انتقل العرب من الصراع ضد الخارج إلى مرحلة الصراع ضد الداخل، بعد أن حكمت العالم العربي أيديولوجيات على مدى ستة عقود أصبحت اليوم خارج التاريخ، بعدما أن هرمت وفقدت مصداقيتها، ولا أود أن أقول إن الولاياتالمتحدة والغرب استطاعوا ونجحوا في إدخال العرب في حالة حرب الجميع ضد الجميع خصوصًا بعد احتلال الولاياتالمتحدة للعراق وأفغانستان، ومحاولة تصديرها للمنطقة من خلال استثمار زلزال ثورات الربيع العربى الذي تمر به الدول العربية. ما يعوق إصلاح الذات سيادة اعتقادات خاطئة وتصورات مسبقة تقف عائقًا أمام المصلحين الذين يجدون صعوبة في مواجهة مكابرات استعلائية ترفض الاعتراف بالواقع، باعتبار أنهم أكثر تقدمية وأكثر تنويرًا من الغرب، لأنهم يعتقدون أنهم يكفى أن يكونوا مسلمين وأنهم خير أمة أخرجت للناس، ولكنهم لم يدركوا ولم يستوعبوا أو يهضموا الثورات العلمية والفلسفية التي أمرهم بها دينهم الحنيف، وركزوا فقط على الجهاد الأصغر وأهملوا الجهاد الأكبر نتيجة قراءة حرفية جامدة لنصوص الدين الإسلامى انشغلوا بكرة الآخر ومحاولة استئصاله والتركيز على النصوص الدينية التى تركز على العنف وفهمها خارج سياقها، وأهملوا الآيات التى تحرم قتل الأنفس تحت أى مبرر، ولم يفرق مثل هؤلاء بأن هناك فرقًا ما بين زمن السلم وزمن القتال، فأصبح لديهم خلط وتشويش فى الأفكار. فالأزمة لم تعد أيديولوجية سياسية كما يعتقد البعض بل هى أكبر من ذلك وأعمق إنها أزمة فكرية فلسفية بعيدة المدى، فأصبح الفكر الطائفى والتعصب الأعمى هو السائد يرتكب مجازر طائفية وإرهابية باسم الدين الإسلامى والدين الإسلامى منه براء يذكرنا بمحاكم التفتيش والمجازر الطائفية الكاثوليكية، التى دمرت الغرب وأنهكتهم فى القرن الثامن عشر الميلادى. فالإصلاح لابد أن يبدأ بتخليص العقلية العربية من الطائفية الإجرامية الذى تحوله إلى خطر على المجتمع وتحوله إلى جمود قاتل وتعصب أعمى، ولقد تأخرنا في الفترة الماضية بتخليص العقلية العربية من الطائفية العمياء بسبب انشغالنا بالصراع ضد الخارج حتى تحول الصراع اليوم ضد الداخل، خصوصًا بعد زلزال الربيع العربى. فلا يمكن وضع حد للممارسات الطائفية التى سوف تجعلنا نستمر في التدمير الذاتى، وتخرجنا من مسرح التاريخ إذا لم نتمكن من العودة والدعوة إلى آيات التسامح والرحمة والغفران، ووضع حد لمثل تلك الممارسات الإجرامية المقيتة فهي معركة المستقبل الحقيقية ويجب أن نعتبرها أم المعارك، لنخرج من هذا النفق المظلم الجديد الذي فرض علينا أو فرضناه على أنفسنا، لأن التصالح مع الذات هو بيت القصيد، ويجب أن تجتاز الأمة العربية كافة العراقيل التى يضعها أعداء هذا التصالح. فالمعركة ضد الداخل أخطر من المعركة ضد الخارج، لأن الانتصار على الذات من أعظم أنواع الانتصار فحل المشكلة الطائفية والمذهبية والحزبية الأيديولوجية التي بدأت تنخر فى أحشاء العالم العربى وتتجه نحو تدمير بنيته الداخلية وتمنعه من تشكيل المواطنة الحقة والمساواة فى الحقوق والواجبات بين جميع فئات الشعب. ولقد وجد هوبز في القرن السادس عشر أن المجتمع المدنى هو الحصانة الوحيدة في وجه الحروب عمومًا وبوجه الحروب الأهلية خصوصًا حتى لا يتحول الإنسان ذئبًا على أخيه وحرب الجميع ضد الجميع مثلما يحدث اليوم فى سوريا وفي العراق منذ احتلال الولاياتالمتحدة، بسبب فشل الدولة وهشاشتها التى كانت سبب نشوء الحرب الأهلية ووفق هوبز فإنه يرى أن إضعاف الدولة لا يعزز حرية المواطنين بل يمهد للحرب الأهلية ودمار الجميع، فنحن نعيش زمن هوبز في القرن السادس عشر، عندما كان الكل يقتل الكل والحروب الأهلية سائدة فى عصره .