تلعب الألوان فى حياة البشر دوراً كبيراً فى التعبير عن أفراحهم وأحزانهم، واستخدامها كرموز للدلالة على الحالة المزاجية لهم التى قد تصل إلى حد التباين من شعب لآخر، فاللون الذى يعده شعب رمزاً للأمل يعده آخر رمزاً لليأس والإحباط، وآخر يرتبط لدى شعب بالصفاء ونقاء السريرة، ويرتبط لدى آخر بالغيرة والنرجسية، وهكذا فالألوان فى حياة البشر لها دلالات ومعان وتأثيرات نفسية، كما أن لكل مهنة لوناً يميزها عن المهن الأخرى بخصوصية.. فاللون الأبيض يمثل النظافة والطهارة ورمزاً للهدوء، والدلالة على التعقيم لدى الأطباء.. واللون الأسود يمثل فترة عصيبة مرت بها الكنيسة فى تاريخها وكانت فترة الاضطهاد، أذاق فيها أحد الحكام كل من المسلمين والمسيحيين على السواء الظلم بمعناه الحقيقى، وربما لا يتبادر إلى أذهان الكثيرين معرفة إدراك سبب ارتداء المحامين روباً أسود أثناء المرافعة بالذات00 يعود السبب إلى واقعة حدثت عام 1791 م فى فرنسا، فى أحد الأيام حيث كان أحد القضاة الفرنسيين جالساً فى شرفة منزله، ليستنشق الهواء. وبالصدفة شاهد مشاجرة حدثت بين شخصين انتهت بضرب أحدهما للآخر، وإيقاعه صريعاً ثم هرب الجانى المرتكب لهذه الجريمة، وأسرع أحد الأشخاص إلى مكان الجريمة وأخذ المجنى عليه إلى المستشفى لإسعافه وإنقاذه، ولكن كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة، ومات فاتهمت الشرطة ذلك الشخص الذى حاول إنقاذ المقتول، وكان بريئاً من هذه التهمة، وللآسف فقد كان القاضى الذى شاهد الجريمة بعينه هو الذى سيحكم فى القضية، حيث إن القانون الفرنسى لا يعترف إلا بالأدلة والبراهين وترتيب الأوراق، لذا فقد حكم القاضى على الشخص البرىء بالإعدام! ، على الرغم من أن القاضى نفسه شاهد بأم عينه الجريمة التى وقعت أمام منزله، وبمرور الأيام ظل القاضى يؤنب نفسه على الحكم الذى أصدره، وعلى الخطأ الفادح الذى ارتكبه، ولكى يرتاح من عذاب الضمير اعترف أمام الرأى العام، بأنه أخطأ فى هذه القضية وحكم على شخص برئ بالإعدام فثار الرأى العام ضده واتهمه بأنه عديم الضمير والأمانة، وذات يوم وأثناء النظر فى إحدى القضايا كان هذا القاضى رئيسا للمحكمة، وعند بدء المرافعة وجد أن هذا المحامى يقف أمامه لكى يترافع فى القضية، كان مرتديا روبا أسود اللون فسأله القاضى: لماذا ترتدى هذا الروب الأسود ؟ فأجابه المحامى قائلا له، لكى أذكرك بما فعلته من قبل وحكمت ظلما على شخص برىء بالإعدام !! .. ومنذ ذلك الحين أصبح الروب الأسود زياً رسميا فى مهنة المحاماة، ثم انتقل من فرنسا إلى سائر الدول، وهكذا ارتبط اللون الأسود بالحزن وأصبح رمزاً للدلالة به عما تجيش به نفوس رجال الدين المسيحى ورجال المحاماة من أحزان دفينة، خلفتها أحداث ظالمة مظلمة موغلة فى الجور والقدم يعكس الأخذ بها، والارتماء فى أحضانها خللاً فى الوعى وقلة الطهى الفكرى والثقافى والحضارى، وينم عن عقول لا تزال تعيش على شوائب ذاكرة معتمة منفصلة عن واقع معاش مستنير، يعيش فيه رجال الدين المسيحى بحرية تامة، دون شرط أو قيد أو تدخل مفروض من الحاكم أو الدولة على الكنيسة، كذلك يعيش فيه القضاء المصرى أزهى عصوره وأصبح رجاله جديرين بثقة الشعب، ورضا لمواطنين لما يصدر من أحكام تنحنى لها كل الرقاب، ولم يعد هناك أحد فوق القانون، فسيادة القانون هى أساس الحكم وصوته ينطق به القضاة ليطبق على الجميع وفوق الجميع!!.. فهل من دعوة جادة وجريئة تدعو هؤلاء إلى خلع هذه الأردية السوداء ونرى كلا منهم برداء أبيض يدل على الصفاء والنقاء والأمل والنور والعدل ؟!