أنجريد بيتانكور فى مؤتمر صحفى قبل رحلتها إلى فرنسا AFP بعد سلسلة من المحاولات السياسية والدبلوماسية بل والعسكرية، نجحت قوات الجيش الكولومبى الأربعاء، فى إطلاق سراح "أنجريد بيتانكور"، بعد ست سنوات من الاحتجاز لدى منظمة القوات المسلحة الكولومبية الثورية "فارك". لم تكن بيتانكور شخصية سياسية معروفة على المستوى الدولى، ولم يكن لديها شعبية فى كولومبيا، حتى عندما قررت الدخول فى معترك الانتخابات الرئاسية فى كولومبيا، توقعت استطلاعات الرأى حصولها على 4% فقط من الأصوات الانتخابية. ولكن جاءت عملية الاختطاف لتصنع منها أشهر شخصية سياسية فى العالم، وهو ما ساعد عليه أيضاً أصولها الفرنسية التى أكسبتها شعبية طاغية، خاصة بعد أن نشرت كتابها "حسرة فى القلب" (La rage au coeur)، مما دفع فرنسا تحت ضغوط داخلية شعبية إلى بذل الجهود السياسية والدبلوماسية للإفراج عنها. وتحمل قصة "أنجريد بيتانكور" العديد من المفارقات التى يمكن ربطها بواقع الدول النامية، التى تفتقد للاستقرار والأمان، بل وغياب الدولة بمفهومها الحديث المرتكز على حكم القانون والمؤسسات... كما تطرح قضية مهمة للنقاش تتمثل فى وسائل وآليات الصعود السياسى فى دول العالم الثالث!! البداية.. صعود بطئ واختطاف بالصدفة ولدت بيتانكور فى 25 ديسمبر 1961، ودخلت عالم السياسة من خلال عملها فى وزارة المالية الكولومبية، وتم انتخابها فى عام 1998 كعضو فى مجلس النواب، ثم قامت بعدها بتأسيس حزب سياسى أطلقت عليه اسم "الأكسجين الأخضر". قررت فى عام 2002 دخول سباق الانتخابات الرئاسية فى كولومبيا، وبدأت حملتها الانتخابية فى مايو من نفس العام، بالنزول إلى الشارع وعقد لقاءات جماهيرية وشعبية فى العديد من المناطق. وقررت المرشحة للرئاسة الذهاب إلى المنطقة "منزوعة السلاح" فى مدينة سان فيسينت للقاء قادة "فارك"، حيث اعتبرت هذا اللقاء جزءا مهما فى حملتها الانتخابية، فى إطار برنامجها الانتخابى، متجاهلة تحذيرات الحكومة والسلطات الأمنية. وخلال رحلتها، وقع قتال عنيف بين الجيش الكولومبى وقوات "فارك" فى المنطقة منزوعة السلاح، انتهت بأسر بيتانكور، فى عملية لم يكن مخطط لها مسبقاً، حسب ما قال المتمردون. وكان زوجها قد وعد بمواصلة حملتها الانتخابية، والتى انتهت فى النهاية إلى حصولها على أقل من 1٪ من الأصوات. جهود الوساطة.. وفك الأسر استغل متمردو "فارك" عملية اختطاف بيتانكور، وطالبوا بإيجاد آلية رسمية لمبادلة أسراهم البالغ عددهم 500 مقابل 60 شخصاً قد اختطفوهم أثناء حروب العصابات، بما فيهم المرشحة للرئاسة. ودخلت القوى الدولية ممثلة فى فرنسا وكولومبيا فى مباحثات مع الخاطفين منذ 2002 2008، حتى تدخل الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز بتصريح من الحكومة الكولومبية وبمشاركة الصليب الأحمر. ويبدو أن الصدفة لها دور مهم فى حياة بيتانكور، ففى عملية تمشيط اعتيادية للجيش الكولومبى، اصطدم خلالها بقوات حركة "فارك"، استطاعت قواته تحرير الرهينة أنجريد بيتانكور، وثلاثة رهائن أمريكيين وأحد عشر عسكريا كولومبيا. وصرح وزير الدفاع الكولومبى خوان مانويل سانتوس، بأن الرهائن، وبينهم الأمريكيون مارك جونزالفس وتوماس هوز وكيث ستانسل، حرروا أيضا. وأشار سانتوس إلى أنه تم تحرير الرهائن فى عملية عسكرية، أمكن خلالها التسلل إلى مواقع المجموعة الأولى من القوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك"، المسئولة عن احتجاز مجموعة كبيرة من الرهائن خلال السنوات الأخيرة. ويبدو أن عملية تحرير بيتانكور ستكون بداية النهاية لحركة "فارك" التى كانت تسعى إلى الشرعية الدولية، من خلال مساعيها المتكررة لرفع أسمها من لائحة المنظمات الأوروبية لدى الاتحاد الأوروبى. حيث لم تستفيد من نشاط ساركوزى السياسى فى بداية حكمه، بإبداء مرونة كافية مع مبادراته للإفراج عن المرشحة الرئاسية، بالقدر الذى كان يمكن أن يجعل من باريس داعما وسندا أساسيا لها فى محاولاتها للاعتراف بها كقوى سياسية معارضة. بيتانكور.. تقصير حكومى واضح ربما يحاول البعض عدم إلقاء اللوم على الحكومة الكولومبية فى مأساة أنجريد بيتانكور، على اعتبار أن السلطات حذرتها من هذه الخطوة، ولم تستمع إليها، لكنها فى الواقع تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية، فمن المعروف فى بروتوكولات حماية الشخصيات السياسية المهمة، أن المرشح الرئاسى فى أى دولة تكون له حراسة مشددة، بل ويتم التعامل معه على أنه رئيس جمهورية. كما أن المتعارف عليه أيضاًً فى حالة وجود خطر داهم على شخص الرئيس، يتم تكثيف الاستعداد الأمنية بشكل يجعل لقائد هذه الحراسة سلطة إصدار القرار المناسب لحماية حياته، حتى وإن كلفه هذا الأمر فيما بعد منصبه. وما بين هذا وذاك.. يبدو أن بيتانكور اتجهت نحو اعتزال السياسة، وهو ما تجلى فى سفرها إلى فرنسا مع أهلها، فى رحلة يمكن أن تكون بلا رجعة، سواء إلى كولومبيا أو إلى السياسة.. وهنا يثور التساؤل: هل يمكن للمعارضين السياسيين بعد مرورهم بتجربة قاسية (الاختطاف أو السجن) أن ينسحبوا من الحياة السياسية؟..