سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«التاريخ يعيد نفسه».. «الإخوان» تصل القمة خلال سنوات وتقع فى ساعات.. أحداث مارس 1954 تتكرر فى 2013.. «مرسى» معزول 2012 و«نجيب» معزول 1954.. الخروج الآمن لقيادات الجماعة يفرض نفسه
«ما أشبه الليلة بالبارحة»، كلمات تنطبق على حال جماعة الإخوان، التي لم تتعلم من درس التاريخ، فالجماعة نسيت كل ما جرى لها في مارس عام 1954، ولم تتعلم من هذا الدرس في 2013 ومرت 60 عامًا والمشهد يتكرر بنفس ملامحه بداية من رئيس معزول «محمد نجيب»، ومطالب بخروج آمن للإخوان. القصة وما فيها بدأت في أواخر فبراير عام 1954، حيث اشتد الصراع بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل محمد نجيب داخل مجلس قيادة الثورة، حيث حاول كل منهما أن يستقطب الإخوان إلى جانبه، فقام عبد الناصر باتخاذ قرار مفاجئ للجميع، بالإفراج عن جميع الإخوان المعتقلين بمن فيهم حسن الهضيبى خصمه اللدود، وزادت المفاجأة بتوجه "عبدالناصر" في مساء نفس يوم الإفراج إلى منزل الهضيبى ليزوره ويطيب خاطره، ولكن الهضيبى قابل هذه المبادرة باستعلاء وعجرفة تجلت واضحة في لحظة مغادرة عبد الناصر لبيت الهضيبى الذي لم يكلف نفسه مصاحبة "ناصر" حتى باب الخروج من المنزل. وحاصر مئات الآلاف من المصريين قصر عابدين في القاهرة، الذي كان يسيطر عليه في هذا التوقيت جمال عبد الناصر وغيره من قادة ثورة يوليو 1952، حيث تجمعت هذه الحشود من أجل مطلب رئيسي تلخص في استعادة المؤسسات الديمقراطية الهشة في مصر، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وعودة الجيش إلى ثكناته. ولكن سرعان ما اشتعلت الأزمة وجاءت أحداث 25 مارس التي عرفت في التاريخ باسم أزمة مارس والتي اشتد فيها الصراع بين عبد الناصر ومحمد نجيب ولعب فيها الإخوان دورًا مؤثرًا، وهنا يجب التوقف قليلًا عند علاقة عبد الناصر بالمرحوم عبد القادر عودة الذي تسبب إعدامه مع آخرين في تعقيد الموقف بين عبد الناصر والإخوان، وتم عزل أول رئيس لمصر بعد ثورة يوليو اللواء محمد نجيب على يد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. ولكن بعد أن تلقى المتظاهرون وعودا من عبد الناصر بعقد انتخابات في يونيو 1954 وتسليم السلطة إلى المدنيين وكان الإخوان في هذا التوقيت يحشدون ويجمعون أنصارهم بالميادين، وبناء على وعد عبد الناصر، قرر أحد قادة الإخوان المسلمين عبد القادر عودة صرف المحتجين والمتظاهرين بعد أن لوح لهم بيده بالانصراف. لقد كانت العلاقة بين عبد القادر عودة وعبد الناصر حسنة جدًا، ولم تتأثر باشتداد الخصومة والصراع بين عبد الناصر والهضيبى، وحينما أصدر عبد الناصر قراره باعتقال قيادات الإخوان كان عبد القادر عودة هو الوحيد من بينهم جميعًا الذي استثنى من قرار الاعتقال، بل سمح له بزيارة السجن الحربى حيث كان الإخوان يمضون فترة الاعتقال، وكان عودة يحاول جاهدًا خلال زيارته تلك التقريب بين قيادات الإخوان وعبد الناصر سعيًا لعقد المصالحة بين الجانبين، كما كان يقول - ويكرر - إنه لا يوجد مبرر للصدام مع عبد الناصر أو الثورة، قد يوجد مبرر للخلاف ولكنه لا يرقى إلى مستوى الصدام، خاصة أن كل القرارات التي اتخذها عبد الناصر حتى الآن لها ما يسندها في الشريعة الإسلامية. ولكن سرعان ما تدخل الشيوعيون وانقلب عبد الناصر على الإخوان، حيث حاولوا الإيقاع بين عبد الناصر والإخوان، وفى الصراع المحتدم بين الطرفين أخذ الشيوعيون جانب الإخوان ضد عبدالناصر، ونجحوا في تنظيم مظاهرة طلابية كبيرة خرجت من جامعة القاهرة متجهة إلى قصر عابدين اعتراضا على عزل محمد نجيب. وقد أطلق الشيوعيون بعض الشعارات الإسلامية لاستقطاب قواعد الإخوان في هذه المظاهرة، وكانت تلك الشعارات تطرح بالتدريج