الأفكار لا تموت أبداً، وكلما وجدت متنفساً من هواء حلقت فى السماء، أما صانعو الأفكار فنحن نستدعيهم من العالم الآخر ونستعيد أرواحهم، ونجرى معهم حوارات حية.. هنا فقط الفنان الجميل توفيق الدقن من العلامات البارزة في تاريخ السينما المصرية.. أجيال كثيرة تعاقبت خلفه من نجوم الفن إلا أن أحدا لم يستطع محو توفيق الدقن من الذاكرة.. النصاب.. الملاوع.. الخائن في فيلم صلاح الدين الأيوبى وهو نفسه خفيف الظل حتى أثناء غضبه.. هكذا عرفناه وهكذا أحببناه وهكدا نتذكره.. توفيق الدقن أشار البعض إلى أن علاقة ما قد جمعت بينه وبين الإخوان المسلمين في بدايات حياته حيث حاولوا إثناءه عن التمثيل كى يحرموا جماهير مصر والوطن العربى من تلك القامة الفنية التي بدا عليها علامات الانطلاق إلى الشهرة والمجد.. لكن يبدو أن هده العلاقة لا وجود لها على أرض الواقع فكما يقول المثل الشعبى «إيه لم الشامى على المغربى».. الأمر الدى أثار فضولى على المستوى الشخصى وسعيت للتأكد منه لكن دون جدوى فالإخوان قد اخترقوا التاريخ عنوة وبدون سابق إنذار وحاولوا إلصاق أنفسهم بالعظماء في أكثر من محفل وكل هذا أثبتت الايام كذبه وتلفيقه.. حتى أنهم مؤخرا حاولوا إقناع الشعب بأن القائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح السيسى كان فردا في خلايا جماعة الإخوان النائمة.. إلا أننا فوجئنا جميعا بأنه كان السلاح الذى طهر الشعب منهم ومن دسائسهم.. الأمر الدى جعلنى أشك في تلك العلاقة المزعومة بين الإخوان والفنان الكبير توفيق الدقن خاصة وأننى لم أجد دليلا ماديا واحدا يدعم هذه العلاقة المزعومة.. الأمر الدى جعلنى ألجأ لأساليبى الخاصة في التأكد من أي معلومة تخص الراحلين عن دنيانا.. فاضطررت أن ألجأ إلى ممارسة هوايتى في تحضير الأرواح لأقف بنفسى على حقيقة المسألة.. داخل حجرتى الخاصة جلست لأتلو تلاواتى وأرنم بترانيمى وأتمتم بتمتماتى حتى جاءنى صوت المرحوم الفنان توفيق الدقن تكسوه الخشونة وكأن على الحنجرة بواقى من نشارة الخشب حيث قال لى: إيه دا يا أخينا أنت.. جايبنى في الأوضة الضلمة دى ليه.. هو أنا أعرفك ؟! قلت: مش لازم تعرفنى علشان أحضر روحك يافنان.. وثانيا السؤال يكون هو أنت تعرفنى علشان تحضر روحى.. فأقوم أنا أجاوب حضرتك طبعا أعرفك وهل يوجد في ربوع مصر من لايعرف توفيق الدقن الفنان العظيم !! قال: آه.. إذا كان كدا ممكن نتكلم.. أه !! قلت: هل تتابع مايدور في مصر من أحداث مؤخرا يافنان ؟! قال: أنا.. أه.. تابعت ياابنى تابعت وياريتنى ماتابعت.. أي والله ياريتنى ماتابعت !! قلت: ليه بتقول كده يافنان ؟! قال أنا زعلان.. أي والله ياابنى أنا زعلان على حال البلد بعد ظهور الإخوان.. طب أنت فاكر ياابنى فيلم ظهور الإسلام.. دا كان أول أدوارى في السينما يومها عرفت أن الإخوان لو كانوا موجودين أيام الرسول ماكانوش أسلموا ولا حتى بالزمر البلدى.. أي