ساعدتنى على الانضام للفدائيين..وأنا ابن 14 عاما وكانت تدعو لي ب«ربنا يعمي عنك عين العدو» رغم المعارك والبطولات التي حققها اللواء أحمد رجائى عطية مؤسس الفرقة 777 وأحد أبطال المجموعة 39 قتال مجموعة الشهيد إبراهيم الرفاعى في حرب تحرير الأرض في السادس من أكتوبر، إلا أنه يدين بالفضل في كل ما حققه إلى سيدتين تحملتا أعباء غيابه عن البيت ومشاركته في أعنف المعارك مع العدو الصهيوني، الأولى والدته المرحومة السيدة إصلاح هانم شاهين ابنة الأميرالاى محمد شاهين أحد قادة الجيش المصري، والثانية زوجته السيدة نشراوان عباس إبراهيم. يروى رجائى عن والدته قائلا: "عندما كان عمرى 14 عاما شجعتنى للانضمام إلى الفدائيين وقمت بالتدريب معهم ومرافقتهم في عمليات ضد الإنجليز وعندما حصلت على الثانوية العامة جئت إليها فرحا لأزف لها خبر نجاحى وقرارى بدخول كلية الهندسة وفوجئت بها تقول "لما تدخل أنت الهندسة أمال مين هيطلع اليهود من فلسطين ويحمينا منهم في مصر"، فاخترقت كلماتها قلبى وشعرت بالخزى في تفكيرى وأن نازع الوطنية الذي آمنت به في تحرير فلسطين والحفاظ على وطنى مكانه الوحيد الكلية الحربية فتقدمت بأوراقى وفعلا قبلت وتخرجت في مدرسة الصاعقة". وأضاف:"كان من عادتى دائما ألا أفصح عن أي عمل أقوم به وتم تعيينى مدرسا في مدرسة الصاعقة وكل شغلى التدريبات لكن سبحان الله عندما يكون هناك عملية خطيرة كانت تبقى حاسة وتدعيلى بجملة "ربنا يعمى عنك عين العدو"، رغم أنها من داخلها تشعر بأننى طالع مش راجع ولكن عقب هذه الدعوة كنت أذهب في العمليات وأنا مطمئن بأن الله يسمع دعاء الأم وحتى لو مت شهيدا ستكون راضية عني". وأضاف:"أمى سيدة عظيمة بمعنى الكلمة كانت تتحمل بعدى عنها وربما تفقدنى ولكن عمرها ما سألتنى أنت رايح فين ولا هتعمل إيه.. ولكن أثناء حرب أكتوبر كنت أنا وأخى الأصغر هشام في الحرب وفى نفس سلاح الصاعقة ويوم 18 أكتوبر كلفت بالعودة للقاهرة لإحضار بعض الأجهزة والمعدات والعودة بها للجبهة وحملت السيارات بالمعدات وكنت قريبا من المنزل فاستأذنت لكى أطمئن على أمى وزوجتى وأغير ملابسى واتناول الغذاء وبالفعل قابلونى بالأحضان وطلبت الأكل ثم طلبت كوب شاى وخلصته وطلبت كوبا آخر ففوجئت بها تقول لى أنت هتشرب شاى تانى وسايب أخوك في الحرب وحده يلا توكل على الله واستغربت لهذا الموقف، ولكنى قمت مسرعا وعدت مرة أخرى لأرض المعركة حتى بعد وقف إطلاق النار، وكانت دعوتها الشهيرة "ربنا يعمى عنك عين العدو تلازمنى طوال فترة خدمتى في القوات المسلحة حتى وفاتها عام 1987". وعن الجندى المجهول الثانى في حياة مؤسس المجموعة 777 فيقول:"زوجتى نشراوان عباس إبراهيم هي التي كانت تساندنى وتدعمنى بقوة بعد أمى تزوجتها عام 1966 وبعدها بشهرين تركتها وهى حامل ولم تكن تعلم مكانى وسمعت خبر وفاتى في الراديو. وتتحدث السيدة نشراوان عن تلك الفترة قائلة:"في الحقيقة تعرفت على أحمد عن طريق الأسرة واتخطبنا لمدة شهرين وجعلنى أترك المدرسة وتزوجنا فتاريخ الخطوبة كان عيد الجلاء وتزوجنا في عيد الفلاح وكان وقتها قادما من حرب اليمن، وبعدها بشهور تحديدا في أول مايو ذهب أحمد في مأمورية وتركنى حاملا ولم أكن أعلم أين هو وعندما حدث العدوان الإسرائيلى على مصر يوم 5 يونيو سألنا عليه ولم نعرف مكانه ثم سمعنا في الراديو أسماء الشهداء وكان بينهم أحمد وقائده جلال هريدى وكانت حالتى صعبة جدا وشعور غريب أن يأتى ابنى الأول إلى الدنيا وأبوه شهيد". وتضيف:"بعد أيام وجدناه يتصل علينا ويقول إنه وصل الإسكندرية فلم أصدق وجاءنى ألم الولادة في الحال وأنجبت ابنى الأول أحمد وعندما سألناه قال إنهم ذهبوا إلى تل أبيب ثم إلى الأردن واللاذقية ثم عادوا إلى القاهرة، وبعد نكسة 67 أسس مع الشهيد إبراهيم الرفاعى المجموعة 39 قتال أخطر مجموعة صاعقة في الجيش وكان يذهب في مأموريات طويلة بالشهور لا نعرف عنها شيئا ثم نسمع عن هذه البطولات من الراديو". وعن ذكرياتها معه أثناء الحرب قالت:"بعد زواجى منه سلمت أمرى لله وكنت أشعر أن كل مرة يخرج فيها من الباب أنها ستكون آخر مرة أراه فيها فتركت منزلى أنا وزوجة أخيه البطل الثانى في الصاعقة هشام وقررنا الإقامة عند حماتى التي كانت أحن علينا من أمهاتنا ووجدنا في حضنها الأمن والأمان وكانت دائما تطمئننا بكلامها وفى أحد الأيام جاء أحمد من إحدى العمليات التي لم نعرفها وفجأة وهو نائم أخذ يصرخ ويقول اطفئوا النار ويدعك جسمه في السرير وعندما أيقظته من النوم حكى لى أنه كان في عملية خلف خطوط العدو موقعة لسان التمساح والعدو أطلق عليهم النابالم، وكاد ظهره يحترق فطفاه زملاؤه بالرمال وهو ما كان يحاول عمله وهو نائم". وتابعت:"بعدها تم تعيينه في مكتب مخابرات الغردقة وكان يذهب إلى داخل إسرائيل ويتخفى مرة في ملابس البدو ومرة أخرى في ملابس إنجليزى ومرة صعيدى يقوم بعمليات خلف خطوط العدو بالإضافة إلى جمع المعلومات عن تحرك القوات الإسرائيلية في سيناء والاحتياطي الإستراتيجى من الذخيرة والوقود وتمركزات الدبابات وأجهزة الرادار والدفاع الجوي، وهناك 42 عملية من أكبر عمليات الصاعقة قام بها زوجى وأنا كل ما أستطيع عمله هو أن أرفع يدى للسماء بأن يعود إليّ سليما، أعكف على تربية أولادى بعدما رزقنى الله بولدين، أما أحمد فكان يعشق عمله جدا ولا يعطى بالا لحجم الخوف الذي أكون فيه أنا ووالدته فمصر كانت بالنسبة له أهم من حياته وكان يقول إما النصر واسترداد الأرض كاملة أو الشهادة، والحمد لله انتهت الحرب وحمدت ربنا على سلامته وعودته لنا، وفعلا الزوجة والأم هما أكثر من البطل تحملا للألم والخوف والرعب، ولكننا كنا صامدين حتى يقوموا بعملهم.. لم أحك له مشكلة واجهتنا أو مشكلات الأولاد فكنت الأب والأم في وقت واحد إلى أن عاد إلينا، وفعلا شعرت أن ربنا كرمنى بأحسن إنسان في الدنيا عوضنى عن السنين التي عشتها في الخوف عليه، ونحن زوجات الضباط نعلم منذ اليوم الأول لزواجنا أن أهم شيء للضابط أن يشعر أن بيته آمن ولا يوجد به مشكلات حتى يتفرغ لعمله ولا يفكر فينا".