إلى أن وصلوا إلى ميدان التحرير، وحين وصلوا إلى ميدان عابدين بدأت الهتافات في الهجوم على عبد الناصر. جدير بالذكر أن خروج تلك المظاهرات جاء بعد أيام فقط من قرار عبد الناصر بالإفراج عن الإخوان، الذي تصور أنه بمجرد صدوره فسوف تتم المصالحة بينه وبين الجماعة، ثم ما إن توجه إلى بيت الهضيبى لتطييب خاطره، وإن كان اللقاء الذي تم بينهما قد جاء فاترًا، إلا أنه لم يكن يستوجب مثل هذا التصعيد وهذه الدرجة من تسخين الأجواء وتسميمها. وقد زاد الأمر تداعيا أن أحد الإخوان توجه إلى عبد القادر عودة بمكتبه بميدان الأوبرا وكان معه إبراهيم الطيب، وقد حاول ذلك الإخوانى استغلال خصومة كانت واضحة بين عودة والهضيبى حين عزله الهضيبى من منصب وكيل الجماعة وجاء مكانه برجل آخر هو محمد خميس حميدة، مما ترك أثرًا سيئًا في نفس عبدالقادر عودة تجاه المرشد العام حسن الهضيبى. كانت الخصومة بين عودة والهضيبى أمرًا معروفًا لكل إخوانى، فجاء هذا الشخص إلى عبد القادر عودة ليقول له: من الذي أمر بتحريك هذه المظاهرة الضخمة أمام قصر عابدين؟ وكان عبدالقادر عودة لا يعلم شيئًا من أمر هذه المظاهرة، فكان طبيعيًا أن يسأل محدثه: أي مظاهرة تقصد؟.. رد الرجل قائلا أليس لك علم بها؟ كيف وأنت القيادى الإخوانى البارز؟ أيقن أن خصمه الهضيبى هو الذي قام بتحريك تلك المظاهرة، وفى نفس الوقت لم يكن عودة يريد تفاقم الخصومة بين الإخوان وعبد الناصر، فقرر التوجه فورًا إلى ميدان عابدين القريب من مكتبه ليقود المظاهرة بنفسه ويوجهها بعيدًا عن الهجوم على الثورة وعبد الناصر. وما إن وصل عودة إلى مكان المظاهرة حتى رآه بعض الشيوعيين فرفعوه على الأعناق وتعالت الهتافات الشيوعية الخبيثة ثم وضعوا في أيديه وهو على أعناقهم قميصًا ملوثًا بدم أحد القتيلين، اللذين كانا قد سقطا برصاص الجيش أثناء تصديه للمظاهرة عند كوبرى قصر النيل، وهى في طريقها إلى قصر عابدين، وقالوا لعودة: إن عشرات القتلى قد سقطوا على كوبرى قصر النيل، فاهتزت عاطفته وفى هذه الأثناء ظهر في شرفة القصر عبد الناصر ومعه عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، فرأوا عبد القادر عودة وهو يلوح بالقميص الملوث بالدم وهو يهتف: "هذا عمل المفسدين هذا عمل المجرمين". ظن عبد الناصر أن عودة قد تحول عن تأييده له، وأنه هو الذي دبر هذه المظاهرة، ومع ذلك أراد أن يتحقق بنفسه من حقيقة الموقف، وحينما وصل «عودة» اقترب منه عبد الناصر مصافحًا فأبى أن يصافح عبد الناصر معتقدًا أن المظاهرة للإخوان، وأن القتلى الذين سقطوا كانوا منهم، وأنهم قُتلوا بأمر عبد الناصر، وفى نفس الوقت رأى عودة أنه أصبح الآن في الموقف الذي يسمح له بكسب تأييد الإخوان وثقتهم على حساب خصمه اللدود حسن الهضيبى، وأنه برفضه السلام على عبد الناصر أمام هذه الحشود الكبيرة التي كان يعتقد أنها من الإخوان، سوف تعطيه ورقة يلعب بها مع الهضيبى على زعامة الإخوان وقيادتهم، فوقف في شرفة قصر عابدين على مقربة من عبد الناصر ليخطب في المتظاهرين، خطبة حماسية انتهت بأن طلب منهم الانصراف، وبالفعل انصرفوا بعد وعد من الزعيم الراحل بتحقيق أهدافهم. ولكن عبد الناصر لم يف بوعوده وأخرج الحشود المؤيدة له تهتف بسقوط الديمقراطية، وبحلول شهر نوفمبر عام 1954 كانت الغَلَبة للفصيل الداعم لجمال عبد الناصر وظل نجيب تحت الإقامة الجبرية، كما تم إعدام عمال يساريون وأٌرهِبَ الليبراليين وسُجِنَ بعض الضباط وتم إلقاء القبض على عبد القادر عودة وتم إعدامه هو وخمسة من قيادات جماعة الإخوان. ما حدث يشبه كثيرا ما يحدث اليوم، الحشد والحشد المضاد من قِبل شعب منقسم، والخداع والتلاعب من قِبَل معظم وسائل الإعلام المحلية، دماء تسيل وأرواح تتساقط وصراع على السلطة لا نعلم متى يتوقف؟.