدث فى المجتمعات العربية تغيير جذرى شامل فى المؤسسات والأشخاص وهذا لم يحدث إلى الآن وليس مجرد تغيير للقيادات والأشخاص وأن ما طرحته من أمثلة بدت وكأنها تفاصيل إلا أنه من المهم أن نطرح مشكلاتنا بتفاصيلها لحلها من جذورها وليس الأمر مجرد الشعب يريد إسقاط النظام فيسقط الرئيس أو العقيد فنفرح فالفرح الحقيقى هو عندما نملك مقادير أمورنا هذا هو مفهومى للحرية كشاب عربى.