لابد أن نعترف ابتداءً بأن ثمة قصورا فى فهم مقومات السلوك الإخوانى من حيث الدافع والآلية والغاية، إذ أنها قد بدأت جماعة دينية ثم تحولت إلى جماعة دين / سياسية، اصطبغ لديها الفكر الدينى بالفكر السياسى فتحول الولاء من الولاء للدين إلى الولاء للجماعة ، ومن السمع والطاعة لله وللرسول إلى الطاعة للجماعة والتنظيم. ومن بين الأفكار التى تبثها الجماعة فى عقول أبنائها فكرة الوطنية والولاء للوطن، فالوطن فى ذهن الإخوان فكرة باهتة، والولاء هو الولاء للعقيدة لا للوطن، فالأصل فى الوطنية وجود الوطن، والوطن هو تلك البقعة الجغرافية المحددة المعالم والحدود التى ينتمى إليها الفرد ويدين لها بالولاء، يتعصب لها ويدافع عنها. أما وطنية الإخوان فهى وطنية العقيدة بغض النظر عن البقعة الجغرافية ، ينتمى إليها الفرد ويدين لها بالولاء، يتعصب لها ويدافع عنها ويموت فى سبيلها، ويترتب على وطنية العقيدة أن كل مسلم يعتقد أن كل شبر على الكرة الأرضية يتواجد فيه إنسان مسلم هو شبر من الأرض الإسلامية العامة، وبذلك تم وضع الوطنية الجغرافية والوطنية العقيدية فى حالة تعارض تام، حيث لا يجتمعان معا فى قلب واحد من وجهة نظر الجماعة، فإذا تجاوزنا هذا التعارض الوهمى سنجد أن فكرة وطنية العقيدة ستفضى فى النهاية إلى القضاء على الحدود السياسية المعمول بها بموجب القانون الدولى وذلك تمهيداً لإقامة الخلافة الإسلامية، وهو نوع من الفكر الصدامى الذى يكون مآله إلى الفشل الذريع والكارثى، ففضلا عن استحالة التطبيق الواقعى لفكرة الخلافة بمفهومها التاريخى الخلافة الراشدة بنفس آلياتها شكلاً وموضوعاً لأن الدول التى تدين بالإسلام عديدة ومترامية الأطراف إلى حد مفرط يصعب معه الإمساك بهذا الجسم العملاق دون أن ينشطر أو تتساقط بعض أطرافه نتيجة عوامل داخلية، وتناقضات عدة يصعب التوفيق بينها. العالم المحيط بهذه الرقعة لن يسمح لها بذلك فى ظل حالة التخلف والفقر فكرياً وتكنولوجياً التى تعانيها هذه الرقعة من العالم الإسلامى. فضلا عن أن التوسع فى هذا المفهوم سيفضى إلى إباحة التدخل فى الشئون الداخلية للغير بما يبيح لهذا الغير التدخل فى الشئون الداخلية لدولة الخلافة المزمع إعلانها، ودخول معركة فى هذا التوقيت لهذا الغرض ستكون نتيجته معروفة للبون التكنولوجى الشاسع بين العالمين، لأننا فقدنا " وأعدوا " فلن ينطبق علينا "كم من فئة قليلة"، مع فرض صحة هذا التوجه، وهو بالقطع غير صحيح لأنه يتعارض مع الإسلام دين السلام، ومن هنا تتبدى خطورة هذه الفكرة.