سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لهذه الأسباب.. لن تخرج دعاوى المصالحة من المربع رقم «صفر» .. عدم اعتراف الجماعة بواقع ما بعد 30 يونيو.. والاعتماد على المواجهات الأمنية وحدها يعنى استمرار الوضع الحالى دون أمل فى الحل
فى علوم ودراسات «التفاوض» يعرف الموقف التفاوضى بأنه «موقف ديناميكى يقوم على الحركة والفعل ورد الفعل إيجابًا وسلبًا وتأثيرًا أو تأثرًا» و«التفاوض موقف مرن يتطلب قدرات هائلة للتكيف السريع والمستمر، وللمواءمة الكاملة مع المتغيرات المحيطة بالعملية التفاوضية»، كما «لا تتم أى عملية تفاوض بدون هدف أساسى تسعى الأطراف إلى تحقيقه أو الوصول إليه، وتوضع من أجله الخطط والسياسات»، ويدور الهدف التفاوضى فى الغالب حول تحقيق أى من ثلاثة أهداف: فإما القيام بعمل محدد يتفق عليه الأطراف، أو الامتناع عن القيام بعمل معين يتفق على عدم القيام به بين أطراف التفاوض، أو تحقيق مزيج من الهدفين السابقين معًا، فيما يعد توافر رغبة حقيقية مشتركة لدى الأطراف المتفاوضة لحل مشاكلها أو منازعاتها بالتفاوض، واقتناع كل منهم بأن التفاوض الوسيلة الوحيدة أو الأفضل لحل هذا النزاع، أو وضع حد له أحد أهم الشروط لأى عملية تفاوضية.. بتطبيق ما سبق من «تنظير» على الحالة المصرية الراهنة يتضح أن هناك أحاديث تتداولها مختلف الأطراف حول «المصالحة» وحتميتها وضرورتها، وضرورة السعى إلى إنجازها، وفى التطبيق العملى يضع كل طرف ما ينسف دعاواه بسعيه لتحقيق هذه المصالحة، وإنهاء الأزمة الراهنة فى البلاد، ولا ينسى كل طرف أن يحمل الآخر المسؤولية عن فشل محاولات التفاوض وجهود المصالحة. بعد أحداث 30 يونيو وعزل الرئيس السابق محمد مرسى فى 3 يوليو انطلقت دعوات من السلطة الحاكمة للجميع بالانخراط فى جهود إنجاز خريطة الطريق وبدا أن الدعوات لا تستثنى جماعة الإخوان وأنصارها، لكن الفريق الأخير تمسك بمطالب قبل الدخول فى أى تفاوض، وهى مطالب لو تم تنفيذ بعضها لكان ذلك يعنى إلغاء كل ما ترتب على أحداث 30 يونيو وبالتبعية حتى إلغاء الطرف المفاوض نفسه، باعتبار أن المطالبات تقوم على محاكمة ذلك الطرف بتهمة الانقلاب على الشرعية، ليعود الطرف الأول «السلطة» ويطلب من الثانى الاعتراف بما جرى فى البلاد منذ 30 يونيو والاعتراف بخارطة الطريق وزاد بالمطالبة بمحاكمة رموز الطرف الثانى وقياداته عما يعتبره جرائم ارتكبها هؤلاء وبعضها يصل إلى الاتهام بقتل المتظاهرين أو التحريض عليه، لتدور المفاوضات المفترضة فى حلقة مفرغة، وليضع كل طرف العربة أمام الحصان، من دون محاولة أو أمل فى الالتقاء فى نقطة بوسط الطريق. حين تواردت الأنباء عن لقاء جمع بين الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل والقياديين بجماعة الإخوان محمد على بشر وعمرو دراج بدا أن هناك آمالًا تلوح فى الأفق للوصول إلى «النقطة الوسط» ف«الأستاذ» ليس بالرجل البعيد عن السلطة