أقلب صفحات الويب من آن لآخر لأتعلم وأستمتع، لأغوص بين جنبات الأحرف الناضجه والعابثه، يسعدنى تواجد عقول ناضجه تتناول قضايا الأمة بعقلانية وتفتح وتناقش وتجتهد فى الطرح وتوفر مناخا جيدا للنقاش ليستفاد منه فى مجال الإصلاح، وأتعجب من أقلام تفرغت لسرد التافه من الأخبار، وتناول توافه الأمور وساهمت فى نشر الشائعات، وتناول البعض بالغمز واللمز. فعلى رحابة صفحات الويب نجد الكثير من الأوقات الضائعة والهمم المثبطة والعقول المغيبة فى شتات لا تجد من يقودها ويأخذ بيدها إلى الطريق القويم والقنوات الصحيحة كى تفرغ ما بداخلها من أفكار ومشاعر، وبعد تجارب عديدة ومعانقة عينى للصفحات المختلفه متجولا بين المنتديات وصفحات الأخبار وحتى الفيس بوك وملبيا للدعوات لأستطلع عن كثب حال أبناء الأمه من خلال ما يطرحونه على شبكة الويب، أنتابتنى حيرة غامرة، فالكثير يكتب ويشارك والكثير يضيع وقتا ليس بالقليل وهو منشغل بتقليب صفحات الويب ورغم ذلك لم أجد استفادة كبيرة بل على العكس وجدت الويب وكأنه تسليه ليس إلا، مكان للظهور والتعارف وتمضية الوقت، وليس مكان لتبادل الخبرات والتجارب والأفكار والاستفادة من خلاصة ما مر به الآخرين وتكوين ركيزة فكرية ونضج عقلانى يعود على أبناء الأمة بالخير من خلال تلاقح الأفكار وتبادل الخبرات، أو محاولة رفع سقف الذائقه الأدبية بما ينمى المشاعر الإنسانيه ويؤسس لتأصيل عرى الترابط الإنسانى بين أبناء الأمه ويرفع من ثقافتهم وإدراكهم، أو فتح مجال لإثارة القضايا الهامة على المستوى الاجتماعى والسياسى والتى تطرح فى سبيل إيجاد حلول لها من خلال التفكير العميق والبحث المثمر الذى يسفر عن توضيح الصورة وجلاء المخبر بما يساعد على حل أى معضلة قد تواجهنا كأمة أو يفتح الطريق أمام إيجاد بدائل للحلول قد تكون غائبه عن وعى البعض. وحتى لا أكون متشائما فهناك إرهاصات للبعض تنبىء أن القادم أفضل من خلال وعى فكرى يطرح نفسه ونقد بناء يحاول أن يجد أرضية لتقبل الآخر ومناقشته والاستعداد لتفهم موقفه، كما أن هناك بعض المنتديات التى باتت محطات رئيسية تطرح قضايانا وتشرع نوافذ الحوار ولا تضع تابو على أى فكر طالما لم يخالف الآداب العامة والأحكام الشرعية، وأيضا هناك نوافذ أدبية بدأت تطل برونق وفاعلية تقدم وجبات دسمة من الفكر والأدبيات الراقيه سواء أكانت شعرا عموديا أو حديثا أو قصص أو حتى مقالات بما ينبىء عن صحوة فكرية لهذه الأمه بدأت تباشيرها مع الاتساع المطرد لمستخدمى شبكة الويب. ورغم ذلك وكما أسلفت مازالت هناك بعض العراقيل المتمثلة فى الكثير من السفسطات الكلامية، والغوغائية الفكرية التى تنتشر عبر الويب، والتراشق بالسباب والألفاظ الجارحة وطعن الأعراض وتناول سفاسف الأمور والتفاهات المتعلقة بأخبار الفنانيين ولاعبى الكرة والتخاصم من أجل شخصية مشهورة هنا أو هناك سواء أكانت سياسيه أو فنية أو كروية، والسرقات الأدبية وعدم الإشارة إلى المصدر، والمجاملات التى تكال لكل من هب ودب بحق وبغير حق، والمراهقات الفكرية والعاطفية التى تنتظر أى حرف لأى طرف تكن له بعض الإعجاب لتغدق عليه من العبارات أقواها وتصوره وكأنه آلة الشعر وإمبراطور الكتابة فى هذا العصر رغم