القضاء هو الميزان الذى يحقق العدل وهو التجسيد العملى للعدالة على أرض الواقع بأن يعطى كل ذى حق حقه وهو الحارس الأمين والحصن الحصين لمبدأ الشرعية وسيادة القانون على الجميع الحاكم والمحكوم، والقضاء فى نزاهته وحيادته واستغلاله والتزامه بإجراءاته والإلزام بأحكامه يحقق لدى المواطن الأمن والاطمئنان على نفسه وحياته وعرضه وماله وقته فى بلاده ومستقبلها وسلامة نظامها السياسى، وللقضاء والعدالة صورة رمزية تتمثل فى شكل امرأة مجيدة ومحتشمة معصوبة العينين تمسك الميزان المعبر عن الحق والعدل بيد والصولجان أو السيف رمز القوة التذى تحمذى الحق والعدل باليد الأخرى، وذلك كدلاله علذى الحيادية والنزاهة فهذى لا ترذى شخص المتهم أمامها ولا تهتم بمكانته أو سلطته أو جنسيته أو عقيدته لأن جميع الناس عندها سواسية، والمهم فى الأحكام التى تصدرها سلامة القوانين والإجراءات وتحقيق العدل، وهو الدور المنوط به لحماية الحريات وحقوق الأفراد وفقا للدستور والقانون، ومن المعلوم قانونا أن القضاة مستقلون لا سلطات عليهم فى قضائهم لغير القانون وليس لأحد كائن من كان التدخل فى القضاء. مفهوم استقلال القضاء: يقصد باستقلال القضاء، عدم جواز التدخل والتأثير من قبل الغير على ما يصدر عنه من إجراءات وقرارات وأحكام والتدخل والتأثير مرفوض سواء كان ماديا أو معنويا وسواء تم بكيفية مباشرة أو غير مباشرة، وبأية وسيلة من الوسائل ويدخل فى نطاق الممنوع من التدخل، والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وغيرهما من أشخاص القانون العام والخاص، ويقتضذى استقلال القضاء من جهه أخرذى وجوب امتناع القضاة من الاستجابة أو القبول أو الخضوع لأى تدخل أو تأثير، وتبا لذلك فلك فن القضاة لا يمكن أن يستجيبوا ويخضعوا إلا لصوت القانون والضمير. الهدف من الاستقلال القضاء: الهدف من استقلال القضاء من حماية هذا الاستقلال هو تحقيق العدالة التذى لا يمكن أن تتحقق فى غياب أحد مقوماتها الأساسية وهو استقلال القضاة وحماية هذا الاستقلال من أى تدخل وتأثير.. التأثير السلبى الإعلامى على القضاء: أصبح للإعلام سلطته وآليته الذاتية فى تناول سائر القضايا عموما والأطروحات المجتمعية على وجه الخصوص والتى من بينها أخبار وتغطيات التحقيقات والقضايا والمحاكمات فأصبحنا نقرأ فى الصحف تغطية خبرية إعلامية لقضايا منظورة أمام المحاكم يدخل فيها عناصر الإثارة الإعلامية المطلوبة لتحويلها لمادة مستهلكة إعلاميا، وتتلو التغطية الإعلامية كتابات وتعليقات فى الصحف وبرامج الفضائيات بل والمنتديات والشبكات الاجتماعية بما يجعل الحكم القضائذى محل تعليقات جريئة "ولن أقول متجاوزة" ولم نعهد هذا الأمر من قبل، إنه أمر جديد وخطير على طرق تدبيرنا للحقيقة، وإن من القضاة من يطالب الآن وبحق بتغليط عقوبة نشر أمور من شأنها التأثير الإعلامى على القضاء المنوط بهم الفصل فى أنزعة مطروحة أمامهم وتوسيع النص بشموله أى وسيلة نشر أخرى ليس الصحف والمجلات فحسب، بل بأى وسيلة أخرى يتم خلالها تناول القضايا المنظورة أمام القضاة بما يؤثر بالقطع على حيادية القاضى، لكونها جريمة مؤثمة قانون "بموجب المادة 187 من قانون العقوبات". ورغم أنه مثلما يحرص القضاة على استقلالية القضاء، فهم بوصفهم ضمير الأمة يحرصون على عدم الافتئات على حرية واستقلالية الإعلامى بكافة صورة، فما الذى يضير القضاء فى أن يغطى الإعلام القضايا المنظورة "بحيادية وتجرد ومهنية" ودون استباق الأحكام وعقد المحاكمات الموازية كما نجدها الآن بما يسمى برامج التوك شو، من استضافة بعض القانونيين أو أصحاب الفكر واستدراجهم للتعليق والتوقع لما يجب أن تكون عليه إجراءات المحاكمة بل وتوقع العقوبة المفترضة على المتهمين قبل إدانتهم بحكم نهائذى من قاضيهم، فأذى عبث هذا، وأى إكراه معنوى يمارس على القاضى، وأى تشهير وتنكيل بحق المقدمين للمحاكمة، والتذى تكفل لهم كافة الدساتير والقوانين محاكمة عادلة منصفة. أنظروا يا أولى الألباب فى الأنظمة القضائية الأخرى التى يعتمد حكم الإدانة فى القضاء الجنائى فيها على هيئة المحلفين وليس على القاضى "كالنظام الأمريكى" ففيه تلجأ السلطات القضائية إلى عزل المحلفين بشكل كامل عن الإعلام طيلة أمد نظر القضية إذا كانت القضية متناولة من قبل الإعلام، والعزل هنا