من عجائب مصر المتناقضات دائمًا، وكما قال الشاعر قديمًا: «كم فى مصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا».. ومثال ذلك وثيقة على السلمى، فمخرجها اسمه السلمى، والوثيقة فجّرت غضبًا يهدد السلم الاجتماعى، والوثيقة يقال إنها دستورية، وهى ضد الدستور، ويقال إنها لتحقيق وحدة الوطن، وهى تمزقه، والأصل أنها وثيقة ضد الاستبداد، وهى تؤصل للاستبداد. والأصل أن يطلق عليها وثيقة بروتوكولات شياطين الاستبداد، مثال ذلك ما جاء فى بعض بنودها التى تم استخراجها من العالم السفلى لشياطين الاستبداد (بند رقم 9 من الوثيقة يمنع مناقشة ميزانية الجيش فى البرلمان وينص على وضعها رقم واحد فى الموازنة العامة). السؤال الذى يعترض أى مصرى: لماذا يمنع مناقشة ميزانية الجيش؟ والسؤال الآخر: من يحدد الميزانية ويراقبها؟ والسؤال الثالث: أليست مصروفات الجيش ونفقاته كلها من مال الشعب.. فلماذا لا يراقبها ويناقشها أعضاء مجلس الشعب المنتخب من أبناء الوطن؟.. أسئلة عديدة حائرة وستظل حائرة مادام العالم السفلى لشياطين الاستبداد لم تصل إليه الثورة، وربما يقول البعض إنها سرية الأمن القومى. البند الأخطر من ذلك: «يتم اختيار 80 عضوًا من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من خارج مجلس الشعب.. والحد الأقصى لمشاركة الأحزاب والكتل 5 أعضاء».. الرد على هذا البند هو: وما قيمة مجلس الشعب؟.. وما قيمة الاستفتاء؟.. وما قيمة إرادة الشعب؟ أنتم بذلك تقولون: لا قيمة عندنا للشعب المصرى ولا إرادته ولا اختياره.. نحن من وضعنا البند فى عالم شياطين الاستبداد.. نحن الشعب ونحن كل شىء، وعلشان خاطر الديمقراطية ما تزعلش، سنترك لمجلس الشعب 20 عضوًا من المائة.. وكم فى مصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا. ثم ننتقل إلى بند آخر جاء فيه: «إذا لم تنته الجمعية التأسيسية من الدستور خلال 6 شهور يختار العسكرى جمعية جديدة بحريته لوضع الدستور خلال 3 شهور».. يعنى المجلس العسكرى جاهز ومستعد: قوانين - دستور - جمعية تأسيسية. نحن نشكره على سرعته فى تلبية الطلبات لكن ذلك مشروط باحترام إرادة الشعب، ولن يقبل ذلك شعب يحترم إرادته ولا أى سياسى شريف أو مواطن مصرى حر. الأخطر من البند السابق هذا البند الذى يبدو من مطلعه أن مخترعه من أبناء إبليس التشريعات: «للمجلس العسكرى حق طلب إعادة النظر فى مواد مشروع الدستور إذا تضمن نصّا يتعارض مع مقومات الدولة والمجتمع والحقوق والحريات العامة»، من المفترض أن الدستور وضعته نخبة تمثل الشعب كله، وهذا النص يجعل المجلس العسكرى فوق الشعب وفوق البرلمان والجمعية التأسيسية، أى فرعون جديد، ولا يقبل ذلك أعضاء المجلس العسكرى مطلقًا، ولكن شياطين تشريعات العالم السفلى أرادت مجاملة المجلس كما يبدو وتأليهه، فقدمت له تلك الهدية الفرعونية ليبدو الشعب كله جاهلاً لا يعرف مصلحته. الشاهد من كل ما تم طبخه فى مطبخ الاستبداد هو أن تيار الاستبداد اجتمع بناءً على دعوة مهمة وعاجلة، وفى الاجتماع اتفق الجميع أن الحرية خطر على الشعب المصرى، وأن العدالة مصيبة على الشعب المصرى، فهى تجعل العوام والبسطاء والصنايعية والموظفين والغلابة يطالبون بحقوقهم، وهو أكبر خطر على مصر التى شهد لها العالم بالفراعنة، وخطر العدالة خطر يهدد الأمن القومى للفراعنة ويهدد آثار مصر والسياحة، وبالتالى لابد من وضع وثيقة تقيد الحرية، وتمكن للفراعنة من الصمود أمام تيار الحرية والحقوق والعدالة. ويبقى أن البعض يقول إن الوثيقة الشيطانية عمل مقصود به تحجيم الإسلاميين وشغلهم فى معارك جانبية، ولكنى أقول إن تلك الوثيقة خطرها على الشعب المصرى كله وعلى إرادته وعلى حريته وعلى مستقبله، والشعب المصرى كله مطالب بأن ينتبه لتلك الوثيقة الفرعونية، وأن يحبط مخطط فاعلها، وأن يعلن عن إرادته بكل قوة بمليونية تقهر كل الشياطين