هى بنت مصرية، زى أى بنت فى سن العشرين، باقى شهر وتتخرج من الكلية التى دخلتها بالمجموع، وتخصصت فى قسم لا تعرف عنه شيئا، ربما يكون الخطأ منها، ولكنها حاولت أن تفهم وعندما فشلت حاولت أن تحفظ ولكنها اكتشفت أنها لا تتذكر شيئا مما حفظته، فالآن تشعر أنها تريد أن تتعلم من جديد ما تعلمته من قبل، قابلت صحاب صحبتهم، وصحاب ماصحبتهمش (على رأى عمنا جاهين)، ولكن دايما كانت تشعر أنها وحيدة، (ما هى ليها حق مالهاش أخوات بنات ولا قرايب فى سنها، ولا حتى جيران)، فكان من البديهى أنها تشعر أنها وحيدة ومع ذلك تٌلام على إحساسها بوحدتها، ولكن أصبحت الوحدة جزءا لا يتجزأ منها. هى بنت ترتدى الحجاب وتحاول الالتزام، ولكن دائما بها صراعات، ومعارك نفسية دوما لا تفارقها، بين ما هو الصح وما هو الخطأ وما هو عادى.. وما هو غير عادى وأصبح عاديا، بنت تحاول أن تبقى فى مبادا دوما تسمع أنه لابد أن تتمسك بها، مثل أنها لا تكذب وأن تبقى صريحة ومع أول موقف تجد نفسها تكذب، وتبدأ الصراعات بين ضميرها الذى لا ينام أبدا. وبين ما هو حولها ويصنف الكذب بين الأبيض الذى لا ضرر منه وبين ما هو كذب (يودى فى داهية).. هى بنت ترى الشهور القادمة شهور حاسمة فى حياتها ينتابها فى بعض الأحيان الخوف والرعب بالمستقبل غير الواضح تماما فتراه عن علامة استفهام فقط دون إجابة لأنها لن تجد السؤال لكى تجد إجابات متحملة له، وأحيانا تراه (بمبى بمبى على راى السندريلا) فتراه ملىء بالأمل والجد والاجتهاد وأنها لابد أن تبنى لها مستقبلا دون أن تنتظر بما يسمى (بابن الحلال) الذى أصبح من المستحيل أن تجده فى هذا المجتمع فى هذا الزمن.. هى بنت تحب القراءة تحب الكتابة، وترى أنها وحدتها قادتها إلى أن يكون قلم رصاص صديقها لتكتب وتعبر عما تشعر به، ولكنها تكتشف أن القلم ما هو إلا هى، ما هو إلا أفكارها وإحساسها وما يدور فى المتاهة التى تكمن بداخلها، ما هو إلا صدى صوت لصوتها، ولكنها عشقته وأحبته فلا تجد مفر من الاستغناء عنه.. إنها لا تصنف نفسها من المثقفين ودوما تطلق على نفسها المثقفة الجاهلة، فإنها تعلم، ولكنها تجهل الأخبار عما تعلمه لحد، فإنها تقرأ ولكن سرعان ما يتطاير ما قرأته ويتلخص لعدة أفكار!! هى بنت منحها الله ما يسميه العلماء الذكاء الاجتماعى فتعلم كيف تتعامل مع شخص ذكى يستغبى الآخرين، وتعلم كيف تتحدث مع شخص مثقف عنها، وتعلم كيف تتعامل مع شخص غبى (وهذا ما تكرهه فى حياتها أنها تتعامل مع شخص غبى)، فإحساسها عالى وتعتمد عليه كثيرا، ولكنها مثل أى بنت يخونها ذكائها وتتعلم من صدماتها وأوقات لا تتعلم.. هى بنت كانت تعتقد بل على يقين أنها ما يسمى فى المجتمع المصرى (دلوعة أبوها) بما أنها البنت الوحيدة، ولكنها اكتشفت أنها باتت تحلم