والله ولا حتى بالزمر البلدى.. دى ناس دماغها أنشف من رصيف نمرة خمسة بتاع فريد شوقى !! قلت: لكن أنا سمعت أن حضرتك كنت مواليا للإخوان المسلمين في الخمسينيات والستينيات ثم تركتهم واخترت الابتعاد عنهم كى لايؤثروا على مشوارك الفنى!! قال: استر يا اللى بتستر.. أنت جبت الكلام دا منين يا آه يا آه .. قلت: الحاكى بيحكى يافنان وأنا قلت أستفسر منك مباشرة! قال: أه فيك الخير أه.. شوف ياابنى الإخوان دول من ساعة نشأتهم وهم يمثلون صداعا في رأس الوطن.. ماحدش عارفهم عايزين إيه وبيدوروا على إيه.. وكل شوية نقول «خلاص يانوسة هانت والنبى» وهنعرف نقوم مانعرفش.. حتى لما وصلوا للحكم يا آه يا آه برضو معرفناش وراح منهم الحكم !! قلت: أنت كده ماجاوبتش على سؤالى يانجم.. هل كنت تنتمى لجماعة الإخوان ؟! قال: أنا أنتمى لجماعة الإخوان ؟!.. طب إزاى.. إزاى أنا أنتمى للناس دى.. دا أنا مبحبهمش.. أي والله مابحبهمش !! قلت: ولماذا لا تحبهم وهم الذين يتحدثون عن الشرف ويدعون الشرف وينفون كل تلك الاتهامات التي تطالهم سواء منك أو منى أو من باقى الشعب المصرى أحيائه وأمواته، بالإضافة إلى أنهم لم يظهروا كل هذا السوء في عهدك بل كان الناس فعلا يصفونهم بالشرف !! قال: الشرف.. الإخوان يتحدثون عن الشرف.. يبقى فعلا أحلى من الشرف مفيش يا أه يا آه !! قلت: لكنى أرى أن محمد مرسي الذى تقلد الرئاسة في حكم الإخوان كان رجلا طيبا لاحول له ولا قوة ! قال: مرسي دا بيفكرنى بابن حميدو أهبل وعامل نفسه فاهم.. دا أنا كنت هموت من الضحك وأنا قاعد في الجنة وبسمعه بيقول أنا إذا قلت إنى سأفعل فسأفعل.. هأ هأ.. يفعل إيه ياحلاوة.. يفعل رز وبقلاوة.. أمال لما كلنا هنفعل.. مين اللى هينضرب يا أه يا آه ؟! قلت: لكنى دائما أراه في دور العابد الزاهد الذى يصلى كل الأوقات ورأيته قد بدأ حكمه بعبارات سيدنا عمر الشهيرة بالإضافة إلى أنه جاء للرئاسة بالصدفة !! قال: ياابنى ياحبيبى لاتصدق كل ماتراه.. فأنا من كثرة قيامى بأدوار الشر وبعد نجاحى في تمثيل أدوار اللص والبلطجى والسكير والعربيد كان الناس يصدقون هذا ويكرهوننى بالفعل بسبب تلك الأدوار رغم أننى كما ترى طيب القلب.. أي والله طيب القلب !! قلت: يعنى حضرتك تقصد أن إحنا صدقنا مرسي وهو عكس ذلك ؟! قال: ياابنى أنا أمى ماتت وهى فاكرة أن أنا بلطجى وسكير رغم أنها أمى !! قلت: كيف هذا يافنان ؟! قال: يعنى أنا كنت ماشى بعربيتى في شارع عماد الدين وكانت أمى برفقتى حيث كنا عائدين من عند الطبيب لأنها كانت تتلقى العلاج فتصادف وجود أحد المهووسين بالسينما ولم يسمح لى بالمرور في الشارع الذى يسكن فيه باعتبارى سكيرا وبلطجيا وحراميا.. حاولت أن أقنع الرجل بأن هذا مجرد تمثيل إلا أنه أصر أننى حرامى وجاى أنصبلى نصباية في المنطقة.. أي والله نصباية.. والدتى صدقت الرجل وكذبتنى فارتفع عليها الضغط وماتت في السيارة.. أي والله في السيارة.. شفت