انطلاق العام الدراسى الجديد.. «عبد اللطيف» فى طابور الصباح مع تلاميذ سوهاج    إنفوجراف| أبرز المبادرات والأرقام عن منتدى شباب العالم    البابا تواضروس الثاني من الشرقية: مصر دائمًا منصورة بتكاتف أبناء شعبها    المنتدى الحضري العالمي .. مواجهة التحديات الدولية على أرض مصر    انطلاق ثانى مراحل حملة مشوار الألف الذهبية للصحة الإنجابية بالبحيرة غدا    ندوات توعوية فى مجمعات الخدمات الحكومية بقرى حياة كريمة في الأقصر.. صور    إنسان جديد    الأتربي عن احتفالية وداعه ل بنك مصر: تأثرت بحب الناس    هل تتحمل إسرائيل «الحرب الشاملة»؟!    عاجل - في قلب المعركة.. هاريس تحمل درع النساء وتقف في وجه إمبراطورية ترامب    لافروف: الديمقراطية على الطريقة الأمريكية هي اختراع خاص بالأمريكيين    إيطاليا تعلن حالة الطوارئ في منطقتين بسبب الفيضانات    شاهد الدرع الجديد للدوري عن قرب قبل تسليمه للأهلي    مرموش «أساسيا»| تشكيل آينتراخت الرسمي أمام مونشنجلادباخ    السيطرة على حريق بمزارع النخيل في الوادي الجديد    خريف متقلب.. حرارة وأمطار    تحقيقات النيابة تؤكد: جرعة مخدرات زائدة تنهي حياة شاب في الوراق    مصرع طفل غرقا بترعة ونقله لمشرحة مستشفى دكرنس فى الدقهلية    قبل عرض أولى حلقاته.. إسعاد يونس تروج لمسلسل "تيتا زوزو"    وفاة نجل المطرب إسماعيل الليثي    حشرة قلبت حياتي.. تامر شلتوت يكشف سر وعكته الصحية| خاص    عائلات الأسرى تهاجم نتنياهو.. يتاجر بأرواح شعبه لتحقيق انتصارات وهمية في الشمال    فتح باب التقديم بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الدينى    اهتمام بقطاع الدواء المصرى ..مدبولى: أولوية لتوفير احتياجات السوق المحلى    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد المركزى ووحدات الرعاية    السعودية تحقق ارتفاعا ب73% في عدد السياح الدوليين    بلد الوليد يتعادل مع سوسيداد في الدوري الإسباني    بالصور.. إصلاح كسر ماسورة مياه بكورنيش النيل أمام أبراج نايل سيتي    العاهل السعودي وولي العهد يعزيان ملك البحرين بوفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    رئيس جامعة المنصورة الأهلية يتفقد إجراءات الكشف الطبي على الطلاب الجدد    رئيس الوزراء يتفقد مجمع مصانع شركة إيفا فارما للصناعات الدوائية    أخبار الأهلي: تأجيل أول مباراة ل الأهلي في دوري الموسم الجديد بسبب قرار فيفا    مبادرات منتدى شباب العالم.. دعم شامل لتمكين الشباب وريادة الأعمال    رابط الحصول على نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها عبر الموقع الرسمي    قصور الثقافة تختتم أسبوع «أهل مصر» لأطفال المحافظات الحدودية في مطروح    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج فلكية تدعو للهدوء والسعادة منها الميزان والسرطان    «جنايات الإسكندرية» تقضي بالسجن 5 سنوات لقاتل جاره بسبب «ركنة سيارة»    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوي الهمم بمنازلهم في الشرقية    هانسي فليك يفتح النار على الاتحاد الأوروبي    ضبط شركة إنتاج فني بدون ترخيص بالجيزة    المشاط تبحث مع «الأمم المتحدة الإنمائي» خطة تطوير «شركات الدولة» وتحديد الفجوات التنموية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    مبادرة بداية جديدة.. مكتبة مصر العامة بدمياط