منذ صغرى تمنيت أن أكون صحفية.. لم تكن طموحى وأحلامى تتمنى كما تتمنى الفتيات بأن تكن طبيبات أو مهندسات بل صحفية ولا شىء آخر. لأننى كنت دائما ما أتخيل تخيلاً يصل إلى حد اليقين أن الصحفى له تركيبة جسدية غيرنا له عين ترصد ما لا نرصده وآذان تسمع ما لا يسمعه أحد وأعود بالذاكرة إلى الوراء و أسترجع كلمات أمى وهى ممسكة بيدها تلك الصفحات ذات الرسومات البسيطة والمعقدة لأننى أدركت بعد ذلك أن أكثر الأشياء بساطة هى أكثرها تعقيدا. ومازالت تلك الكلمات ترن بإذنى إياكى أن تقلبى الصفحة وإياكى أن ترسمى بالقلم وإياكى.. وإياكى سيل من التحذيرات التى كنت غالبا لا أبالى بها. وفى سن المراهقة اقتربت من تلك الصفحات لأمسكها وأقرأها وأنظر إلى صفحاتها وأنظر إلى كتابها الذين شكلوا جزءا لا يتجزأ من نظرتى للحياة والتى يصفها البعض بالتحرر والتى تتقبل الآخر. وانهيت دراستى الجامعية وبدأت بالعمل الصحفى ومن جريدة إلى جريدة ومن مجلة إلى أخرى ظلت تلك الصفحات برسوماتها البسيطة والمفعمة بالحياة تداعب خيالى خاصة أنها المجلة التى أحبتتها صغيرة وتعلقت بها مراهقة وكونت وجدانى ناضجة. وجاء اليوم الذى كتبت به فى صباح الخير التى يتغنى بها الطير صاحبة العقول المتحررة والأقلام الأكثر تحررا وبمجرد أن نشر اسمى أخذت المجلة وأريتها لأمى رغم أنها فارقت الحياة هامسة لها «ماما اسمى نزل فى صباح الخير» التى أحببتها وأتصور أن هذه هى الشطحة الوحيدة من ضمن شطحاتى التى عشتها وتمنيتها وحققتها.؟