قال شريك رئيسى لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، فى الائتلاف الحاكم، إن التوصل إلى اتفاق سلام نهائى مع الفلسطينيين مسألة غير واقعية فى الوقت الحالى، وإن الجانبين ينبغى عليهما السعى لإبرام اتفاق مؤقت. وجاء تقييم وزير المالية يائير لبيد فى مقابلة قبل أيام من وصول وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، ويمثل هذا فكرة مثيرة للجدل تأتى فى وقت تبحث فيه الولاياتالمتحدة، عن سبل إحياء محادثات السلام من جديد. ومازال من غير الواضح ما إذا كانت فكرة الاتفاق المؤقت ستتم إثارتها خلال زيارة كيرى هذا الأسبوع أم لا، وأكد مسئولون أمريكيون فى شهر مارس، أن إبرام اتفاق مؤقت هو أحد الأفكار التى يجرى استكشافها، حتى وإن كانوا لا يفضلونه. ففى ظل عدم إمكانية ردم الهوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى الكثير من القضايا الرئيسية صعدت فكرة السعى لإنشاء دولة فلسطينية بحدود مستقلة، كأحد الخيارات خلال الشهور الأخيرة، وخصوصا بين الإسرائيليين الذين يبحثون عن طريقة للخروج من الوضع القائم. ورفض الفلسطينيون مرارا هذا الخيار، خشية أن يتحول الاتفاق المؤقت الذى لا يلبى طموحاتهم إلى وضع دائم. وسعيا لتهدئة مخاوف الفلسطينيين قال لبيد فى مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت اليومية، إن الرئيس الأمريكى باراك أوباما ينبغى أن يضع موعدا نهائيا مدته ثلاث سنوات، لتحديد الحدود النهائية للدولة الفلسطينية. وكبادرة منه للإسرائيليين دعا لبيد أيضا أوباما إلى دعم الوضع الذى اقترحه الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش عام 2004، والذى يسمح لإسرائيل بالإبقاء على بعض المستوطنات الإسرائيلية التى أنشأتها على أراض محتلة. وكانت قضية المستوطنات الإسرائيلية محور الطريق المسدود الحالى، والذى وصلت إليه محادثات السلام منذ أربع سنوات ونصف، حيث رفض الفلسطينيون التفاوض معتبرين أن استمرار الاستيطان فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية يعد مؤشرا على سوء النوايا. ويطالب الفلسطينيون بهذه الأراضى إضافة إلى قطاع غزة، وهى الأراضى التى احتلتها إسرائيل فى عام 1967، لتكون دولتهم المستقبلية. ويعتقد أغلب الإسرائيليين، ومن بينهم نتنياهو، أن استمرار التحكم فى ملايين الفلسطينيين سيمثل انتحارا ديموغرافيا لإسرائيل، وإن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة أمر ضرورى للمحافظة على هوية إسرائيل كبلد ديمقراطى أغلبيته يهودية. وقال لبيد فى المقابلة "أنا مؤمن بحل الدولتين، وفى رأيى أنه لا يوجد خطر أكبر من فكرة الدولة ثنائية القومية". وفى نفس الوقت قال لبيد، إن نتنياهو يرفض الانسحاب الكامل إلى حدود ما قبل حرب عام 1967. ويفضل لبيد انسحابا واسعا من الضفة الغربية يتضمن تفكيك العديد من المستوطنات، لكنه يعتقد أن إسرائيل ينبغى عليها المحافظة على "كتل" استيطانية رئيسية على طول الحدود الإسرائيلية، وهى الكتل التى يعيش بها أغلبية من المستوطنين. ويعتقد لبيد أيضا أن إسرائيل ينبغى عليها الإبقاء على سيطرتها على القدسالشرقية، التى تضم العديد من المواقع الإسلامية والمسيحية واليهودية الحساسة، بينما يطالب الفلسطينيون بالقدسالشرقية عاصمة لهم. وقوبل مقترح لبيد باستقبال فاتر من نمر حماد، مستشار الرئيس الفلسطينى محمود عباس. وقال حماد "سمعنا هذه الفكرة من قبل ورفضناها ببساطة لأننا نعرف أن إسرائيل تنوى مواصلة البناء فى القدس وغيرها من أجزاء الضفة الغربية، الشىء الأهم بالنسبة لنا هو الاتفاق على الحدود النهائية بين إسرائيل وفلسطين المستقبلية". قضيتا القدس والحدود هما فقط