شنت الصحف البريطانية حملة ضده، وقالت إن سياسته فشلت فى مصر نتيجة الاغتيالات اللورد أدموند اللنبي من أشهر القادة العسكريين، وأحد أهم من حملوا لقب "المندوب السامي" في مصر، فقد كان عائدا من قيادة حملة عسكرية، وكانت أحداث الثورة المصرية التي تفاقمت عقب استدعاء اللورد "وينجت" في 21 يناير 1919، ولم يكن أمام بريطانيا سوى إرسال "اللنبي"، الذي كان من أشهر القادة العسكريين الذين حققوا للحلفاء النصر في فلسطين، وكانت سمعته العسكرية من أهم العوامل التي رجحت ترشيحه مندوبا ساميا لمصر، وهو أول مندوب يطلق عليه "مندوب سامى فوق العادة" في 25 مارس 1919.. كان قائدا للقوات البريطانية من قبل في مصر، وكان أكثر شكيمة وأقوى من "وينجت"، وهنا وجدت إنجلترا أنه الأقدر على قمع الثورة. درس "اللنبي "في الكلية الملكية الحديثة التي تخرج فيها "مكماهون" وعين قائدا للقوات البريطانية في مصر إبان الحرب العالمية الأولى، وفي يوليو 1917 قاد حملة على سوريا وفلسطين وفتح بيت المقدس وذاع صيته كمحرر لفلسطين، وتم استقباله في القاهرة استقبالا عظيما، وترقي من لورد إلى مارشال ثم كولونيل. اللنبي من أقوى أربعة قادة عسكريين ممثلين لإنجلترا في مصر، وتم منحه السلطة المطلقة في الأمور العسكرية والملكية واتخاذ الإجراءات التي من شأنها عودة الاستقرار لمصر، وعندما تولى منصبه في القاهرة عمل على تغيير الكوادر في كافة الوزارات، وإجراء تغييرات في القيادات البريطانية في مصر التي يغضب منها المصريون، إيمانا منه بأن التغيير قد يساهم في إرضاء المصريين. كان الهدف من إرسال اللنبي القضاء على الثورة وإعادة القانون والتأكيد على الحماية البريطانية، ولجأ إلى سياسة "العصا والجزرة "، أي القمع بقوة السلاح والتفاوض مع الزعماء، وقام بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، وأقنع حكومته بلقاء الزعماء المصريين، وحاول تشكيل وزارة إلا أنه فشل، فحاول استخدام قانون الأحكام العرفية، وانتحل سلطات مجلس الوزراء، وهدد المصريين بالحبس، وحاول مرارا تشكيل حكومات بها وزراء موالون للإنجليز، وهدد الصحف بإغلاقها إن لم يعتدلوا في لهجتهم. وصلت لجنة "ملنر" إلى مصر في 7 ديسمبر 1919 وغادر "اللنبي" مصر بعدها بشهر إلى جدة، ثم السودان، وترك اللجنة تعمل بحريتها دون أن يكون له دور فيها، حيث قضت ثلاثة أشهر في مصر لدراسة أحوال البلاد ووضع شكل للحكم الصالح تحت نظام الحماية البريطانية، وقد ساعدت دار المندوب السامى في عمل اللجنة، التي اقتنعت بضرورة رفع الحماية، وجرت مفاوضات بين اللجنة والزعماء في مصر والوزارة، وأنذر "اللنبي" السلطان بألا يتدخل في المفاوضات. وفي 15 مارس شكل عدلى "وزارة الثقة"، وحاول مشاركة سعد زغلول في المفاوضات بعد خروجه من المنفي في إبريل، وانقسم المصريون إلى سعديين وعدليين، ووقعت خلافات حزبية، تبنى "اللنبي " موقف الحياد منها. وانتقدت الحكومة البريطانية "اللنبي" لسماحه بعودة سعد زغلول وعدم اتخاذ الإجراءات الرادعة لمنع حوادث العنف في الإسكندرية، وكانت حجة "اللنبي" بعدم تدخل القوات البريطانية في قمع الاضطرابات في البلاد، أنه قال: "إذا كان المصريون أهلا للاستقلال، فعليهم أن ينهوا الاضطرابات بأنفسهم ". وحاول اللنبي وكبار الموظفين البريطانيين رسم الخطط التي تسير عليها سياسة الحكومة البريطانية، وحاول كسب تأييد الفلاحين ولكنه فشل، لأن كرومر حاول تطبيق نفس السياسة وفشل. ولم تنجح المفاوضات وتأزم الموقف المصري، ورأت وزارة الخارجية البريطانية أن الموقف أفلت من يد "اللنبي"، وخرجت مظاهرات تهتف لسعد زغلول، فأرسلت "هارى بويل" إلى