تطلق "اتعلم اتنور" لمحو الأمية    استشهاد 5 عاملين بوزارة الصحة الفلسطينية وإصابة آخرين في قطاع غزة    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    باندا ونينجا وبالونات.. توزيع حلوى وهدايا على التلاميذ بكفر الشيخ- صور    في يوم السلام العالمي| رسالة مهمة من مصر بشأن قطاع غزة    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    فيديو|بعد خسارة نهائي القرن.. هل يثأر الزمالك من الأهلي بالسوبر الأفريقي؟    تغييرات بالجملة.. تشكيل الأهلي المتوقع أمام جورماهيا في دوري أبطال إفريقيا    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العظماء يرحلون فى أغسطس
نشر في اليوم السابع يوم 02 - 09 - 2009

إنها حالة حداد، فلنجهز العيون للدموع والقلوب للوجع، والأكف للضراعة، والصدور للخفقان اضطرابا، والعقول للاعتماد على النفس، واليوم لمستقبل بلا آباء، يمر الموت مرة، فيخطف من الأحبة ما يشاء، ويتركنا باشتياقنا للقريبين وقد راحوا بعيدا، يدركوننا ولا ندركهم يرونا ولا نراهم يلوحون لنا ولا نلمح أكفهم يبتسمون لنا فلا يضاء لنا طريق ولا تبهجنا ابتسامة. لا أعرف هل أنعى بهذه السطور "أبي" الذى توفى قبل أيام؟ أم "كاتبي" الذى توفى أمس الأول؟ أم أنعى حفنة من الأدباء والكتاب العظام الذى رحلوا مؤخرا؟ أم أنعى قيما سامقة غابت وتوارت وسادت فى غيابها ما هو أدنى؟ أم أنعى وطنا أراه يترنح وهو يفتقد بوصلة الحق والخير والجمال؟ أم أنعى كل هذا فى شخص محمود عوض؟ أم أنعى محمود عوض وفيه كل هذا؟
يتساقط الأحبة، واحدا تلو الآخر، كما تتساقط الأسنان من فم المسن، ويتساقط الشعر من رأس المريض، وتتساقط أوراق الشجر فى الخريف، وإن قلنا إن البلاد كالسنين، لكل منها فصول للازدهار وأخرى الانحدار، فبلا شك تعيش مصر الآن فى خريفها الممتد منذ أعوام، أشعر بالغبار يملأ الحلوق، والصفار يملأ الوجوه، والغربة تسكن الملامح، والقهر يملأ القلوب، وكما تفسد السمكة من رأسها، تشيخ البلاد من رأسها أيضا فيخطف الموت رموزها وكتابها وضميرها كأننا فى موسم للجفاف، وكأن الصيف هو "حانوتى" مصر القمىء، يأتى الصيف فكأنما تستعد القبور للزائرين ويستعد المودعون للتلويح، وكأننا اعتدنا على الوداع، واستعذبتنا الدموع التى تخرج صافية سالكة طريقها المعلوم.
فى كل صيف من كل عام يأتى الموت حاملا مفاجآته المريرة، واضعا فى قائمته كثيرون مما عشقناهم وعشنا معهم فأعطوا لحياتنا طعما ولونا وشكلا وقيمة، كانت آخر مقالاتى باليوم السابع عن صلاح عبد الصبور الذى رحل فى أغسطس قبل ثمانية وعشرين عاما، وقبلها كانت مقالتى التى كتبتها فى الذكرى السنوية الأولى لمحمود درويش، وتتسع قائمة موتى أغسطس لتشمل عبد الوهاب مطاوع الذى رحل فى العام 2004 والقيادى العمالى إبراهيم شكرى الملقب بالشهيد الحى، وأيضا قبل ثلاث سنوات رحل أديب نوبل نجيب محفوظ فى الثلاثين من أغسطس، وقبله رحل يوسف إدريس ولويس عوض، وفى الماضى البعيد رحل أيضا فى أغسطس كل من سعد زغلول ومصطفى النحاس، وفؤاد سراج الدين، ووفى صيف العام الماضى رحل كل من يوسف شاهين ورءوف عباس، وألبير قصيرى، وسامى خشبة، ونالت الصحافة المصرية أكثر طعناتها إيلاما برحيل كل من رجاء النقاش وكامل زهيرى وعبد الوهاب المسيرى ومحمود أمين العالم وصلاح الدين حافظ، وأبى صيف هذا العام أن يرحل دون أن أودع أبى، وبعده بأيام محمود عوض.
