شهد الأسبوع الماضى مكاسب دبلوماسية لافتة للحكومة المصرية الحالية، ربما تكون الأبرز، منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسى فى 3 يوليو، بحسب خبراء سياسيين رأوا أنها جاءت ثمرة جهود شعبية ودبلوماسية مصرية. وتمثلت تلك المكاسب فى تصريحات لجنة الحكماء الإفريقية، التابعة للاتحاد الإفريقى، والتى تضمنت دعما لخارطة المستقبل، التى أعلنها الجيش ضمن حزمة قرارات الإطاحة بمرسى، فضلا عن عودة سفراء كانت قد استدعتهم بلادهم بغرض التشاور، وكذلك زيارات لمسئولين عرب وأجانب للقاهرة. وشهدت مصر الأسبوع الماضى زيارات مكوكية لعدد من الوفود العربية والأجنبية، ومنها وفد لجنة الحكماء الإفريقية برئاسة ألفا عمر كونارى، رئيس مالى السابق، فى ثانى زيارة للوفد خلال شهر. وبدا موقف الوفد الإفريقى أكثر ميلا للسلطات الحاكمة فى البلاد، حيث دعا كافة الطوائف المصرية للالتفاف حول خارطة المستقبل- وبصفة خاصة جماعة الإخوان المسلمين وحزب "الحرية والعدالة"- مؤكدا على "دعم" مفوضية الاتحاد الإفريقى لتلك الخارطة، بحسب تصريحات صحفية لكونارى. كما كان انعقاد الاجتماع شبه الطارىء للجامعة العربية بشأن سوريا، فرصة لعقد لقاءات ثنائية بين وزير الخارجية المصرى نبيل فهمى ونظرائه فى كل من البحرين والجزائر والعراق، وقبلها وزير خارجية قبرص لشرح وجهة النظر الرسمية فيما جرى منذ 30 يونيو الماضى. وشهد اليومان الماضيان زيارات لوزير خارجية اليونان "إيفانجيليوس مينيزليوس"، وكذلك رئيس وزراء ليبيا على زيدان، فى أول زيارة رسمية لمسئولين عن بلادهما لمصر منذ عزل مرسى، أوضحا خلالها دعم بلادهما لمصر بعد التغيير السياسى الذى شهدته عقب عزل مرسى. وأعرب "مينيزليوس" فى تصريحات صحفية عن تقدير بلاده "لالتزام الحكومة المصرية بتنفيذ بنود خارطة المستقبل" الخاصة بالفترة الانتقالية الحالية، مشيداً فى الوقت ذاته بالعلاقات التاريخية التى تربط البلدين. بينما قال على زيدان، رئيس وزراء ليبيا، فى مؤتمر عقده أمس الخميس بالقاهرة، أن "ما يحدث فى مصر شأن داخلى ونحن لا نتدخل فى الشئون الداخلية، ونعتبر التدخل فى الشأن الداخلى أمرًا لا ينبغى أن يكون ونحن لا نؤيد طرفًا على حساب آخر"، قبل أن يضيف: "بالنسبة لنا من يحكم مصر نحن معه على تفاهم من أجل مصلحة الشعب والدولة". وقال السفير بدر عبد العاطى المتحدث باسم الخارجية المصرية لوكالة الأناضول أن "ما شهدته مصر هذا الأسبوع من تأييد عدد من الدول وإعادة دول لسفرائها جاء نتيجة تحرك دبلوماسى يعكس حقيقة الأوضاع بالبلاد، حيث أجرى وزير الخارجية أكثر من سبعين اتصالا مع نظرائه فى الخارج، فضلاً عن زيارة 180 سفيرا أجنبيا للوزارة، والتحرك المكثف للسفارات المصرية بالخارج وإمدادهم بالمواد المرئية والمسموعة". وأضاف عبد العاطى أنه "منذ يوم 3 يوليو والدبلوماسية المصرية تتحرك بقوة وإرادة لنقل حقيقة الأوضاع دون تزييف للعالم الخارجى ولكن كان مشكلتنا أن بعض الدول تأخذ مواقفها وقراراتها، بناء على أمور شكلية لا تعكس الواقع، وطبعاً هذا نتيجة أن الخبرات الغربية لم تشهد مثل الوضع المصرى، واندلاع ثورتين فى سنتين ونصف فقط". وأوضح عبد العاطى أن ما يحدث الآن يعكس أن هذه الدول بدأت "تدرك حقيقية الأمور وتأخذ قرارات سليمة، وأن أى دولة تريد الحفاظ على مصالحها عليها احترام إرادة الشعوب". وقال عبد العاطى إنه "لا يبقى عدا تونس وتركيا واللتين اتخذتا مواقفهما لاعتبارات حزبية، وكذلك جنوب إفريقيا التى تحركها المصلحة الإقليمية، وتحاول تهميش الدور المصرى، فضلاً عن 3 دول من أمريكا اللاتينية منهم فنزويلا وإكوادور وموريشيوس، لكن فنزويلا أخذت القرار الصائب، متوقعا أن تحذوا بقية الدول حذوها"، بحسب قوله. وبشأن المواقف الغربية، قال عبد العاطى "موقف الاتحاد