تتعلق قيمة المواطنة بحياة المواطن أولاً وأخيراً وعلاقته بالوطن الذى يعيش على أرضه وينتمى إليه، من حيث تأكيد المشاركة والمساواة فى كافة الحقوق وكل الواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز بسبب انتماء دينى أو عرقى أو مذهبى وبغض النظر أيضاً عن النوع والمعتقدات الفكرية. كما أن تفعيل قيمة المواطنة، فى أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إنما يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت من خلال برنامج عمل علمى ومنهجى وذلك حتى تتمكن تلك القيمة وهذا المبدأ من حياة المواطنين وعقولهم ووجدانهم، ومن ثم فهى مسئولية كافة مؤسسات المجتمع الرسمية منها والمدنية. فى هذا الإطار فإننى أشير هنا إلى كتاب مهم عنوانه (المواطنة التزام مسيحى)، وهو من تأليف الكاتب والباحث المعروف الأستاذ سمير مرقس، رئيس مجلس أمناء مؤسسة المصرى لدراسات المواطنة وثقافة الحوار، وهو صاحب فكر متميز وإنتاج فكرى رائد فى التنظير لمبدأ المواطنة على المستوى المصرى وفى الأدبيات العربية عامة. لقد صدر الكتاب مؤخراً ضمن سلسة (الإيمان- الثقافة- المجتمع)، وهى سلسلة متميزة تصدرها أسقفية الشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حيث قدم للكتاب نيافة الأنبا موسى- الأسقف العام للشباب- الذى يقول عن الكتاب "دراسة مركزة وهامة، وتأتى فى مرحلة هامة من مراحل بناء مصر، كدولة حديثة مدنية، يتفاعل فيها الكل بمحبة". ولعل أهم ما يميز هذا الكتاب هو أنه يقدم وجهة النظر المسيحية نحو قضية المواطنة، حيث جاء الكتاب فى مدخل وثلاثة أقسام على النحو التالى: القسم الأول: الإنسان المسيحى والمسئوليات التى عليه، وفيه يتناول الإنسان فى المسيحية- الإنسان صورة الله والمسئوليات التى تترتب على ذلك. القسم الثانى: الإنسان المسيحى "مواطن فاعل" من أجل الخير العام، وفيه موضوعات عن مواجهة الظلم الاجتماعى- تفعيل العمل الاجتماعى- العمل على تطور المجتمع بتبنى القيم الإيجابية الداعمة لهذا التطور- ضرورة المشاركة الإيجابية- تقديم نموذج عملى للمواطنة، القسم الثالث: مدخل إلى المواطنة، وفيه موضوعات تتناول كيف تكونت المواطنة- أبعاد المواطنة- ماذا تعنى المواطنة- الخبرة المصرية للمواطنة- كيفية تفعيل المواطنة. يقدم الكاتب تعريفاً للمواطنة باعتبارها تعبير عن حركة الإنسان اليومية مشاركاً ومناضلاً من أجل حقوقه بأبعادها المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، على قاعدة المساواة مع الآخرين من دون تمييز لأى سبب (اللون- الجنس- العرق- الدين- المكانة- الثروة)، وإندماج هذا المواطن فى العملية الإنتاجية ومن ثم المجتمعية بما يتيح له تقاسم الموارد فى إطار الوطن الواحد الذى يعيش فيه مع الآخرين. كما يذهب مؤلف الكتاب إلى أنه لتدعيم قيمة المواطنة فى المجتمع المصرى فإنه لابد من العمل على تدعيم الاندماج فى المجتمع السياسى- والانتقال من المواطن المقيم إلى المواطن المشارك والفاعل- وتفعيل المواطنة القاعدية- وعدم الارتداد إلى دولة ما قبل المواطنة. زين الكلامة يقول العلامة الشيخ رفاعة الطهطاوى (1801- 1873م) "ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا، نبينه معاً".
