فى الوقت الذى يكشف فيه الإعلام الأمريكى حاليا عن سلسلة أكاذيب وكالة الاستخبارات المركزية بشأن أسلحة الدمار الشامل فى العراق والسجون السرية وأساليب الاستجواب المثيرة للجدل، والاتفاق مع منظمات خاصة لقتل أعضاء من تنظيم القاعدة، تنتظر الأسواق الأمريكية صدور كتاب "اختبار عصرنا: أمريكا تحت الحصار" لتوم ريدج، وزير الدولة السابق لشئون الأمن الداخلى يكشف فيه عن جزء من العالم السرى لصنع القرار فى عهد جورج بوش، خاصة فيما يتعلق ب"الحرب ضد الإرهاب". تصف صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية هذا الكتاب الذى سيصدر فى الأول من سبتمبر المقبل بأنه يمثل لائحة اتهام يوجهها توم ريدج ضد جورج بوش، يدين فيه استغلال الإدارة الأمريكية لصالحها لفكرة خطر التهديد الإرهابى. ويأتى هذا الكتاب فى إطار سلسلة الكشف عن خبايا سنوات بوش و"الحرب ضد الإرهاب"، التى لا تتوقف عن كشف النقاب عن أسرار جديدة كل يوم. ويبدو- كما تقول الصحيفة- أن هذا المسئول السابق رفيع المستوى كان يشعر بمرارة شديدة مما شهده خلال عمله فى إدارة بوش، فقرر أن يفرغ جعبته فى محاولة لينفصل بأكبر قدر ممكن عن هذه الإدارة التى فقدت من مصداقيتها إلى حد كبير. ومن بعض ما يرويه توم ريدج فى كتابه على سبيل المثال أنه لم تكن تتم دعوته لحضور الاجتماعات الصباحية للأمن القومى، وأن مكتب التحقيق الفيدرالى كان يخفى عنه المعلومات، والأسوأ من ذلك، يتهم ريدج عددا من كبار مستشارى إدارة بوش بممارسة ضغوط كبيرة عليه لكى يرفع درجة التأهب الأمنى فى البلاد، وذلك قبيل أيام من إعادة انتخاب جورج بوش فى أكتوبر 2004. ووفقا لمقتطفات من الكتاب، فقد مارس كل من وزير العدل جون اشكروفت ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ضغوطا عليه خلال اجتماع عٌقد فى 30 أكتوبر، قبل أربعة أيام من موعد الانتخابات الرئاسية، بهدف حثه على سرعة القيام برفع مستوى التأهب ضد الإرهاب، بدعوى مخاوفهم بعد إصدار زعيم القاعدة أسامة بن لادن شريط فيديو ملىء بالتهديدات. وقد رفض ريدج فى ذلك الوقت أن يذعن لتلك الضغوط، التى رأى فيها رغبة واضحة لاستغلال قضايا الأمن القومى، مؤكدا أنه لا يجد أى سبب ملموس لرفع مستوى التأهب إلى اللون البرتقالى (إذ يتم تصنيف درجة التأهب الأمنى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى خمسة ألوان : الأخضر والأزرق والأصفر والبرتقالى والأحمر وهو الدرجة القصوى). ويوضح ريدج أن هذا الاجتماع لعب دورا رئيسيا فى قراره ترك العمل بالحكومة الأمريكية. ويُذكر أن خصوم بوش قد دأبوا على اتهامه باستغلال قضايا الأمن لأغراض انتخابية، حيث كان بوش فى تلك الفترة فى المرحلة النهائية من معركته الانتخابية الشرسة ضد منافسه الديمقراطى جون كيرى. وقد علق آنذاك المحللون أن شريط بن لادن قد ساهم فى إعادة انتخاب بوش، عن طريق قيام هذا الأخير بالتلويح بخطر التهديد الإرهابى. بيد أن، كما تشير الصحيفة، هذه هى المرة الأولى التى يؤكد فيها مسئول سابق كبير مثل ريدج شكوك المعارضين الديمقراطيين فيما يخص أساليب التلاعب فى عهد بوش. وفى رد فعل حول ما يكشفه هذا الكتاب، أشار يوم الجمعة فى صحيفة "نيويورك تايمز" متحدث باسم دونالد رمسفيلد أن توم ريدج لا يقدم أى أدلة على ما يسوقه، متهما إياه بالسعى فقط لتحقيق أكبر مبيعات من كتابه. وتخلص الصحيفة إلى أنه من غير المرجح أن تسهم هذه "الفضيحة الصغيرة" فى تحويل الانتباه عن الصعوبات التى يواجهها باراك أوباما، حيث إنه وعلى جبهة مكافحة الإرهاب، لا يزال غالبية الأمريكيين يعارضون إغلاق معتقل غوانتانامو، الذى وعد الرئيس بإغلاقه قبل العام المقبل.