ثمانية ملفات ثقيلة، يحملها الرئيس حسنى مبارك معه إلى روسيا التى يزور عاصمتها الاثنين والثلاثاء من الاسبوع الجارى، ويلتقى بقيصريها: الحالى فلاديمير بوتين (تنتهى فترة ولايته فى 7 مايو المقبل، ولا ينتهى نفوذه)، والمنتخب ديمترى ميديدييف. وتعتبر زيارة موسكو خطوة فى الزحف المصرى الحثيث نحو الشرق الشيوعى سابقاً. وتعكس مرارة مصرية مما يمكن أن نسميه استعلاء أمريكياً فى التعامل مع حليف إقليمى بوزن القاهرة، يتمثل فى انحياز أعمى وأبكم وأصم لصالح إسرائيل، ومطالب لجوجة لا تنتهى، بدءاً من الدعوة للانخراط فى الحرب الأمريكية على الإرهاب، وليس انتهاءً بالتنازل عن بعض من الكرامة الوطنية فى مسائل داخلية بحتة . وبين هذا وذاك صد وهجران أمريكى مذل. مصر تنتقم لكرامتها الوطنية إذن؟ ولم لا.. فالدول مثل الأشخاص، تحس بالإهانة أحياناً، وتسعى إلى رد الصاع بصاع فى أحيان أخرى، خاصة إذا كانت صاحبة حضارات قديمة بحجم الحضارة الفرعونية. القاهرة ستقايض بالتأكيد على الملفات الساخنة فى الشرق الأوسط : عملية السلام، لبنان، العراق، إيران، دارفور، كوسوفو، العلاقات الثنائية، والملف النووى. لكنها تدرك قبل غيرها أنه من الصعوبة بمكان التخلص من علاقة التحالف مع الولاياتالمتحدة وتكاليفها الباهظة، وتدرك أيضاً أنه من المستحيل استعادة أجواء الحرب الباردة، واللعب على الجانبين الأمريكى – الروسى، ومع ذلك تبحث القاهرة عن هامش للمناورة، حتى لو كان ضئيلاً. وبمنطق إيجاد هامش للمناورة مع واشنطن، يلاحظ حجم التبادل التجارى الضخم فى الأونة الأخيرة بين القاهرة والعملاقين الآسيويين: الصين والهند، فى عملية أشبه بجر رجل سياسية إلى المنطقة، وتوريطهما اقتصادياً للعب دور سياسى (لاحقاً) فى الشرق الأوسط ، حفاظاً على مصالحهما المستجدة، وهى بمليارات الدولارات. غير أن القاهرة وهى تفعل ذلك متعمدة، تحاول أيضاً ألا تغضب القوة العظمى الوحيدة فى العالم ، وتحاذر ألا تسعى لاستفزازها . هناك مثال واحد على الحرص المصرى المبالغ فيه تجاه واشنطن، فعشية زيارة مبارك الروسية، وتوقيعه بنفسه على اتفاقية التعاون النووى السلمى مع بوتين، تسعى القاهرة إلى إرسال إشارات تطمين لا تخطئها عين للدول الغربية، وأولها واشنطن. وهذا ما فعله تحديداً الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء الذى أوضح أن الاتفاقية تندرج تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن فى المقابل، هناك دليل آخر على أن مصر تمسك العصا من الوسط بين الشرق والغرب. إذ لم تعترف حتى الآن، لا هى ولا أى دولة عربية باستقلال إقليم كوسوفو، رغم أن سادس أقلياته مصرية الجذور، مما يعد تمزقاً فى القرار المصرى الخارجى على الأرجح، ويكاد يعصف باستقلاليته تجاه أى قضية دولية. وهنا يطرح تساؤل، هل يمكن اعتبار موسكو على الجانب الآخر حليف محتمل، يمكن الاعتماد عليه نووياً، أو فى غيرالمسائل النووية؟ بالطبع لا . إذ أن روسيا مشغولة طول الوقت بمناورة الولاياتالمتحدة، واللعب معها تكتيكياً واستراتيجياً، وتعتبر دول الشرق الأوسط ودول العالم الأخرى بالنسبة لموسكو، أدوات فى هذا السجال الدولى بين روسيا وأمريكا، وخير دليل على ذلك موقفها من البرنامج النووى الإيرانى.