بقى أنا ليه بقلك مرسي ممثل بارع !! قلت: أنت كده هتوغوشنى يافنان وهتخلينى أفكر أن المرشد ده مش هو قائد الجماعة !! قال: إياك تكون تقصد بديع بتاع البهايم والذى منه ؟! قلت: نعم أقصد الدكتور محمد بديع فهو فعلا مرشد الجماعة !! قال: ياابنى بديع دا عامل زى «استيفان روستى» في الأفلام بتاعتنا.. يفضل طول الفيلم عامل نفسه هو المعلم وفى نهاية الفيلم تلاقيه شخشيخة.. أي والله شخشيخة!! قلت: طب يعنى مين اللى هيفض الاعتصامات بتاعة الإخوان دى ؟! قال: هتتفض ياابنى هتتفض بس لما يظهر زعيم العصابة الحقيقى ويتم القبض عليه!! قلت ومن هو زعيم العصابة الحقيقى يا أبو التفانين ؟! قال: اسأل المخرج يا آه يا آه !! قلت: أنت كده بتهزر يافنان وأنا جايبك علشان أستفيد منك !! قال: عايز تستفيد فيد ياعمنا وارمى بياضك يا آه يا آه !! قلت: طب وأنا ممكن أفيدك إزاى يافنان ؟! قال: يعنى.. حسنة حسنتين أتقل بيهم ميزانى.. دا أنا هنا في الجنة على الحركرك.. أي والله على الحركرك ودخلتها بدرجات الرأفة.. أي والله بدرجات الرأفة !! قلت: طب أنا أوعدك أنى هخلى إخوانا من مشايخ السلفيين والجماعة الإسلامية يدعولك بعلو مرتبتك في الجنة!! قال: لا لا لا.. والنبى سيبنى في حالى.. أنا كده عشرة على عشرة.. أي والله عشرة على عشرة.. سلفيين إيه وجماعات إيه اللى أنت عايزهم يدعولى.. لا يابا.. لا سلفيين ولا جماعات ولاحتى إخوان.. ما ألعن من ستى إلا سيدى.. الناس دى طلعت «أوشاعة» يامولانا.. أي والله أوشاعة !! قلت: شكلك كده فقدت الثقة في المشايخ يافنان !! قال: المشايخ على عينى وراسى ياابنى.. لكن هما فين المشايخ.. طب أديك شفت الإخوان أول ماوصلوا للحكم عملوا مع الشعب نفس اللى أنا عملته مع عبد المنعم إبراهيم في فيلم «طاقية الإخفا».. مسكوا العلبة الصغيرة وقالوا لكم فيها إيه العلبة دى.. فكل ماتقولوا حاجة يقولولكم «فيها فيل».. يعنى الكهربا بتقطع.. يقول لك فيها فيل.. طب ياعمنا الحق سد النهضة.. يرد عليك فيها فيل.. طب أنت ليه بتبيع سينا.. يقولك أصل أنت مش فاهم أن العلبة الصغيرة دى ممكن تشيل فيل !! وهل سيظل الفيل في العلبة حتى بعد أن تم عزلهم عن الحكم ؟! قال: الإخوان سيتعاملون مع الشعب المصرى بطريقة العلبة فيها فيل حتى قيام الساعة !! قلت: وما أدراك أنهم سيظلون حتى قيام الساعة.. دا كلها بكرة بس وبعده وهتلاقيهم بح.. أي والله بح يافنان !! قال: أولا بلاش تقلدنى.. ثانيا أحب أعرفك أن ظهور الإخوان على الأرض في حد ذاته يُعد من علامات قيام الساعة.. أي والله من علامات الساعة !! قلت: وهل لديك طريقة مثلى للتخلص من الإخوان نهائيا !! قال: اصرفنى من هنا وحياة أبوك وسيبنى في حالى !! وهنا أيقنت أن الفنان قد أصابه الإرهاق فصرفته كى يعود إلى حيث أتى متمنيا له الرحمة والمغفرة والنعيم عند ربه.. ثم جلست وحيدا أردد: فعلا فيها فيل.. فيها.. فيل..فيها.............
