التعليم هو أساس نهضة الأمم والشعوب ومصدر عزها وتقدمها ..لكن المسئولين فى بلادنا لا يجهلون أهمية التعليم فحسب، بل إنهم جعلوا منه عذاباً للبشر! وغدا النظام التعليمى فى بلادنا مجالاً للتخبط وتجارب الوزراء، مرة بخفض السلم التعليمى الأساسى بإلغاء السنة السادسة الابتدائية، ومرة بإرجاعها.. ومرة أخرى بجعل الثانوية العامة على مرحلتين، ثم التفكير بإعادة النظر لجعلها سنة واحدة..! فضلاً عن فقدان المدارس لدورها التربوى والتعليمى، وهروب التلاميذ والمدرسين - على السواء- من المدارس، للتفرغ للدروس الخصوصية. وأضحت المدارس خاوية على عروشها، والعملية التعليمية تتم خارج أسوارها، وأصبحت الدروس الخصوصية أكبر عبء على كاهل الأسرة، بل نستطيع القول: إن الأسرة تعانى من الدروس الخصوصية أكثر من الارتفاع الجنونى لأسعار السلع والمواد التموينية، فالدروس الخصوصية تلتهم أكثر من 15 مليار جنيه من الإنفاق العائلى، فضلاً عن أنها عودت الطلاب على الاتكالية والخمول العقلى، وأصبحت الثانوية العامة شبحًا مخيفاً للأسر المصرية، بل عذاباً متواصلاً للطلاب وأولياء الأمور على حد سواء. إن الثانوية العامة أكبر تجسيد لأزمة النظام التعليمى المصرى، لأنها مرحلة فاصلة فى حياة الطلاب، تحدد مصيرهم وتطلعاتِهم نحو المستقبل والكليات التى يرغبون فى الالتحاق بها. وللأسف، أصبح المدرس هو سيد الموقف فى ساحة الثانوية العامة، ليس بهيبته التى ضاعت، ولا بمادته العلمية التى نضبت، فأصبحت أبعد ما تكون عن تعويد الطلاب الإبداعَ والابتكار. ليس بشىء من ذلك كله، وإنما أصبح سيدًا بتحكمه فى الدروس الخصوصية وتحديد أسعارها وزمنها، وأصبحنا نعيش فى زمن المدرس صاحب الدخل الكبير، الذى يفوق الطبيب أو المهندس، ربما رجل الأعمال. ورغم كل هذه المتاعب التى تتحملها الأسر المصرية فى سبيل تعليم أولادها، تُفَاجَأُ كل عام فى شهر يونيه بنكسة الثانوية العامة تطاردها، ويعلو صراخ من الطلاب وعويلهم من صعوبة الأسئلة، وبعدها عن نماذج الأسئلة المعتمدة من الوزارة، بل ووجود بعض الأسئلة التعجيزية، كما حدث فى امتحان اللغة الألمانية العام الماضى، حيث احتوت الأسئلة على كلمات لا يعرفها سوى الأكاديمى الخبير فى اللغة الألمانية، وليس طالب الجامعة أو الثانوية.. ولا يمكن أن ننسى سؤال الفرنساوى الشهير من سنوات: "تخيل أنك تركب عربة حنطور"! ونعتقد أن أزمة الثانوية العامة ومشاكلها عرض لمرض خطير، يتجسد فى نظامنا التعليمى المتخلف والمتخبط، والذى يجب أن يعاد فيه النظر الشامل الفاحص لكافة زواياه وأركانه وتفصيلاته، من مناهج عقيمة كثيرة الحشو، وأساليب تقويم بالية ما زالت تستخدم فى امتحانات الثانوية العامة...إلى آخر تلك التفصيلات المتراكمة. نحن فى حاجة إلى مناهج دراسية تنمى روح الإبداع والابتكار، وتُكسب الطلاب ملكة التذوق، وتبث فيهم حب الثقافة والمعرفة، ونحتاج إلى عملية تقويم متطورة، تقوم على أسئلة ذات إجابات متعددة، وليس الإجابة "اليتيمة" التى يطلقون عليها خطأً (الإجابة النموذجية)، بل هى الإجابة القاتلة لروح المرونة والإبداع والنضج فى عقلية الطلاب، الملغية لكل قدرات وإمكانات الطلاب، ولكنها للأسف مدعومة بختم الوزارة. عندما ينهض التعليم، و"تقوم" عملية التقويم، وتنمى المناهج الدراسة وعى الطلاب، سينحسر مد الدروس الخصوصية، ويعود للمدرسة دورها المنشود فى التعليم، حتى نستطيع تحفيز الطلاب على السعى لتحصيل المعرفة بأنفسهم، وليس بالتلقين والحشو بالمعلومات الجافة، التى يحفظونها بلا وعى، أو تفكير.