استمعت إلى أحد قيادات الجماعة الإسلامية الذي قضي من عمره حوالى خمسة عشر عاما في السجون محكوما بأحد الأحكام في واحدة من القضايا التي اتهم فيها أفراد الجماعة الإسلامية وأدوا ما عليهم من أحكام. يقول الرجل إنه كان معه أحد المحكوم عليهم بالمؤبد في سجن أبو زعبل وكان هذا السجين أحد أفراد جماعة من جماعات التكفير وكان هذا الرجل منعزلا في زنزانته لا يتحدث مع أحد، وكان ينظر إليهم باستهجان ويقول: «كيف يتقبل الله ما ضحيتم به من أجله وأنتم كافرون توبوا إلى الله واكفروا بالطاغوت حتى يتقبل عملكم وكنا نرد عليه قائلين: « إننا مسلمون شئت أم أبيت فنحن لم نكفر ومازلنا مسلمون وحسابنا على الله وعنده». المهم أن هذا الشخص مع ازدياد المدة في السجن ومرور السنوات ساءت حالته النفسية وأصيب بمرض السل أو الدرن وأصبح لديه ما يشبه الماء على صدره ويحتاج إلى بذل تلك المياه عن طريق خرطوم في صدره أو حقن مضادات حيوية قوية كانت تصرفها له إدارة السجن وكان كلما أتى ميعاد الحقنة ليأخذها يقول: "اللهم إنى اعلم أن هذا اعتراض علي مشيئتك ولكني سآخذ برخصتك حتى أقوى على عبادتك...اللهم إن هذا هو دواء الكافرين فأنعم علي بدواء المؤمنين لك المحبين". وبعد أن يأخذ الحقنة يقول: "اللهم إني برئت من دواء الكافرين ومن صنيعة الكافرين ومن أيدي الكافرين التي غرست ذلك السن في جسدي" وكان يقول هذا الكلام في سره إلى أن أتى يوم وكان يقوم بإعطائه تلك الحقنة أحد أفراد جماعة الجهاد فسمعه وبعد أن سمعه انهال عليه ضربا قائلا: "وهل هذا هو جزائي لأني أقوم على علاجك يا خوارج ...والله لو كنت في زمن الإمام علي لكنت قد قتلت كل من قام باعتناق هذا الفكر إلى أن أصل إليك ...اسكت يا مرجئة يا كافر يا سليل بن سبأ يا سليل الكفار ...غور جاتك داهية انته وكل اللي في الزنزانة .. انتوا كفرة ولاد كفرة أنتم في النار وما قدمتموه وتقولون إنكم قمتم به من أجل الله ليس من أجله إنما من أجل الشيطان". وفى أحد الأيام جاء "الشاويش" المسئول عن السجن ومعه ثلاثة من زملائه بالإضافة إلى أحد ضباط السجن وأخذوه من الزنزانة إلى أن وصلوا إلى مكان داخل العنبر منعزلا وقالوا له قل لنا يا شيخ فلان هل نحن كفرة.. فسكت.. فقال له الضابط بص يا شيخ فلان أنا بصلي ورحت الحج وزرت قبر النبي ومراتي بتصلي وبنتي حافظة 12 جزءا من القرآن وأمي حجت وأبويا كان شيخا في الأزهر ابقي كافر فسكت فقال له رد عليه فسكت أيضا فقال لهم الضابط اضربوه إلى أن يقول هل نحن كفرة أم مسلمون فقال له أنا حقولك بس بلاش ضرب.. فقال له قل.. فقال إن كل من ارتدى البدلة الميري فهو كافر وكل من ساعد اللي لابس البدلة دي كافر.. فقال الضابط يعني أنا عشان لبست البدلة الميري أبقى كافر قال له نعم لست بمفردك ولكن أنت وأسرتك لأنهم لم ينهوك عن كفرك.. وأنت وجب الجهاد ضدك إلى أن تستتاب وتكفر بالطاغوت.. فقال له الضابط أنت كدا