شرطة سرية وكمائن خاصة لضبط المخالفين.. والأمن الوطنى يشارك بالمعلومات "الديليفرى" وصناديق القمامة أحدث أساليب تهريب الورقة الخضراء.. ومأموريات خاصة لعقد الصفقات مع المصريين بالخارج البازارات ومحال الذهب منافذ بديلة للصفقات المحرمة على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، سواء من قبل البنك المركزى، أو الأجهزة الأمنية المختصة، للسيطرة على تداول الدولار بشكل غير شرعى في السوق السوداء.. إلا أن الورقة الخضراء واصلت جنونها، وارتفعت قيمتها بشكل كبير، وسط توقعات بوصول سعر الدولار الواحد إلى 15 جنيها، خصوصا بعد ظهور أساليب جديدة ومبتكرة لتهريب العملة الصعبة والاتجار فيها، ودخول فئات مختلفة من المصريين في مجال المضاربة عليها ترى ما هي أحدث أساليب التجار لتهريب العملة وإخفائها عن أعين رجال الشرطة.. وما هي أكثر الأماكن التي تزدهر فيها تلك التجارة.. ومن انضم إلى مافيا "الدولار الأسود"؟.. هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها محقق "فيتو" في السطور التالية من خلال مصادر أمنية مطلعة، وخبراء اقتصاد مهتمين بأزمة الدولار. في البداية.. التقى المحقق مصدرا أمنيا مطلعا وسأله عن مدى انتشار تجار العملات الأجنبية غير المشروعة، خصوصا الدولار الأمريكى في الآونة الأخيرة فأجاب: "مع القفزة الكبيرة في سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى، وجد كثير من المصريين في تجارة العملة، استثمارا مربحا للغاية، وبدءوا في تجميع الدولارات والاحتفاظ بها لبعض الوقت، ثم بيعها في السوق السوداء والاستفادة من فارق السعر، ومن ثم زادت تجارة العملة بشكل كبير وانتشرت في مناطق وأماكن عديدة في طول البلاد وعرضها، ويمكن أن نقول إن سوق تجارة العملة تضاعفت مرتين على الأقل مؤخرا.. وهناك فئات وأصحاب مهن وحرف معينة، استغلوا عملهم وتوافر السيولة المالية معهم في تجارة الدولار، يأتى في مقدمتهم بعض أصحاب شركات السياحة العاملين فيها، وهؤلاء بحكم عملهم يقنعون السائحين، بقدرتهم على تغيير الدولارات بأسعار أعلى ومن أماكن مضمونة، فيأخذون العملة الصعبة، ويبيعونها لتجار السوق السوداء مقابل 50 % من فارق السعر، وهذا يفسر الانخفاض الشديد في دخل الدولة بالدولار من قطاع السياحة.. يليهم أصحاب محال الذهب والمجوهرات، وهم يمتلكون سيولة مالية كبيرة تمكنهم من شراء الورقة الخضراء من المواطنين العاديين، أو بعض السياح، أو من الشركات الخاصة والأجنبية بأسعار تفوق السعر الرسمى بكثير، ثم يستثمرونها في تجارة الذهب وتصنيعه، وهو شكل من أشكال غسيل الأموال، أو الاحتفاظ بها لحين ارتفاع السعر.. بعض أصحاب "البازارات" أيضا يصرون على بيع منتجاتهم للسياح بالدولار، ويحتفظون به لفترة طويلة إلى أن يقوموا بتغييره في السوق السوداء، ومن ثم تحرم البنوك من نسبة كبيرة من العملة الأجنبية فضلا عن أن بعض أصحاب البازارات السياحية ومحال الصاغة حولوها إلى منافذ بديلة لتجارة الدولار في ظل حالة الكساد التي تجتاح السياحة وبيع الذهب بسبب ارتفاع سعره.. عملية بمليون أما المتاجرون الأساسيون في الدولار، فهم بعض أصحاب شركات الصرافة والعاملين بها، وهؤلاء يطلبون من عملائهم الكبار مقابلتهم في أماكن خارج مقار الشركات، لإتمام عملية البيع والشراء بأسعار مغالى فيها، وخلال الأيام الماضية، سقط في قبضة رجال مباحث الأموال العامة الكثير من العاملين في شركات الصرافة، متلبسين بحيازة نقد أجنبى للمضاربة به في السوق السوداء، ومن بينهم مدير لمجموعة من شركات الصرافة، تم ضبطه وعامل لديه، أثناء إتمام "صفقة دولارات سوداء"، مع أحد العملاء، وعثر بحوزتهم على 73446 دولارا أمريكيا، و2307 ريالات سعودية، ونحو 300 ألف جنيه مصري، وتبين من التحقيقات أنهم يديرون عمليات بيع وشراء للعملات الأجنبية، تتجاوز قيمتها المليون جنيه، في المرة الواحدة.. إلى