شعبان رياض عبد اللطيف، يبلغ من العمر 45 سنة ولديه أربعة أطفال، أصبح بلا مأوى عندما أخلي قسرياً من الغرفة التي كان يسكنها، مثله مثل بقية الأسر التي كانت تعيش على المنحدر الخطر في منطقة الدويقة الواقعة شرق القاهرة. الجرافة الضخمة التي اقتحمت المبنى الذي يتقاسم فيه المرحاض مع تسعة من الجيران يوم 25 ديسمبر 2009 لم تمهله ما يكفي من الوقت لإخراج ممتلكاته. ومثله مثل العديد من ضحايا الإخلاء القسري، تقدم شعبان بتظلم رسمي إلى سلطة الحي لعله يحصل على سكن بديل، ولكن بلا جدوى. وطيلة شهر كامل، أقامت أسرته مع نحو 26 أسرة مشردة أخرى خياماً قريباً من مساكن سوزان مبارك في الدويقة. وفي 25 يناير 2010، احتشدت النساء خارج مكتب السلطات المحلية لطلب سكن بديل، فما كان إلا أن فرقتهن الشرطة، وفي وقت لاحق تلك الليلة قامت بتمزيق خيامهن. وفقد شعبان رياض عبد اللطيف من جديد مقتنياته البسيطة. في فبراير 2010 تم تشريد شعبان من مطعم الكشري الذي كان يعمل به مقابل 20 جنيهاً مصريا في اليوم، وكان يجلب معه بعض ما يخلفه المطعم من طعام لأطفاله. ومنذ تشريده، لم يعد قادراً على سد حاجات أسرته، ودأب على قضاء حاجته في منافع مسجد قريب والحصول على الماء لأسرته في جراكن من الجيران. ومن غير المتوقع، أن يفضي سعيه إلى الحصول على سكن بديل إلى أية نتيجة في وقت قريب. الحكومة المصرية، مثلها مثل الدول الأعضاء الأخرى في الأممالمتحدة، لم تبخل في العام 2000 في قطع الوعود على نفسها بتحسين المستوى المعيشي لسكان الأحياء الفقيرة باعتباره أحد أهدافها الإنمائية للألفية. حيث مثلت هذه الأهداف الإنمائية للألفية وعداً غير مسبوق بالتصدي للفقر على صعيد العالم بأسره، بينما اعتمدت هذه الأهداف ثماني غايات لمعالجة طيف عريض من القضايا، بدءاً بالفقر المدقع والصحة، وانتهاء بالتعليم والمستويات المعيشية التي ينبغي بلوغها بحلول العام 2015. ولكن بعد مرور قرابة العشر سنوات على هذا الوعد، ما زالت الشكوك تلف مصير أهداف الألفية. وقد أصدرت الأممالمتحدة تحذيراً من أن العديد من أهداف الألفية هذه لن يتحقق في الوقت المحدد ما لم تتغير وتيرة الجهود المبذولة بصورة جذرية. وحتى وفق أكثر التقديرات تحفظاً، فإن ما يربو على بليون شخص قد تخلفوا فعلياً عن الركب. وعلى مر السنين، بيَّن عمل منظمة العفو الدولية كيف أن التمييز والإقصاء يمكن أن يكونا سبباً في كثير من الأحيان في المشكلات التي تسعى أهداف الألفية إلى معالجتها، بل يمكنهما أن يفاقما من هذه المشكلات. ففي الدول الغنية، كما في النامية، كثيراً ما يُخضع المستضعفون الذين يعيشون على هامش المجتمع لانتهاكات لحقهم في السكن الملائم وفي الصحة والماء والصرف الصحي والتعليم، بين جملة أمور. وكثيراً ما لا يتم التشاور معهم بشأن الأمور التي تؤثر على حياتهم، أو يتم تجاهلهم عندما يحاولون رفع أصواتهم. وكما بيَّنت منظمة العفو، فإن المساواة وإشراك هؤلاء الناس أمر لا غنى عنه إذا ما قُدِّر للأوضاع أن تتحسن فعلاً. الآن وبعد عشر سنوات، يجدر بنا أن نتأمل طويلاً فيما وصلنا إليه، وفي السبل التي ينبغي علينا اتخاذها لإنجاز الأهداف الإنمائية للألفية. فمهندسو أهداف الألفية أرسوا هذه الأهداف كنقاط انطلاق نحو تحقيق التقدم بغرض أن تضع الدول بنفسها أهدافها الخاصة بها والتي ينبغي السعي إلى تحقيقها بعد تطويعها لتلائم سياقاتها الوطنية، ولكن ضمن إطار أهداف الألفية. وقد تُرك الخيار للدول كي تقوم بذلك طوعاً. ولسوء الحظ، فإن معظم الدول اختارت ألا تفعل شيئاً. بينما اختارت دول أخرى أهداف تتجاوز مستوى الأهداف الإنمائية للألفية. وعلى سبيل المثال، وسَّعت دول أمريكا اللاتينية ودول الكاريبي من نطاق التزاماتها بشأن التعليم لتشمل التعليم الثانوي. وفي أفريقيا وجنوب آسيا، تبنت كينيا وجنوب أفريقيا وسري لانكا أهداف أقوى مما جاءت به أهداف الألفية في مجال المياه والصرف الصحي. واتخذت بيرو خطوات نحو التصدي للعقبات التي تحول دون تمتع النساء الفقيرات بالخدمات الصحية، بينما استكشفت نيبال آفاق تحسين مستوى رعاية صحة الأمهات. لقد أظهرت هذه الدول أنه بالإمكان تبني الأهداف الإنمائية للألفية من أجل التصدي لأكثر احتياجاتها إلحاحاً ولتعزيز حقوق بعض أكثر الناس ضعفاً في مجتمعاتها. وينبغي على باقي العالم أن يسير على خطاها. إن الفرصة سانحة أمامنا كي نضمن استخدام الحراك السياسي الذي أطلقته أهداف الألفية كمحفز لإحداث تغيير أعمق بكثير مما تحقق، ولآجال أطول، وفق ما يحتاجه من يعيشون تحت وطأة الفقر. ولكن من غير الممكن تحقيق ذلك ما لم يعلن قادة العالم الذين سيلتقون في قمة الأهداف الإنمائية للألفية هذا الشهر التزامهم باحترام الحقوق الإنسانية لمن يحتاجون للدعم أكثر من غيرهم. ولا مناص من التصدي للتمييز ضد المرأة ولإقصاء المهمشين في كل ما يبذل من جهود لإنجاز أهداف الألفية، إذا ما أريد لها أن تكون ذات مغزى. ولتحقيق هذا، ينبغي على الحكومات أن تجري تقييماً صادقاً ومخلصاً لما حققته من تقدم بشأن أهداف الألفية. وينبغي عليها كذلك أن تعمل من أجل وضع حد للتمييز وتعزيز المساواة والمشاركة، وأن تضمن لأبواب التقدم نحو إنجاز أهداف الألفية أن تكون مشرعة للجميع وموجهة نحو إنهاء التمييز وكفالة المساواة بين الجنسين، ونحو إعطاء الأولوية للفئات الأقل حظاً دون مواربة. كما ينبغي عليها أن تتذكر أن إعلان الألفية – الذي انبثقت عنه الأهداف الإنمائية للألفية – وعد بالكفاح من أجل حماية وتعزيز جميع حقوق الإنسان، المدنية منها والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولجميع البشر. وبينما تتقاطر الدول الأعضاء في الأممالمتحدة هذا الشهر لتلتقي وتفكر بصوت عالٍ حول ما تحقق من تقدم بشأن إنجاز الأهداف الإنمائية للألفية، لا يزال ما يقرب من 12 مليون إنسان يعيشون في مناطق عشوائية في مصر. وبين هؤلاء قرابة 850،000 شخص يعيشون في 404 منطقة تم تصنيفها من قبل السلطات المصرية بأنها «مناطق غير آمنة» بسبب خطر تساقط الصخور عليها، أو لكونها مبنية من مواد لا تقاوم عوامل الطبيعة والزمن، أو لأنها تقع مباشرة تحت خطوط الضغط العالي الكهربائية. وحيث تتولى السلطات المحلية وضع خطط التعامل مع «المناطق غير الآمنة» دون تشاور حقيقي مع مجتمعاتها المحلية. يتواصل بلا كلل تجاهل ضمانات الأممالمتحدة ضد الإخلاء القسري، ويُدفع بالأهالي أكثر فأكثر نحو جحيم الفقر. وليس ثمة أحد مثلنا، نحن المدافعين عن حقوق الإنسان، يمكن أن يساعد على تغيير هذا الواقع.