الأوروبى أصبح متوازنا. . أما الموقف الأمريكى ما زال يمر بحالة الارتباك التى تسيطر عليه، لكن فى المجمل نحن حققنا نجاحات كبيرة وسنتابعها خلال الأيام القادمة، ومن المفترض إذا كان هناك بصيرة وإدراك للأمور أن تغير هذه الدول مواقفها.. فمن الخطأ تحدى إرادة شعب بأكمله". يأتى ذلك فى الوقت الذى اعتبر فيه خبيران سياسيان أن مصر تشهد "جنياً لثمار جهودها الدبلوماسية والشعبية طوال الفترة الماضية"، وتوقعا أن تقوم بعض الدول بمراجعات ومن ثم يحدث تغييراً ملحوظاً فى مواقفها تجاه أحداث 30 يونيو على المستوين العربى والدولى. وحيد عبد المجيد، القيادى بجبهة الإنقاذ الوطنى (التى تأسست كتحالف معارض لمرسى) والباحث السياسى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية يعتبر الزيارات الدبلوماسية لمصر هذا الأسبوع "دليل نجاح جهود الدبلوماسية الرسمية مع الشعبية خلال الأسابيع الماضية، وكذلك تطور الأوضاع التى تمر بها البلاد حيث بدأت العديد من الدول إدراك حقيقة أحداث 30 يونيو "، متوقعا أن تقدم معظم الدول على تغيير مواقفها فى أوقات متفاوتة. واعتبر عبد المجيد أنه هناك تطورات حدثت على مستوى مواقف الدول أهم من تلك الزيارات، وهو اقتناع عدد من دول أمريكا اللاتينية بسلامة الوضع فى مصر، وهذا نتيجة مواقف الجهود الشعبية فى المقام الأول، حيث إن هذه الدول يحكمها حكومات وأحزاب يسارية وهو ما سهل مهمة القوى السياسية اليسارية والليبرالية بمصر فى الحوار معهم. وقررت ثلاث دول إعادة سفرائها إلى مصر، بعد أن تم استدعائهم للتشاور، وهى فنزويلا وبيرو (من دول أمريكا اللاتينية)، وتركيا الأسبوع الماضى، وصل منهما سفير بيرو بالقاهرة ألبرتو جالفس وسفير تركيا "حسين عونى بوتسالى". ومن المنتظر أن يعود سفير فنزويلا للقاهرة خلال أيام بعدما تم استدعاؤه للتشاور منذ نحو أسبوعين. من جانبه، اعتبر محمد عبد السلام، الخبير السياسى ومستشار الأمن الإقليمى بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى الأهرام، أن هذا الأسبوع كشف عن وجود حالة "مراجعة واسعة النطاق على مستوى الدول العربية لتنضم إلى الدائرة الأولى للدول التى سرعان ما اعترفت بالثورة (فى إشارة إلى أحداث مظاهرات 30 يونيو الماضى) مثل السعودية والكويت والعراق". وأضاف عبد السلام لمراسلة الأناضول أن "الموقف العربى ليس موحدا بالكامل، فهناك قطر وتونس والمغرب وعمان، وهى دول اتخذت مواقف لاعتبارات سياسية داخلية، لكن جميعها على وشك تغيير المواقف"، حسب قوله. وبالنسبة لموقف الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، قال عبد السلام إن ثمة مراجعة تحدث "لم تسفر عن مواقف بعد، لكنها أسفرت- على الأقل – عن وقف التصعيد ضد مصر"، ويتضح ذلك من خلال النقاش الخارجى حول صعوبة فرض عقوبات أو وقف المساعدات لمصر، وكذلك التحول فى نبرة الإعلام الأمريكى، والزيارة التى تقوم بها جهات تشريعية أمريكية، وأخيراً تركيز تلك الدول على ملف آخر غير مصر وهو سوريا، حسب عبدالسلام. وقام وفد من مجلس النواب (الغرفة الأدنى فى الكونجرس الأمريكى)، برئاسة السيناتور دنا رهور أباشير، بزيارة مصر التقى خلالها وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى. وبحسب بيان للمتحدث العسكرى المصرى العقيد أحمد محمد على، فقد أعرب الوفد الأمريكى "عن تفهّمه لحقائق الأمور فى مصر بعد رؤيته للمشهد عن قرب وبصورته الصحيحة، وأكد أعضاؤه حرصهم على نقل هذه الصورة الواقعية إلى الرأى العام الأمريكى". ورهن عبد السلام تغيير مواقف الدول العربية وتركيا والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة بعاملين الأول المضى قدما نحو خارطة المستقبل، والثانى اتجاه بعض الجماعات للعنف، وهو ما سيدفع عدد من الدول إلى مراجعة مواقفها سريعا.