يعنى حجب كل وسيلة إعلامية عن المحلفين ومن صحف ومجلات وراديو وتلفاز، فلما تلجا السلطات لتلك الطرق القاسية على المحلفين الجواب: لأنها الصواب، من الناحية الحقوقية القانونية، لضمان عدم تأثرهم فى تكوين قناعاتهم بأى مؤثر خارجى خلافا للمعروض عليهم من معطيات القضية المنظورة، هذا عن المحلفين من سائر الناس فما بالكم بالقاضي. القاضى لا يقضى بعمله الشخص: ففى الوقت الذى يلتزم القضاء بحياديته واستقلاله، فانه يسعى إلى تحقيق العدالة دون تغليب أى طرف من هذه الأطراف على أخر، معتمدا فى ذلك على ما يتوفر أمامه من أدلة وأسانيد فى القضية، ولا يمكن للقاضى بأى حال أن يعتمد أو يستند لما يعرضه وسائل الإعلام من طرح بشأن قضية ما أو حتى يعتقدها صحيحة، كما لا يكمن من القواعد القانونية المستقرة وتأكيدا لمظاهر الحيدة، يجب أن يقتص القاضى فى استدلاله "فقطٍ" على الأدلة المطروحة إمامة والمقدمة من الخصوم، وفقا للطريق الذى رسمه القانون لتقدمها، ومن ثم فلا يستطيع القاضى الأستناد لعلمه الشخصى بواقعه معينة متعلقة بموضوع النزاع، ولا يستطيع أيضا أن يبنى حكمة على دليل تحراه بنفسه خارج منصة القضاء وجلسة المحاكمة، ومن ثم فلا مجال للإعلام فذى تبرير أو خلق صورة متناقضة أو متعارضة مع النص العقابذى والدفع باتجاه تشكيل رأى معين مخالف لهذه المصادر وبالتالى الإساءة إلى القضاء، كما أنه يؤثر "بالسلب" نفسيا وعلميا على حسن أداء القضاء لمهمته النبيلة، وبالتالى يساهم الإعلام وفقا لهذا عن قصد أو حتى دون قصد فى الإضرار بقضية العدالة ككل. ومن ثم فقد نص قانون العقوبات فى مادته الرقيم 187 على جزاء الجهة التى تنشر أمورا من شأنها التأثير فى القضاء الذى أنيط بهم الفصل فى دعوى مطروح أمام جهة من جهات القضاء، كما نص أيضا على جزاء كل من نشر بإحدى طرق العلانية إخبارا بشأن محاكمة قرر القانون سريتها أو منعت المحاكمة نشرها أو تحقيقا قائما فى جناية أو جنحة أو وثيقة من وثائق التحقيق أو أخبار بشأن التحقيقات وما يجرى فى الجلسات العلنية للمحاكمة بسوء قصد ونية وبغير أمانة ومهنية بمخالفة قرار المحكمة بسرية ما يجرى من تحقيقات فى القضية المنظورة أمامها، فبات من الضرورى معرفة الإعلام الالتزام بالمهنية تجنبا للتأثير على ضمانات وإجراءات المحاكمة العادلة، ومن هنا يتعين حجب المعلومات عن الإعلام تجنبا لتلك النتائج التذى تؤثر ليس على المسار القضائذى المطروحة فحسب، وإنما على القاضذى بشكل غير مباشر وتمثل نوعا من الإكراه المعنوى عليه، بل وعلى العدالة بشكل مباشر، ووفق ذلك ينبغى أن تكون المعلومات المتوفرة أمام القاضى بعيدة "مؤقتا" عن الإعلام، وهذا الحجب من واقع الاستقلالية التى يتمتع بها القضاء، وهو أمر واجب التقدير والاحترام والالتزام به من الكافة، لأن التحليلات والاستنتاجات التى تنشرها وسال الإعلام فذى تناول قضية معينة لم تزل معروضة ومنظورة أمام القضاء ستؤثر سلبا فذى تكوين قناعة ووجدان القاض، وتتعارض أيضا مع الاعتبارات والضمانات التى وفرها القانون للمتهم فى ضمانات المحاكمة المنصفة العادلة العادلة وتسبقها سرية التحقيق وهذه السرية توفر الحماية للمتهم من كل تشهير يقع عليه، فالمتهم برىء حتى تثبت إدانته وأن نشر أى معلومات متعلقة بتحقيقات النيابة العامة قد تضر بمصلحة طرف الأدلة، وقد تعقد المحكمة جلساتها بشكل سرى خلافا لمبدأ العلنية فى بعض الأحوال المنصوص عليها قانونا ومن مقاصد العلنية هنا أن يثق الجمهور بحسن سير وأداء القضاء فى تحقيق العدالة والتطبيق السليم للقانون بما يحقق الردع العام. وعليه فالقضاء ملزم بالتمسك بالاستقلالية والحياد كمبدأ ثابت من الثوابت القضائية، يمارس مهامه بتجرد وحياد ، ملزم بحسم القضية المعروضة أمامه فقط بادلتها دون أن يرزخ تحت نير قيود وضغوط الاعلام . وأخيرا فإن ترسيخ هيبة السلطة القضائية واحترام استقلاليتها لا يكون بانغلاق القضاء كليا على الإعلام، إذا ما نظرنا إلى الجانب الإيجابى لدور الإعلام المتوازن، الذى لا ينتهك المحظورات، فقد بات من الضرورى وجود تنسيق أعلامى بين عمل السلطة القضائية والمؤسسة الإعلامية، مثلما نجد أن رقابة الإعلام تعزز قوة ومنعة القضاء، باعتبار أن الإعلام بوابة المعرفة فى نشر الثقافة الإنسانية. قاضى بمحكمة جنايات شبرا الخيمة .