المقاومة.. كلمة محفورة فى وجدان معظم أبناء الأمة العربية هى حلم أو وسيلة لتحقيق حلم عظيم، حلم التحرر وفى العقود الأخيرة تركز معنى الكلمة فى تحرير فلسطين وكل الأرض العربية التى احتلتها إسرائيل، لكن للأسف فصائل المقاومة اليوم ارتبكت أولوياتها وتاهت بوصلتها وما حدّث فى حرب غزة وما حدث ويحدّث فى سوريا كشف عن أزمة كبيرة تعانى منها المقاومة.. أزمة تهدد بضياع حلم القدسِ. غزة 2014 بينما ينعقد فى القاهرة مؤتمر إعادة إعمار غزة يجب أن نتذكر !سبب احتياج غزة للإعمار مرة أخرى شعب غزة دفع ثمنًا غاليًا وباهظًا فى الحرب الأخيرة ثمن بلغ أَكْثَرَ من الفى شهيد كثير منهم من الأطفال وأكثر من عشرة آلاف جريح، وتدمير كامل للبنية التحتية فى غزة بل إن حتى المنازل لم تسلم من الخراب فهناك أكثر من سبعة عشر ألف منزل هدم أو دمر! لماذا؟ ماذا جنى الفلسطينيون من هذه الحرب.. لا شىء حماس دخلت فى حرب غير متوازنة أو متكافئة وهى تعلم علم اليقين إن من سيدفع الثمن هم أبناء بل وأطفال غزة لكن فرع الجماعة المسلح فى غزة أراد كسب تعاطف عربى كان قد بدأ فى التلاشى بعد انفضاح دور حماس. فى مصر خصوصًا.. حماس أرادت تخفيف الحصار ليس عن شعب غزة ولكن عن مواردها الاقتصادية الّتى يعدّ التهريب من أهمها وهو المورد الذى صنع فى غزة الفقيرة والمحاصرة مليونيرات معظمهم من رجال حماس. وإذا كان السبب الحقيقى وراء توريط حماس لشعب غزة فِى هذه الحرب هو علامة استفهام تستحق التوقف عندها فإصرار حماس على تطويل الحرب كان لغزًا محيرًا.. لماذا أطالت حماس أو على الأقل سمحت لإسرائيل بإطالة زمن الحرب؟ الواقع أن حماس كانت تنفذ تعليمات خارجية من قطروتركيا فكلتا الدولتين أرادتا إحراج مصر وإظهارها بمظهر الدولة التى تخلت عن شعب غزة بل ووقفت مع عدوان إسرائيل وتجلى ذلك بوضوح فى الإقحام الغريب لقضية معبر رفح فى طلبات وشروط حماس وحلفائها لوقف إطلاق النار كذلك ومع ظهور المبادرة المصرية كان لزامًا على حلف الإخوان (تركياقطر حماس) أن يحاول تقزيم الدور المصرى عبر تعطيل المبادرة وإخراج مصر من الصورة لتحل تركياوقطر مكانها ولكن حتى هذا فشلت فيه حماس ومموليها فكانت المبادرة المصرية هى الورقة الوحيدة المطروحة والتى انتهى الأمر بحماس بقبولها بعد أن بدأت إسرائيل فعليًا فى اغتيال قيادات حماس. حساب المكاسب والخسائر أيضًا لم يسلم من التلاعب إسرائيل رغم خسارتها لعشرات من جنودها لكنها لم تقدم تنازلاً سياسيًا واحدًا يستحق الذكر بل إنها استفادت بتجربتها لمنظومة القبة الحديدية وزادت الاستفادة بحصولها على منحة أمريكية تقدر بربع مليار دولار لتطوير المنظومة أكثر كذلك كشفت كل الترسانة الحمساوية بكل مفراداتها رغم كل ذلك تجد حماس تهلل إعلاميًا عربيًا لنصر عظيم. وعندما تناقش أحد المهللين يقول لك قتلنا 60... 70... 80 إسرائيلى ولكن أليس المقابل أكثر من ألفى شهيد؟ طيب.. هل تحررت الأرض أو حتى شبر منها؟ هل دمّر الجيشِ الإسرائيلى؟ هل توقّف الاستيطان؟ الإجابة عن كل هذه الأسئلة هى لاااااا. إذن أين النصر؟ هل فعلاً حياة الإسرائيلى قيمتها توازى مائة طفل فلسطيني؟ هل دماؤنا رخيصة لهذه الدرجة؟ من ينظر لحرب غزة يدرك تمامًا حجم الأزمة التى تعانى منها فصائل المقاومة العربية فحماس لم تكتف بتقسيم فلسطين المقسمة أصلاً والمحتلة بل تورطت فى حرب بدأتها وأطالتها وأنهتها دون يكون للقضية الفلسطينية أي وجود حقيقى فيها سوريا الطائفية تنتصر: سوريا هى نزاع داخلى.. أو حرب أهلية وظفت فيها الطائفية بامتياز لكن من الغريب أن نرى فصائل المقاومة العربية تتورط فى مستنقع كهذا حزب الله هذا الكيان الذى يمارس السياسة فيدخل انتخابات ويشكل حكومات يمتلك أيضًا جهاز أمنيًا موازيًا للأمن اللبنانى بل ويمتلك جيشًا قد يفوق تسليمه الجيش اللبنانى هو دولة داخل دولة وما يزيد الطين بله أن ولاءه الكامل ليس لبيروت بل لطهران.. ومن أجل طهران يهون كل شىء! حتى مصلحة الدولة المضيفة.. لبنان وهو ما تجلى بوضوح فى حرب 2006 التى كانت حرب بالوساطة خاضها حزب الله بأوامر ايرانية ودفع شعب لبنان ثمنها واليوم حزب الله يكرر نفس الشىء فنجد خيرة جنوده وأفضل سلاحه، يحارب فى سوريا دفاعًا عن النظام السورى مورطًا لبنان مرة أخرى فى حرب لم يخترها ولكن اللافت أكثر فى الأزمة السورية هو انقسام من يفترض أنهم فصائل المقاومة بين مؤيد للنظام السورى وداعم لداعش والنصرة فحماس كانت الضلع السنى الوحيد فى مثلث سوريا حزب الله حماس المدعوم من إيران وكان هذا وضعًا خاصًا وصعبًا على جناح الاخوان فى فلسطين لأسباب أيديولوجية وعندما قامت الحرب الأهلية السورية وجدت حماس نفسها بين خيارين أحلاهما مر فإما الانحياز لنظام شيعى علوى ضد معارضة سنية فى الأساس أو خسارة الحليف الأقرب ومن وراءه الحليف الأقوى والحقيقة أن حماس حسمت أمرها بعد وعود وملايين قطرية وقررت خسارة سورياوإيران وهو قرار تحاول حاليًا ومن مدة مراجعته خصوصًا بعد سقوط الجماعة الإرهابية فى مصر وهى التى كانت تعول حماس عليها كثيرًا. المهم أننا أصبحنا أمام مشهد غريب.. حرب أهلية فى دولة عربية، ليس فقط تشارك فيها فصائل المقاومة العربية بل وتصوب فوهاتها نحو بعضها البعض بدلاً من توجيهها نحو إسرائيل. الخلاصة.. المقاومة اليوم تكاد تضل الطريق إن لم تكن قد تاهت بالفعل فما بين فكر التأسلم السياسى وما فيه من طائفية وبين أطماع السلطة ورغبات ومصالح الممولين أصبحت البوصلة نادرًا ما تشير للقدس!! ومبروك لإسرائيل.