أكد د. محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين بمصر أن الصدام بين الإخوان والزعيم الراحل جمال عبد الناصر بدأ عندما تنصل " عبد الناصر" من وعوده مع الإخوان، وأنه عندما استشعر بقوة الجماعة قرار اجتثاثها من جذورها. وقال إن عبارة الرئيس المنتخب د.محمد مرسى في خطابه "ما أدراك ما الستينيات" لم تكن مناسبة.. مستبعدا حدوث صدام بين الإخوان والناصريين، مشيرا إلي أن الهدف مشترك والأرضية واحدة، مؤكدا أن المصالحة بين الإخوان والناصريين بدأت عام 2004 وإن كان هناك بوادر لذلك منذ التسعينيات. وإلى تفاصيل الحوار. - كيف تري تفاصيل الأزمة بين جماعة الإخوان والرئيس الراحل جمال عبد الناصر؟ هذا يرجع فيه للتاريخ والشهود الذين عاصروا هذه الفترة، فما كتب بطبيعة الحال كتب من أطراف متعددة بعضهم كان مع وبعضهم كان ضد.. وهذا باب كبير، وهناك خيوط متشابكة ومتداخلة، والرئيس عبد الناصر كان من ضمن الإخوان وضمن من حلفوا علي المصحف بالبيعة للمرشد، ونحن نعرف أن تنظيم الضباط الأحرار، وكيف كانت همزة الوصل بين التنظيم والإمام حسن البنا عن طريق الصاغ محمود لبيب، وكيف كان هناك نوع من التوافق والتنسيق حول حركة 1952، لأنه لم يكن هناك جهد يبذل نحو قضية الاستقلال لا من الملك ولا الأحزاب الذين أفسدوا الحياة السياسية، وكان هذا أحد وهم وأبرز الأسباب في أن الأستاذ البنا كان ضد التعددية السياسية، لأنه كان يري شكل الأحزاب ووضعها والمصائب التي فيها وما يتضمنها من مشاكل فلم تكن تضع جهدها في قضية الاستقلال، ولذلك كان ينادي باحتشاد الأمة كلها وراء مشروع واحد، وهو نفسه لم يكن يرفض من حيث المبدأ النظام النيابي والتعددية، حتي أنه، قال: إن الحكومات في البلدان العريقة في الديمقراطية عندما تواجه خطرا داهما تشكل حكومة ائتلافية وبعد ما ينتهي ويزول الخطر تعود الحكومة إلي سابق وضعها التي كانت عليه، كانت هذا فكر الأستاذ البنا ومن هنا كان تضافر الجهود ما بين الإخوان من ناحية وبين الضباط الأحرار من ناحية أخري. - من الذي بدأ بالصدام الإخوان أم عبد الناصر؟ الذي أذكره وأعلمه من خلال أساتذتي ومشايخي من أكارم الإخوان، أنه حينما استقر الأمر وأصبحت الحركة ثورة، تم لقاء ما بين جمال عبد الناصر والمرشد حسن الهضيبي وكان هناك وعود واتفاقيات بين عبد الناصر ورجال الحركة من ناحية وبعض قيادات الإخوان من ناحية أخرى، علي أنه لو وفقت الحركة سيكون هناك اتجاه لمسألة الحريات والديمقراطية وتطبيق الشريعة الإسلامية، ففي أول لقاء تم بين الأستاذ الهضيبي وجمال عبد الناصر ذكره بالوعود التي كانت بينه وبين قيادات الجماعة، فأنكر ما كان متفقا عليه من قبل وحينما خرج عبد الناصر من هذا اللقاء فقال الأستاذ الهضيبي لمن حوله "هذا الرجل ليس فيه خير" وقد كان الأستاذ الهضيبي يتكلم قليلا جدا، ولكنه إذا نطق نطق بالحكمة، وشعر جمال عبد الناصر أن الأستاذ الهضيبي ليس من الشخصيات السهلة التي يمكن احتواؤها أو ترويضها، وبالتالي عمل منذ اللحظة الأولي علي التخلص من هذه الشخصية بأي كيفية كان هناك من قيادات الجماعة من يثق في عبد الناصر ويتكلمون باستمرار