مصر لاستكشاف الأمر، واهتزت ثقة بريطانيا في مندوبها. استمرت السياسة البريطانية قائمة على تجاهل نصائح مندوبها في مصر تجاه الأزمة، وأصدرت إنذارا في ديسمبر 1921 للتهديد والوعيد، مما أدى لتدهور الوضع داخل مصر، فشعر المصريون بخيبة أمل، وخسرت بريطانيا عطف المعتدلين معها. وكان المندوب والموظفون البريطانيون يدركون أنه لا مفر من إعلان استقلال مصر، وأن مسألة عقد معاهدة بين مصر وبريطانيا أمر مستحيل، فقد كان سعد زغلول يعرقل كل المفاوضات بين إنجلترا ومصر إلا بعد الإعلان عن استقلال مصر، فعمل "اللنبي" على نفي سعد ورفاقه إلى "سيلان"، واشتدت الثورة في مصر، وأضرب العمال عن العمل، إلا أن "اللنبي" أمر قواته بقمع المظاهرات، ونجح في إخماد الثورة في ديسمبر 1921، ولم يجد المصريون إلا سياسة مقاطعة كل ما هو بريطانى. ونتيجة تردى الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر، وتمسك بريطانيا بموقفها، اضطر "اللنبي" لتقديم استقالته، فاتهمته الحكومة البريطانية هو والمستشارين بالتقصير والتضليل ومخالفة السياسة البريطانية، واستدعت إنجلترا " اللنبي" ومستشاريه، وحاولت إرسال مندوب غيره إلا أنها لم تجد أكفأ من "اللنبي" في ذلك الوقت. ودخل مع حكومته في مفاوضات، وكانت نقطة الخلاف حول الضمانات من جانب مصر لتأمين المواصلات البريطانية وحماية مصر من التدخل الأجنبي، ولبريطانيا الحق في حماية الجاليات الأجنبية، وساعد ذلك على صدور تصريح 28 فبراير 1928، وكان ذلك نجاحا للنبي، وجاء التصريح على أنه منحة من بريطانيا التي احتلت مصر وأقرت الأمن فيها. وكان اللنبي" وهو عائد إلى مصر بالتصريح آملا في انتهاء الأزمة، وقبول المصريين أرسل بالتصريح إلى السلطان، وبعد ذلك ظل يتدخل في شئون مصر ولم يتغير دور المندوب السامى بعد حصول مصر على الاستقلال الجزئي الذي أنهى الحماية البريطانية على مصر، وأعاد منصب وزير الخارجية، وحقق تمثيلا سياسيا وقنصليا لمصر. ومع ذلك استمر الموظفون الإنجليز في الإدارة المصرية، وقد انزعج سعد زغلول لذلك، لأن تشكيل الحكومة المصرية كان يحتم على الوزراء عدم البت في أي موضوع إلا بعد استشارة المستشارين البريطانيين. وظلت العلاقة بين قصر الدوبارة وقصر عابدين هادئة طالما لا تضر سياسة القصر مصالح بريطانيا، وفي حال تخطى ذلك يتدخل قصر الدوبارة فورا لكبح جماح الملك، وسرعان ما تغيرت الأوضاع، ولم تتمتع البلاد بالاستقرار السياسي، واستمرت أعمال العنف والاغتيالات للبريطانيين، وأرسل "اللنبي" إلى وزارة ثروت باشا يطالبه بوضع حد للجرائم السياسية، وتقدمت حكومة ثروت باستقالتها، وتشكلت حكومة "نسيم باشا" التي حاولت إرضاء قصر الدوبارة، وظلت الأمور في مصر متوترة، وكان للمندوب السامى تدخلات في تشكيل وإقالة الحكومات. حوادث الاغتيالات السياسية أدت إلى تفتيش دار الأمة واعتقال أعضاء الوفد، ودعا اللنبي الصحفيين ليؤكد لهم أن بريطانيا هي التي منحت استقلال مصر، وشنت الصحف البريطانية حملة ضد اللنبي، وقالت إن سياسته فشلت في مصر نتيجة الاغتيالات، ومع اشتداد المقاومة المصرية للاحتلال لجأ اللنبي إلى فرض الأحكام العسكرية، وفي مارس 1923 اضطر اللنبي إلى الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، ثم دارت مناقشات بينه وبين سعد زغلول، رغم كراهيتهما الشديدة المتبادلة، ولكن السياسة حتمت على اللنبي محاولة وصل المودة بين مصر وبريطانيا من خلال حكومة سعد. وتقاعد اللنبي عن العمل عام 1925 كمندوب سامي في مصر، وعاد إلى إنجلترا، وقضى فترة وجيزة كرئيس لجامعة أدنبرة، وتوفي في 14 مايو 1936 عن عمر يناهز 75 عاما.