بهذا، فكيف تشعر بذلك ووالدها وهى صغيره دائما بعيد عنها، فاعتقد أنها اعتقد ذلك من الهدايا التى كانت ترسل لها منه، وليس منه شخصيا، أما عن والدتها فهى قريبة منها وفرض ذلك عليها فى البداية لأنها لم تجد أصدقاء لها غير والدتها، ولكن بعد ذلك أصبح صديقتها عن اقتناع وعقل منها، ولكنها فى بادئ الأمر أو فى آخره، فإنها والدتها، فلن تستطع أبدا البنت أن تحكى لها عن شىء خطأ افتعلته خوفا من اللوم والعتاب والعقاب فى بعض الأوقات.. هى بنت عندما أصبح عمرها عشرين اكتشفت أشياء كثيرة دون مقدمات، فاكتشفت أن الحياة ليست وردية كما تخيلت كما كانت تتمنى فى صغرها، واكتشفت أنه لا يوجد حياة سعيدة، وإنما يوجد الحياة المستقرة وإنما بدأت تراها بعيدة المنال، فكانت تحب اللون الأبيض والوردى وأصبحت لا ترى سوى درجات اللون الأسود، وعندما سألتها هل هذا تشاؤم منك؟ فقالت لى (فتحى عنيكى وشوفى حواليكى قوليلى حاجة واحدة تدى الواحد أمل ولو ضعيف) فقلت لها (الكلام دا لا بيأخر ولا بيقدم وإحنا دايما بنحط أخطأنا على شماعة الزمن) فانتابها الهدوء والصمت ثم قالت فى حزن (أنتى يمكن صح بس أنا بحلم زى أى حد وساعات بشوف الحياة جميلة بس بسرعة الجمال دا بيتحول بسراب حواليا عايزينى احلم ازاى وأنا مش شايفة قدامى من كتر الهموم اللى شلتها وأنا صغيره ولا هو ذنبى أنى بحس وأنى مش ضرباها صارمة)، فلم أجد ردا لكلامها غير التشجيع ومحاولة بث الأمل بها، فقالت لى (أنتى فكرانى مش بقول لنفسى نفس الكلام دا، دا أنا حفظته من كتر ما قولته لنفسى وبقيت بحس أن من كتر ما قولته لنفسى مابقاش يعمل مفعول) .. !!! هى بنت رغم حزنها فى أنها فى منتهى التناقض فإنها مرحة (روحها حلوة) تضحكك وتمرح تجرى وتلعب وكأن الطفلة التى بداخلها تتحرر عندما تجد فرصه لهذا، وعندما سألتها عن الطفلة التى بداخلها قالت لى (آه أنا بحس أنى طفلة كتير طفلة محتاجة اهتمام وحد يقولها ولو معلش لو اضايقت من حاجة دا أنا ساعات بتمنى حد يجبلى لعبة ألعب بيها) ثم انتابها الصمت وقالت (أنا مش بشوف الدنيا وحشة دايما صديقنى أنا ساعات ببقى طايرة وحاسة أن الدنيا مش سايعانى ووالله صديقنى بتبقى لأسباب تكاد تكون تافهة وعندى أمل بردو وأملى فى ربنا كبير).. اعجبتنى روحها وفى بعض الأحيان شعرت بأننى أحسدها على تلك التركيبة الغريبة.. وعندما سألتها وماذا عن البنات فى نفس سنك؟ قالت لى (إحنا كلنا شبه بعض أوى من جوا بس من برا مختلفين خالص، وحتى لو مش متشابهين من جوا فكفاية أننا فى مجتمع واحد ودا أكبر عامل مشترك بنا). هذه بنت، أحلامها فى منتهى البساطة، وحياتها بسيطة، ولكن حياتها فى مجتمع أصبح غريب..!! إلى متى سنعيش فى مجتمعنا غرباء؟ نشعر بالاغتراب، وأين الخطأ ومن المخطئ؟ بنت مصرية..