عن ضرورة إعطائه فرصة، وكان هناك سابق تواصل مع عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص، وقد حاول عبد الناصر أن يوظف عبد الرحمن السندي في أن يضرب الهضيبي ويضرب مكتب الإرشاد ويقنعه بأنه ليس هناك مشكلة ما بين رجال الثورة وبين جماعة الإخوان، ولكن المشكلة بين رجال الثورة والأستاذ الهضيبي، وبالتالي في حالة ما إذا تمت إزاحة الأستاذ الهضيبي ستزول المشكلة. وهذا كانت خطة جمال عبد الناصر وعندما جاء قرار حل الأحزاب فرح الإخوان لكن الوحيد الذي لم يفرح هو الأستاذ الهضيبي؛ لأنه كان أعمق فهما وأبعد نظرا، فقال لهم: لا تفرحوا الدور قادم علينا وأيضا حينما حكم إبراهيم عبد الهادي على اعتبار أنه كان وزير الداخلية ورئيس الوزراء في عهد الملك والذي أشرف علي اغتيال الإمام البنا، فصدر الحكم ضده ففرح الإخوان فقال لهم الأستاذ الهضيبي لا تفرحوا، فكل هذه المحاكم الاستثنائية لا يؤمن جانبها، فالدور قادم. - كيف اكتشف عبد الناصر خطورة الإخوان برأيك؟ عندما حدثت مظاهرات ميدان عابدين عام 1954 حيث تجمعت مظاهرات ضخمة حول قصر عابدين لمطالبة المجلس العسكري بتنفيذ وعوده بالديمقراطية مطالبين بإطلاق الحريات وإفساح المجال للحياة النيابية، فطلبوا من المتظاهرين الثائرين وتلك الحشود الضخمة أن ينصرفوا لكن بلا مجيب، فتم استدعاء وكيل الجماعة آنذاك عبد القادر عودة، ووقف عودة من شرفة عابدين يطلب من الجماهير الثائرة أن تنصرف في هدوء فانصرفوا في دقائق معدودة، وكان هذا هو الخطأ الكبير الذي وقع فيه عبد القادر عودة ؛ لأن التظاهرة عندما تقوم يجب ألا تنتهي إلا بعد أن تستوفي هدفها، فأيقن جمال عبد الناصر في لحظتها أن الشخص الذي في يده صرف هذه الجموع الحاشدة التي جاءت محتجة تطالب بإطلاق الحريات وإفساح المجال للحياة الدستورية والوفاء بالوعود قادر علي أن يجمعها مرة ثانية، وكان "عودة" أحد الشهداء الستة الذين تم إعدامهم في تمثيلية المنشية ؛ ففي تصوري أنه منذ تلك اللحظة أو ربما قبلها بدأ جمال عبد الناصر يخطط لتصفية الجماعة واجتثاثها من جذورها، فرتب لحادث المنشية وهو الحادث الذي فيه خفايا وخبايا كثيرة ويحتاج بالفعل إلي أن نقف أمامه طويلا، لأن فيه مجموعة من العلامات تؤكد أن المسألة كانت مسرحية تم التخطيط لها بليل وعلي أثرها قام عبد الناصر باعتقال الألوف من الإخوان وإعدام ستة وهم عبد القادر عودة، محمد فرغلي، يوسف طلعت إبراهيم الطيب، هنداوي دوير، محمود عبد اللطيف، ناهيك عن التعذيب الوحشي. - لكن الإخوان يستهدفون تشويه العهد الناصري وتقديمه في صورة نظام ديكتاتوري متناسين المزايا الحقيقية للثورة؟! ما حدث تاريخ لا يستطيع أحد أن ينكره، لكن اختصار الثورة والعهد بأكمله في هذه الجزئية أعتقد أنه يجافي الثورة، لا أحد يستطيع أن ينكر أن عبد الناصر مثلما كانت له سيئات وسوءات كانت له إيجابيات وأهمها مسألة الإطاحة بالملك، حتى إن المبادئ له إيجابيات وأهمها مسألة الإطاحة بالملك، حتي إن المبادئ الستة التي قامت عليها الحركة جيدة وطيبة، فحرب السويس وخروج عبد الناصر والخطبة الشهيرة على منبر جامع الأزهر والتي اكتسب