لا أتخيل شكل الصفحة الأخيرة من اليوم السابع بدون "محمود عوض، والآن أتذكر أيام ما قبل صدور العدد الأول فى الرابع من أكتوبر من العام المنصرم، وقتها كنا نجرى الاستعدادات النهائية للخروج إلى النور، ولا أنسى شكل "خالد صلاح" وهو يزف لى مبتهجا خبر الاتفاق مع محمود عوض على الكتابة معنا، ووقتها كان اليوم السابع غير معروف لقاعدة كبيرة من الناس، فكنت حينما يسألنى أحد عن جريدتى الوليدة أقول متندرا: يرأس تحريرها خالد صلاح وأنا ومحمود عوض نكتب فيها، وحينما صدر العدد الأول من اليوم السابع كانت الصفحة الأخيرة تتزين بقلمه وصورته، صارت كل مقالة يكتبها بالنسبة لى درسا من دروس الصحافة، وفى كل مرة أحسده على سعة أفقه وعمق رؤيته واتساع ثقافته وشمولية متابعته، ما من صغيرة ولا كبيرة فى أحوال السياسة والثقافة والاقتصاد فى العالم العربى إلا وأحصاها وربطها بأسلوب صحفى شيق ورشيق، وهو الوحيد من بين كتابنا الصحفيين الذى كنت أرى أن كتاباته تخاطب كل العرب، حتى وهو يتناول أشد الموضوعات محلية وخصوصية مثل تصفية القطاع العام أو مشاكل مصانع النصر للسيارات، كنت أرى الوجه العروبى الأصيل فى كل كتاباته ألمح هذا الوجه ببساطة وفطرية نادرة، وهنا أدركت مدى تمكنه من فن الكتابة الصحفية العالمية التى تصلح لأن تكون وجها صادقا للمجتمع الذى يحيا فيه الكاتب، وكأنه "شاهد المذبحة وشهيد الخريطة" حسبما يقول محمود درويش، فى كل مرة كنت أقرأ فيها مقاله كنت أعتزم مكالمته إلا أن الحياء كان يمنعنى، وحينما كتب عن تجربته فى إنشاء جوائز نقابة الصحفيين لم أستطع أن أمنع نفسى من مهاتفته والثناء على دوره التاريخى النزيه، إعمالا بقول صلاح جاهين "الحلو أقوله يا حلو فى عيونه" فطلبت رقمه من الأستاذ سعيد الشحات وكلمته، كان هادئا ورصينا استنزف منى الكلمات دون رد، وحينما انتهيت من كلامى ظل يستجوبنى عن حالى ومواقفى وكتاباتى وتعليمى ثم فاجأنى فى آخر المكالمة بسؤالى عن رقم تليفونى، وكأنه يريد أن يحافظ على اتصاله الدائم بأبنائه الصحفيين حتى ولم يرهم ولا مرة فى حياته.
"حال الدنيا" هكذا اختار محمود عوض عنوان مقالاته ليؤكد على فكرة أن الصحفى الأمين هو الذى يتابع الأحوال ويراها ويحللها ويتوقع مستقبلها، معتمدا على خبرته الماضية ورؤيته الحاضرة، واستشرافه لما هو آت، ويحسب لمحمود عوض أنه خرج بالصحافة المصرية إلى الفضاء العربى الكبير وكانت مقالاته أشبه بتاريخنا القادم مؤكدا فى كل كتاباته على أن الكتابة قيمة، والكتابة حياة، والكتابة رسالة والكتابة نجاة والكتابة فخ والكتابة صيد والكتابة فريسة، والكتابة فريضة، وكأنه يقول فى كل مقال "حى على الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.