بعض القضايا الرئيسية الملتهبة التى يجب تسويتها، فالفلسطينيون يطالبون "بحق العودة" لملايين اللاجئين ونسلهم، ممن فقدت عائلاتهم أراض فى إسرائيل الحالية، وهو ما ترفضه الأخيرة تماما، قائلة إن أى نزوح كبير عليها هو بمثابة نهاية لدولة إسرائيل. وقال لبيد إن الخلافات بشأن القدس واللاجئين الفلسطينيين كفيلة "بنسف أى حوار فلسطينى- إسرائيلى"، ويفضل تنحيتها جانبا والعكوف على ترتيبات مؤقتة. وما يزيد من غموض الموقف وضع غزة، التى انسحبت منها إسرائيل فى 2005، لكن بعد عامين استولت عليها حركة حماس من قوات عباس، وهذا الانقسام الداخلى الفلسطينى بين حماس فى غزة وعباس فى الضفة الغربية، هو من أكبر العراقيل أمام تطبيق أى اتفاق سلام. اقتحم لبيد الساحة السياسية الإسرائيلية فى انتخابات يناير البرلمانية، فحول حزب يش عتيد (هناك مستقبل) إلى ثانى أكبر فصيل فى الكنيست، وفى حين يركز حزبه أساسا على قضايا محلية واقتصادية، إلا أن لبيد وجه انتقادات للخط المتشدد الذى يتبعه نتنيناهو تجاه الفلسطينيين، قائلا إنه لن يشارك فى حكومة غير جادة بشأن التوصل للسلام. فى النظام الائتلافى الإسرائيلى نجد لبيد حليفا رئيسيا ومنافسا لنتنياهو فى الوقت ذاته، كما أنه قادر على الإطاحة بالأغلبية البرلمانية التى يتمتع بها رئيس الوزراء فى أى لحظة. من جانبه، لم يعلن نتنياهو أبدا صراحة عن رؤيته للحدود النهائية لإسرائيل، لكنه يبدو أكثر ترددا بكثير من لبيد للانسحاب من أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. وأعرب لبيد لصحيفة يديعوت أحرونوت عن اعتقاده بأن نتنياهو- القلق بشأن ميراثه السياسى- جاد بشأن التوصل لاتفاق سلام، وأنه يعتقد أن هناك دعما كافيا فى الحكومة - بالرغم من وجود الكثير من المتشددين الموالين للمستوطنين - للموافقة على الانسحاب من أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، ورفض مكتب نتنياهو التعليق. كما وجه لبيد انتقادات للفلسطينيين، قائلا إن عباس "لايزال غير مستعد نفسيا لأى اتفاق مع إسرائيل، لا جزئيا ولا كاملا"، واتهم الزعيم الفلسطينى بالتركيز بقوة على كون الفلسطينيين ضحايا، وهو ما وصفه ب"العائق الرئيسى أمام المصالحة". وقام كيرى برحلات مكوكية بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال الأشهر الأخيرة، بحثا عن صياغة لاستئناف المفاوضات. وفى الوقت الراهن، يركز كيرى على إنشاء إطار للتوصل إلى اتفاق سلام نهائى، وفى الآونة الأخيرة، حاز على دعم من قادة عرب لسلام شامل مع إسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، ولإغراء إسرائيل، قال القادة العرب إن الحدود النهائية يمكن تعديلها فى إطار اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. وحول دعوة كيرى، لم يدل الجانبان بأى تصريحات تذكر علنا حول مناقشاته معهما. وأشارت كبيرة المفاوضين لدى نتنياهو، تسيبى ليفنى، فى مارس الماضى إلى أنها لا تعارض أى اتفاق مؤقت، قائلة إن إسرائيل يجب أن تفكر مليا بشأن "الاحتمالات الأخرى" إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم، ولم يرد مكتب ليفنى على رسائل تطلب التعليق، ولم يرد لبيد كذلك على الرسائل. وقال دوف ليبمان، النائب عن حزب يش عتيد، إن الحزب لم يقبل رسميا بعد التوصل لاتفاق مؤقت، لكن ذلك يتماشى مع برنامجه الساعى إلى السلام مع الحفاظ على المستوطنات، وحماية الأمن الإسرائيلى فى نفس الوقت. وأضاف "نحن براغماتيون للغاية، ونعرف أن ذلك سيكون عملية تتطلب بناء الثقة، ولأننا مخلصون فى رغبتنا لتحقيق السلام، فنحن نعتقد أننا سنظهر أن الإخلاص والثقة يمكن تطويرهما فى الوقت الذى نتحرك فيه فى المراحل المتعددة".