جانب دخول بعض المواطنين العاديين من أصحاب محال الملابس الجاهزة، أو أهالي المصريين بالخارج، وأصحاب المهن والحرف المختلفة إلى هذا السوق، الذي يحقق لهم أرباحا كبيرة وبسهولة شديدة في وقت قصير". عاد محقق "فيتو" يسأل المصدر الأمني عن الطرق والأساليب الجديدة التي يلجأ إليها تجار العملة خصوصا الدولارات، لإخفاء ما بحوزتهم من أموال لحين تسليمها للعملاء فقال: "هناك طرق عديدة لجأ إليها تجار العملة لتنظيم عملهم، وهى تتشابه إلى حد كبير مع أساليب تجارة المخدرات ومن بينها: نظام "الديليفرى"، وفيه يتصل تاجر العملة بالعميل ويتفق معه على السعر المحدد للدولار الواحد، والمبلغ المطلوب مقابل الدولارات، ثم يتحرك أحد معاونى التاجر مستخدما دراجة نارية تشبه دراجات عمال توصيل الطلبات، ويتقابل مع العميل في مكان عام، وتحدث عملية تبادل الأموال بسرعة.. ويمكن أن تتم تلك العمليات على مقاهٍ محددة، حيث يجلس تاجر العملة في وقت محدد يعرفه العملاء جيدا، ومعه الدولارات، أو الجنيه المصرى، وتتم عملية البيع والشراء، وقد تتم في المكاتب أو المحال التجارية والشركات الخاصة والبازارات، ويحرص التجار على إخفاء الأموال بين طيات ملابسهم أو وضعها في كيس بلاستيك أو ظرف لا يلفت الأنظار.. الأغرب والأكثر إثارة، أن بعض تجار العملة في بعض الأحيان يضعون أموالهم داخل صناديق "قمامة" محددة على أن يتولى حراستها، عدد من معاونيهم المسلحين لحين إتمام عملية البيع والشراء.. وهناك من يوفد مندوبين عنه إلى بعض الدول العربية خصوصا دول الخليج، لمقابلة العاملين المصريين هناك، وشراء الدولارات منهم على أن يقوم معاونوه في مصر بتسليم قيمة الدولارات بالجنيه المصرى، لأهالي المغترب المصرى، ثم يحول تاجر العملة الدولارات على حسابه الخاص من الخارج، أو يرسلها لشركائه عبر مكاتب تحويل الأموال.. ومن الأساليب الحديثة أيضا، استعانة السماسرة وتجار العملة بشبكة الإنترنت، وأنشأوا عليها صفحات خاصة، لتسهيل عمليات البيع والشراء وتحديد أماكن تسليم وتسلم العملات، وبالطبع يستخدمون شفرات خاصة يتفقون عليها".. وأشار المصدر الأمني إلى نقطة مهمة تتمثل في ارتباط تجارة العملة بجرائم متعددة منها القتل والسرقة والنصب، فكثير من المواطنين يتعرضون للنصب أثناء استبدال الأموال، حيث يتم استبدالها بأموال مزورة، أو يأخذ التاجر الأموال ويطلب من العميل الانتظار لحين إحضار الدولارات ويذهب ولا يعود. من جهته، قال مصدر أمني مسئول لمحقق فيتو، إن وزارة الداخلية أعدت خطة لمواجهة أباطرة تجارة العملات الأجنبية خصوصا الدولار الأمريكي، يشارك فيها قطاع الأمن الوطنى، حيث يمد الأجهزة الأخرى بالمعلومات، والإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، وقطاع الأمن العام.. وتعتمد على رصد ومتابعة أصحاب شركات الصرافة والعاملين بها وكذلك موظفو البنوك والعاملون في مجال السياحة، وأى شخص يحاول تجميع الدولارات الأمريكية بشكل غير شرعى، وذلك من خلال نشر عناصر من الشرطة السرية في الأماكن التي يحتمل أن تكون مسرحًا للاتجار في النقد الأجنبي مثل محيط شركات الصرافة والبنوك ومحال الذهب والبازارات والشركات المتعاملة بالدولار.. شرطة سرية المسئول الأمني أضاف أنه تمت الاستعانة بنحو 250 من العناصر الشرطية الجديدة والوجوه غير المألوفة حتى لا يتعرف عليهم تجار العملة، وقد راعت حركة تنقلات قيادات الداخلية الأخيرة الدفع بعناصر شابة وكفاءات مميزة لها القدرة على التصدى لسوق العملات الأجنبية السوداء.. وقد نجحت تلك الخطة حتى الآن في ضبط العديد من قضايا التلاعب في سوق النقد الأجنبي، وتقديم المتورطين فيها إلى جهات التحقيق المختصة، ويتم تطوير الخطة أولا بأول لتتواكب مع ألاعيب التجار والسماسرة، وهناك تعاون وثيق بين أجهزة وزارة الداخلية وبين الجهات الحكومية الأخرى ذات الصلة مثل رئاسة مجلس