أخطائه اللغوية وهناته العروضية وسطحية تناوله، وأحيانا تفاهة أفكاره المطروحة بل وجهله بأبسط قواعد الكتابه، ناهيك عن اهتمام كثيرين بمواقع تتداول الفضائح وتروج لأفكار علمانية ومواقع إباحية خارجه عن نطاق أخلاقنا، خارقة لعادتنا، وقد وجدت كثيرين ممن يحاولون جاهدين جذب البعض لهذه المواقع والمنتديات عن عمد أو بجهل ولعل آخر وأخطر المواقع ذاك الموقع الذى وسم صاحبه بأنه يدعى الألوهيه وله أتباع وبدلا من تجاهل الأمر تصارع البعض لتناقل الخبر وكأننا لا نعلم خطورة تلك الأفكار على ذوى العقول الفارغه والأنفس الضعيفه، فى عصر برز فيه الخواء النفسى والفكرى من جراء تسطيح الفكر عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ووسائل المتعة الإلكترونية التى خلقت جيلا ممن ينصاع لها دون تفكير جيل متلقٍ ومنفذ ليس إلا، جيلا تعطل لديه العقل واستبدل الخيال وملكة الإبداع، بماكينة طاعة الأوامر وتنفيذها للوصول إلى أهداف معدة سلفا، تهيأ لها أنه بلغ القمة عند تحقيقها. وفى الأساس هى أفكار مقولبة ونماذج تحقق لصانعيها الهدف المنشود وهو الربح السهل السريع، ولم تعد تلك اللعبة البالغة الخطر على عقول أبناء الأمه تأتى فى صورة واحدة ومن اتجاه واحد بل باتت تهاجمنا من كل الجهات فتارة هى لعبة فى أجهزة الألعاب الإلكترونية والتى حذر منها أكثر العلماء لأنها تحد العقل وتفسد التفكير وتحط من قدرات الذكاء لدى أطفالنا وتارة من خلال التلفاز الذى أصبح فى المرتبة الثانيةه، بعدما تعود الكثيرين استبداله كوسيلة ترفيه بصفحات الويب، وحاصرنا بإعلاناته ومسابقاته التى تدعو للتواكل والدعه وترك الإجتهاد، وتحث على البحث الدؤوب عن فرصة واحدة تمثل ضربة حظ ليحصل صاحبها على كثير مما يريد دون تعب أو جهد فقط بضغطة زر أو مكالمة هاتفية، وساهم النت بإعلاناته المباشرة وغير المباشرة فى هذه اللعبة عن طريق الإعلانات فى المواقع التى تمارس شتى اللعبات والمسابقات (أون لاين) أى بطريق الاتصال المباشر عبر النت، وتضييع الفرص والأوقات فى تفاهات لا طائل من ورائها إلا تحقيق الربح لأصحابها وتضييع جيل كامل أعتمد الاستسهال والاستهتار طريقا لتحقيق غاياته. واستخدم الويب كوسيلة تسلية لا وسيلة تعلم، أنتقى من هذه الوسيلة الفاعلة والناجحة فى الإسهام فى تقدم أمم أخرى، أسوأ ما فيها وبدلا من الاستعانه بها فى تقديم ما يرقى بعقلية أبناء الأمه والإسهام فى تقدمها وعودتها لمصاف الأمم المتقدمة، نجدنا أمام حاله من حالات الارتباك واللا وعى التى تحكمنا وتسيطر على شباب أمتنا، تجعل من أفضل وأوسع شبكة معلومات عرفها الإنسان على مر تاريخه شبكة للضياع والتخلف، شبكة تسهم فى تخلفنا أكثر بدلا من أن تدفعنا بما تحويه للتقدم وتحقيق نجاحات عملاقه. ولا يتبقى أمامنا إلا أن ندعوا الجميع للتمسك بالفرصة التى أتاحها تقدم الإنسان وذكائه بتأسيس تلك الشبكة المعلوماتية العملاقة والتى تحوى خلاصة الفكر الإنسانى على مر عصور وتضاف إليها يوميا آلاف المعلومات والخبرات والتجارب العلمية والفكرية والإنسانية لكى نمسك بآخر فرصنا فى لحق ركب التقدم ومواكبة متغيرات هذا العصر الذى بات يعدو ويسابق الريح ونحن لا نزال نحبوا وننتظر.