الحالية وليس بالرجل الذى يمكن أن ترفض له وساطة، وضيفاه هما من يتصدران المشهد الإخوانى حين الحديث عن مفاوضات أو مبادرات، حتى لو تحدث آخرون من قيادات الجماعة عن أنهما لا يمثلان سوى نفسيهما، وجاءت تصريحات هيكل وبشر ودراج لتنسف التوقعات بوجود مبادرة لحل الأزمة الحالية، على الرغم من أن خبراء يرون فى هذه التصريحات محاولة لإبعاد الضجيج الإعلامى من حول مبادرة يجرى إنضاجها على «نيران هادئة» للخروج من المأزق الحالى. فى الحديث عن الأسباب وراء فشل الوصول إلى حل تفاوضى للأزمة بين السلطة الحالية وجماعة الإخوان تتباين رؤى المحللين والخبراء، وبعيدا عن تحميل كل طرف للآخر المسؤولية عن هذا الفشل، فإن خبراء يرون أن عدم اعتراف الإخوان بما جرى على أرض الواقع المصرى من تغييرات منذ 30 يونيو وعدم تهيئة الجماعة نفسها وحلفائها للتعامل مع الواقع الجديد سبب رئيس لبقاء المفاوضات ومبادرات المصالحة فى المربع «صفر»، وفى المقابل فإن خبراء آخرين يرون أن فى وضع حكومة الببلاوى للجماعة وأنصارها تحت سيف الملاحقة الأمنية ووضع قياداتها خلف أسوار السجون وإلغاء أى مساحة يمكن التفاوض حولها سوى مطالبة الجماعة بالاعتراف بالأمر الواقع، وفى الوقت نفسه السير فى إجراءات حل الكيانات التى أنشأتها الجماعة كجمعية الإخوان، وحزب الحرية والعدالة، وأخيرًا إغلاق صحيفة الحزب، بالتوازى مع حملات إعلامية ل«شيطنة» الجماعة، وتهيئة المجتمع للقبول بإقصائها تماما من المشهد السياسى ما يعنى عمليًا نسف أى أرضية للتفاوض حولها. على طرفى التفاوض «المفترض» جماعة تتهمها السلطة ب«الإرهاب»، وفى المقابل سلطة تصفها الجماعة ب«الانقلاب»، وبينهما قوى سياسية تغذى كل إجراءات إقصاء الجماعة من دون أن تسعى لتقديم مساهمات للتقريب بين الطرفين، من قبيل طرح مبادرات لإتاحة العمل السياسى لمن لم يثبت تورطه بارتكاب أعمال عنف خلال الفترة الماضية. حالة الاستقطاب الحاد التى يعيشها المجتمع المصرى حاليًا لا تبشر بأى أمل فى إنجاز أى مصالحة أو الخروج من الوضع الراهن بطريق تفاوضى، والاستمرار فى حالة الحشد «الإخوانى» والمواجهات «الأمنية» يراه مراقبون خطرًا يهدد الاستقرار المجتمعى، ما لم يتم التدخل بمشرط جراح ماهر، والتوصل إلى اتفاق سياسى ينهى هذا الاحتراب، ففى الطرف الإخوانى بات واضحًا لكل ذى عين أن ما كان قائما قبل 30 يونيو لن يعود وأن الرئيس السابق محمد مرسى صار جزءًا من تاريخ ما بعد ثورة يناير 2011، وأن على الجماعة أن تعى أن الرأى العام لن يقبل بالتسامح مع أى من يثبت تورطه فى ارتكاب جرائم بحق الشعب المصرى، وفى الطرف المقابل بات مطلوبًا التعامل مع معادلة سياسية لا تقصى الإخوان والإسلاميين، وبات على الطرفين معًا أن يقبلا بآليات العدالة الانتقالية، والمصارحة، وجبر الأضرر التى لم تتعد حتى الآن كونها عنوانًا لحقيبة وزارية ضمن حكومة الدكتور الببلاوى. نقلاً عن العدد اليومى..