الوزراء والبنك المركزي.. وعن أشهر المناطق التي تنتشر بها تجارة العملة قال المسئول الأمني: من خلال المتابعات الأمنية والقضايا التي تم الكشف عنها يمكن تحديد أماكن بعينها في القاهرة والمحافظات، تزداد بها تجارة العملات.. ففى القاهرة تنشط تلك التجارة في مناطق مثل شارعى شامبليون بوسط البلد، ومحمد فريد بعابدين، وشارع عباس العقاد بمدينة نصر، والنزاهة ودار السلام، والأزبكية.. وفى الجيزة ينتشر تجار العملة في الهرم وفيصل وحدائق الأهرام ومدينة 6 أكتوبر، والدقى والمهندسين.. ومركزى أخميم وسوهاج بمحافظة سوهاج، وباب شرق وكامب شيزار بالإسكندرية، والسنطة وزفتى وطنطا بالغربية، ودمنهور بالبحيرة، ومراكز المنصورة وطلخا والسنبلاوين بالدقهلية، وملوى بالمنيا، والفشن ببنى سويف، وفرشوط بأسيوط.. فضلًا عن المناطق المحيطة بشركات الصرافة والبنوك ومحال الذهب والبازارات. وحدد المسئول الأمني عددا من الأشياء التي تساعد على الحد من أزمة العملات الأجنبية منها أن تكون تعاملات المواطن أو المستثمر سواء بيع أو شراء العملات الأجنبية عن طريق المصارف المعتمدة، وهى البنوك وشركات الصرافة التي تعمل وفقا للقانون، والأسعار الرسمية المعلنة، وعدم اللجوء لتجار وسماسرة العملة لتدبير النقد الأجنبى، أو بيعه لهم، وضرورة الإبلاغ عن السماسرة وتجار العملة لمساعدة الأجهزة الأمنية في ضبطهم.. أيضا على المستوردين ورجال الأعمال ترشيد الاستيراد وقصره على السلع الضرورية ومستلزمات الإنتاج وهذا من شأنه أن يؤدى إلى تقليل الطلب على العملات الأجنبية، وذلك يساعد البنوك على تلبية احتياجات المستوردين من النقد الأجنبى، ورفع قيمة العملة الوطنية ويقلص السوق السوداء. من جانبه، قال إسماعيل حسن محافظ البنك المركزى الأسبق عن السوق السوداء إنها تستغل المصريين العاملين بالخارج وتقوم بعملية تبادل العملات بأسعار تفوق السعر الرسمى المعلن من البنك المركزى، مشيرا إلى أن هناك أدوات كثيرة يمكن من خلالها الاستحواذ على أموال المغتربين بدلا من تجار العملة كطرح منتجات جديدة لهم تحفزهم على ضخ أموالهم ببنوك القطاع المصرفى المصرى مما يعزز من احتياطات النقد الأجنبي. وأضاف محافظ البنك المركزى الأسبق، أن يجب توعية المصريين العامليين بالخارج بان الثقة في تجار العملة خطر كبير وعملية تبادل العملة معهم يجب أن يتخذ مسارا آخر، مشيرا إلى أن المصريين المغتربين وطنيون ويجب مخاطبتهم بالحس الوطنى. قبضة غير فعّالة رغم الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية خصوصا مباحث الأموال العامة، في محاصرة مافيا الدولار ومنع توسع السوق السوداء، إلا أن المحلل المالى وائل النحاس، يرى أن القبضة الأمنية غير فعالة بدرجة كبيرة في ضبط الأسواق ومطاردة المضاربين بالنقد الأجنبى وقال: "الإجراءات الأمنية التي فرضتها الحكومة على شركات الصرافة في الفترة الأخيرة زادت من حجم تعاملات السوق السوداء وبات الأمر أكثر خطورة لأن عمليات تبادل العملة بين التجار تتم في الخفاء ولا يأخذ أي صفة رسمية.. وأضاف المحلل المالى أن البنك المركزى ومباحث الأموال العامة فرضت سيطرتها على شركات الصرافة لكن لايمكن أن تفرضها على تجار العملة وذلك لأنها تتخذ حيلا كثيرة خاصة مع ارتباط بعض العاملين بتجارة العملة بعملاء سواء من حائزى الدولار أو المشترين مما يصعب ظبطهم.. وأشار النحاس إلى أن الأمن ليس الحل السليم لأزمة الدولار بل يجب أن تكون هناك حلول من الحكومة والبنك المركزى لتدبير العملة للمستوردين وعملاء البنوك حتى لا يلجأوا إلى السوق السوداء، مضيفا أنه يجب على البنك المركزى اتخاذ العديد من الخطوات منها تعويم الجنيه وتدبير العملات لأصحاب الشركات والمصانع وعملاء البنوك، كما يجب على الحكومة الاهتمام بالصناعات المحلية وتشجيع الاستثمار ووضع نظام لعودة السياحة أهم مورد من موارد النقد الأجنبي.