منذ خمس سنوات، وتحت ذريعة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وبناء علاقات مع تنظيم القاعدة الإرهابى، تم غزو العراق من قبل التحالف الأمريكى البريطانى. وعبر الإعلام الغربى تم الترويج لحملات إعلامية غرضها المحورى عمل غسيل مخ للرأى العام العالمى بشأن رسم ملامح الشيطان العراقى الصدامى. إلا أن هذه الحرب المستمرة من خمس أعوام لم تبدأ يوم 19 مارس 2003، وإنما بدأت فى يوليو 1981 بضرب بالمفاعل النووى العراقى، حيث كانت رسالة تدمير المفاعل تعنى عدم التمادى فى دخول عصر العمل والتكنولوجيا، ولا داعى للحلم بذلك العصر. ثم كانت حرب إيران العراق (1980-1988) وكانت أيضاً رسالتها واضحة وغرضها مكشوف، وهو انتهاك كل من إيران والعراق. ثم جاء اجتياح الكويت 1990 التى تورط فيها العراق دون وعى بالمخاطر والمستهدفات، وهى التى تسببت بشكل مباشر فى إدخال العراق دائرة التصويب، لذلك ومن بعدها مباشرة كانت الحملة التى روج لها بنيامين نيتنياهو، متهماً العراق بالحصول على أسلحة التدمير الشامل، وهكذا تم توفير الذريعة للحرب التى حلت يوم 11 سبتمبر 2001. وقد كشفت الممارسة العدوانية والاستعمارية من قبل التحالف الأمريكى البريطانى على أرض العراق، زيف وبطلان امتلاك أسلحة الدمار الشامل، كما كشفت التحقيقات وهى كثيرة عدم وجود علاقة مع تنظيم القاعدة. انطلاقاً من ذلك اضطر اليمين المحافظ فى الولاياتالمتحدة وكذلك تابعه تونى بلير إلى رفع شعار بناء الديمقراطية والحرية فى العراق، بعد أن عانى كثيراً من الاستبداد الغاشم، وهكذا تم استمرار الاحتلال وانتهاك السيادة والمؤسسات والإنسان العراقى ذاته، ففى خلال خمس سنوات، أصبح العراق دولة فاشلة، غارقة فى الصراعات والفتن والبؤس والجهل والدعارة والطائفية والتمييز على أساس إثنى ومذهبى وقومى ودينى. وقامت الولاياتالمتحدة بتعميم أفكار تقسيمية ودستور "تفتيتى" وإثارة النزعات الطائفية والمذهبية. وتحت شعار بناء الديمقراطية فى العراق كان الجحيم ، حيث وقع ضحايا لهذا المشروع ولذلك الشعار ما يقرب من مليون ومائتى ألف قتيل من العراقيين، كما تم تهجير ما يقارب أربعة ملايين عراقى خارج العراق، هناك حسب بعض المصادر ما يقارب الثلاثة ملايين أرملة وما يقارب خمسة ملايين يتيم. كما أن جريمة هذا العصر والتى وقعت على أرض العراق هى تصفية القاعدة العلمية التى تم بناؤها أثناء نهضة العراق، وقد تمت التصفية أولاً عبر تفكيك المنشآت العلمية المهمة ونقل بعضها إلى تل أبيب، وبيع أجزاء إلى دول إقليمية مجاورة للعراق تطابقت سياساتها مع السياسة الإسرائيلية لتدمير العراق، وقد تم السيطرة على موقع التويثة (المفاعل النووى العراقى) ونقل أهم وأدق الأجهزة المستخدمة فى المشروع النووى العراقى، والتى تحمل أختام لجنة الرقابة والتفتيش بالأمم المتحدة (الأنموفيك). وقد أكد مدير الوكالة الدولية للطاقة وقتها سرقة المعدات النووية والصناعية ونقلها إلى خارج العراق. وقد شاركت عناصر من الموساد الإسرائيلى وبالتعاون مع البشمركة (القوات الخاصة للأكراد). وبعض من ميليشيات حزب الدعوة وحزب الحكيم والصدر وغيرهم فى تصفية أبرز العقول فى مجال الهندسة الكيميائية والفيزيائية والبحوث المتقدمة. وهناك العديد من قوائم الأسماء العراقية التى تم اغتيالها. وكان الغرض من ذلك كله، هو تصفية القاعدة العلمية التى هى أساس النهضة وبناء المشروع النهضوى فى العراق، وارتفعت البطالة فى العراق فى فترة الخمس سنوات احتلال إلى ما يقارب الخمسين فى المائة، وانتشر الفقر حتى وصل إلى ممارسة الدعارة من أجل العيش، وأصبح مليون ونصف المليون طفل عراقى متشرد فى الشوارع، بعد أن كانت خطط التعليم قد استوعبت الجميع وبعد أن أصبح 33% من الأطفال فى سن الدراسة يتركون التعليم. أما النفط الذى قامت من أجله الحرب فأصبح ما ينتج منه يعادل خمس الذى كان ينتج فى ظل الحكم الموصوف بالبائد من قبل الذين خربوا ودمروا العراق الدولة والإنسان والمجتمع، لذلك نعيش منذ خمس سنوات الانفجارات والتدمير والمذابح وتدمير المراقد المقدسة، ونعيش كذلك أحداث سجن أبو غريب بعد أن سمعنا عن رامسفيلد وديك تشينى والمجندة ليندى إنجلاند ومنظمة بلاك ووتر وخصخصة الحرب. وهكذا أصبحت ساحة الشرق الأوسط خالية من القوة العسكرية والقوة الاستراتيجية الحاملة للمشروع العربى فى مواجهة مشاريع أخرى، وهكذا انفردت إيران بالدور المحورى فى الشام والخليج ، وحلت محل دور مصر والدور العراقى.. إنه الفراغ الذى حل وكان سبباً فى انهيار بعض الأدوار وسبباً فى تآكل بعض القوى، وكل ذلك تحت شعار الديمقراطية!