من ورائها شعبية ضخمة لا يستطيع أحد أن ينكر ذلك وكذلك تأميم قناة السويس، الوحيدة بين مصر وسوريا عام 58 أنا شخصيا كنت سعيدا للغاية بمسألة الوحدة مع سوريا لإيماني بالوحدة العربية كمقدمة للوحدة الإسلامية شريطة أن تقوم علي أسس وقواعد صلبة ومتينة لا تتفتت ولا تنكسر لأي منعطف وحزنت حزنا كبيرا حينما حدث الانفصال عام 1961 فالأمل الذي داعب خيالي طويلا في الوحدة العربية ثم الوحدة الإسلامية انطفأ سراجه، فالوحدة كانت أحد أبرز المعالم في إيجابيات عبد الناصر، وقبل ذلك مسألة دول عدم الانحياز ودور جمال عبد الناصر فيها وكان لذلك تأثير علي نفسي أنا شخصيا أن مصر من الممكن أن يكون لها هذا الدور العالمي.. أيضا حركات التحرر التي كان يتبناها علي المستوي الأفريقي هنا وهناك صحيح أنه أفرغت الخزانة المصرية من كثير من الاحتياطي الموجود لديها، وكانت هناك معارك دينكشوتية لم نجن من ورائها إلا الخراب. ومن إيجابيات عبد الناصر بطبيعة الحال مسألة حرب الاستنزاف ولقد بذل جهدا رائعا وعظيما بالنسبة لإعداد الدولة لحرب أكتوبر 1973، بالتأكيد لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، ومن الإيجابيات أيضا للحقبة الناصرية قوانين يوليو الاشتراكية التي أعادت للإنسان إحساسه بالكرامة وسعدنا بهذه القرارات والقوانين التي كان لها نوع من التوجه الاشتراكي في الدولة ونظام الحكم، ويحسب أيضا من إيجابيات الحقبة الناصرية ظهور الطبقة الوسطي، فالطبقة الوسطي في أي دولة هي عماد الدولة ومرتكزها ومناط الابتكاروالخلق والإبداع. لكن في المقابل شهدت هذه الفترة غيرها بعض السلبيات منها الاعتداء علي اللغة العربية التي تدهورت تدهورا عجيبا ولم يعد لها هذا الوهج، ليس هذا فقط وإنما أيضا تم تدمير الأزهر والسخرية اللاذعة منه فقد تم لعب دور في تحطيم وتدمير الأزهر خاصة في قانون سنة 61 والذي مازلنا نعاني من سلبياته وتداعياته حتي اليوم، الكارثة الكبري كانت في التنظيم السياسي الواحد بدءا من هيئة التحرير فالاتحاد القومي فالاتحاد الاشتراكي ثم التنظيم الطليعي وأرى أن التنظيم السري كان نكبة. - ولكن الإخوان لا يقدمون من كل هذه المميزات إلا صور القمع والاستبداد؟! يوم يقضيه الإنسان في سجن مظلم، يعد بسنوات العمر، وبكل مناصب الدنيا، وهذا لمن جرب، لأن الحرية شيء عظيم، لذلك كان أهم الأهداف الكبري في ثورة 25 يناير الحرية، فالحرية تاج علي رءوس الأحرار لا يحسها إلا من عاش خلف القضبان، ناهيك عن استباحة الأعراض حيث انسحقت في هذا العهد حرية الفرد إلى أقصي مدي ولعبت فيه المخابرات الدور الأكبر وهذا أمر يذكره التاريخ أيضا. - وما أخطاء الإخوان مع عبد الناصر برأيك؟! أنهم تصوروا أن الحرية قادمة في الطريق ولكنهم فوجئوا بعكس ذلك. - ولكن تم اتهام الإخوان بالسعي للتكويش والقفز علي الثورة وأن يكون مصدر القرار هو مكتب الإرشاد؟! كلها محاولة لتصوير الإخوان بأنهم لا يلتزمون بمواثيق ولا عهود ولا اتفاقات، ولكن عبد الناصر هو الذي تنصل منها - هذا ما أعلمه - الإخوان من مبادئهم أنهم يريدون تطبيق شرع الله، وأن يكون هناك مجتمع قوي ومتراحم ومتكافل به تعددية حقيقية فإذا جاء غيرهم لينفذ هذا يكونوا هم أتباعا له، كان عبد الناصر يريد التخلص من الإخوان فقد كان لا يريد عوائق في الطريق. - إذن كان الإخوان "عقبة" أمام مشروع عبد الناصر؟ في تصور عبد الناصر، فالرجل صاحب مشروع ورؤية فوجد أن الإخوان عقبة في تنفيذ هذا المشروع وتحقيق هذه الرؤية واستشعر أن الإخوان قوة وند له تقف أمام مشروعه. - الرئيس د. محمد مرسي في خطابه بميدان التحرير انتقد فترة الستينيات وهو يستعرض النضال الوطني بداية من عشرينيات القرن الماضي وقال "ما أدراك ما الستينيات فما تعليقك؟ أري أنها لم تكن مناسبة، خاصة أننا نمد جسور الثقة والتعاون والتنسيق مع جميع القوي الوطنية فهو في معركة مع الخفافيش والعقارب لابد أن يأخذ في حسبانه الجماعة الوطنية منهم قوميين وناصريين وهناك قواسم مشتركة بيننا وأقول له أنت تسير في حقل ممتليء بالألغام فتخير مواطئ الأقدام. - هل ترى أن الصدام الذي يصل لحد الكراهية بين الإخوان وثورة يوليو من الممكن أن يعود بين الرئيس والناصريين؟ بالعكس أري الهدف مشتركا والأرضية تكاد تكون واحدة ولا ننسي التحديات علي المستوي الداخلي والخارجي.. وأري أن القوميين أقرب للإخوان من أي فصيل آخر، والرئيس مرسي لم يتعمد إغضاب هذا التيار السياسي الكبير، ولا يمكن للرئيس الذي جامل في خطاباته فئات لا تتعدي بضعة الألف أن يتعمد إغضاب هؤلاء الملايين، وتصور حسن الظن بخطابه من أن ما حدث في فترة الستينيات من الخوف والقهر هذا العهد لن يعود مرة ثانية وهي فترة عاني منها الكثير من الشعب المصري وليس الإخوان وحدهم فقد قاسي منه أيضا الشيوعيون والمواطن العادي. - وهل ترى إمكانية المصالحة بين الإخوان والثورة؟ المصالحة بدأت منذ عام 2004 وكنت وقتها نائبا للمرشد العام حيث قمن بعدة لقاءات من خلال عمل لجنة الخمسين للإصلاح، حيث جلسنا جلسات مطولة واجتمعنا بالراحل ضياء الدين داود وبحمدين صباحي وعصام الإسلامبولي وأمين إسكندر في إطار جلسات طويلة ومحاولات للتنسيق والتعاون فتحنا صفحات جديدة، وبدأنا نضع أقدامنا على خطوات في التعامل مع جميع القوي الوطنية، وذهبنا أيضا لحزب الوفد وجسنا جلسات مطولة مع د. نعمان جمعة رئيس الحزب وقتها وذهبنا أيضا لحزب التجمع، وكان معنا في هذه الزيارات د. محمد مرسي وسيف الإسلام البنا ومحمد عبد القدوس كنت أتصور أنه لن يكون هناك إصلاح أو تغيير إلابتكاتف كل القوي وهذه كانت أيضا وجة نظر مكتب الإرشاد وكان الأستاذ مهدي عاكف يدفع في هذا الاتجاه بقوة ويذكر له ذلك في الحقيقة. صحيح هناك من كان يعتبر أن هذه مضيعة للوقت لكن هذا لم يمنعنا من التحاور ومحاولات التوافق وإن كنت أري أن المصالحة بدأت منذ التسعينيات حوالي عام 94-95 ولقاءات الإصلاح السياسي في مصر عام 98 والتي شارك فيها مأمون الهضيبي وسيف الإسلام البنا ولكنها أخذت شكل المحاضر وجلسات العمل الفعلي عام 2004-2005، فلا ينفع أن نكون منفصلين خاصة أننا علي أرضية واحدة وهناك عدو إسرائيلى رابض علي الأراضي الفلسطينية ومشروع أمريكي نحن جميعا ضده ولن يستطيع الناصريون ولا اليسار ولا الليبراليون أو الإخوان مواجهته بمفرده.