جبت أخرك أنا حاطلع.. إلى أن تقول لي إنني مسلم وأخذ يضرب فيه ويقول له أنا مسلم ولا لأ يا ابن كذا وأخذ التكفيري يصرخ لا كافر وعندما اشتد عليه الضرب أخذ يقول أحد أحد.. والضابط يقول له خليتنا من كفار قريش يا ابن كذا.. واستمر الضرب إلى أن أغمي عليه وأدخله الضابط الزنزانة ورماه على الأرض وقال لنا أنا مش عارف أنتوا عاملين إيه مع ابن كذا كلب ده. وفي رسالته الثانية قال لي صديقي الجهادي إنهم أفرج عنهم إفراجا قضائيا وكان هذا الإفراج يتم فيه الإفراج عنا من السجن لنذهب إلى أحد الأقسام ونستمر في هذا القسم لأسبوع أو اثنين لنعود مرة أخرى.. المهم إننا كنا أربعة- ثلاثة من الجماعة الإسلامية وأنا -وخامسنا كان أحد الشوقيين وتم ترحيلنا من سجن وادي النطرون إلى أحد أقسام محافظة الجيزة وفي الطريق وقف صاحبنا التكفيري الشوقي هذا ينظر إلى النساء ويقول: "سبحان واهب الجمال.. سبحان العاطي أدي النسوان ولا بلاش.. إحنا ما تجوزناش يا جدعان" فقلنا له: "يا شيخ عيب اتقي الله وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" فرد علينا: "خليك في حالك أنت وهو أحسن لكم". رددنا عليه: "حال مين أنت تسيء إلينا" فأجاب: "مين ده وانتوا تحاسبوني ليه" فقلنا له: "طيب ممكن تتفرج وتتحمل وزرك" تعجب وقال: "وزر إيه يا شيخ قول يا رب لا فيه وزر ولا حاجة" باغتناه: "يعني إيه انت كمان حتستعبط " فرد باستغراب: "لا لا استعباط ولا حاجة.. اللي أنتم شايفنهم دول كلهم مش مسلمين وبالتالى فهم مالهم وأعراضهم حل للمسلمين لأنه لم تصدر فيهم أحكام" قلنا: "يعني إيه" أجاب: يعني الفرجة عليهم مش حرام" رددنا عليه: "بس أنت قلت أعراضهم" قال: "أيوه أعراضهم حلال" صحنا فيه: "يا ابن الكلب ايه اللي انته بتقوله" هاجمنا قائلا: "أنتم ولاد كلب وكفرة". وأضاف صديقى فى رسالته: "كنا نعرف الأخبار عن طريق الزيارات وإن كان هناك شيء يخص الجماعة نعلمه أيضا عن طريق الزيارة وفي يوم خرج أحدنا للزيارة وعاد يقول بأنه تقابل مع الشيخ عصام دربالة في الزيارة وكان هذا ونحن في مستشفى طرة وأنه قال له إن الفرق بين الفجر الكاذب والفجر الصادق حوالى 35 دقيقة وأنه وجب على الإخوة صلاة الفجر طبقا للفجر الصادق أو عند ظهور حبات الأرز في اليد.. ونقل الأخ الزائر عن الشيخ دربالة أنهم كمشايخ اعتمدوا هذا الأمر بعد قراءتهم لرسالة في بريد "الأهرام".. إلى هنا وكانت الأمور هادئة وفجأة وكان معنا أربعة عشر من التكفيريين من أصل ست وثلاثين في العنبر من السياسيين والباقي من الجنائيين صاحوا بأعلى أصواتهم: "إيه ده لسه فاكرين.. دا إحنا بنقول الكلام دا من يجي سبع تلاف سنة" إيه يا أسيادنا: "هو الدين بيتاخد من الجرايد يا مشايخ هما مشايخكم بيقودوا غنم شوية صلي الفجر مع الحكومة وشويه لأ" وحكي لي أحدهم بصفتي أحد الصحفيين المعنيين بملف الإسلام السياسي في مصر أنهم وهم في سجن الفيوم انقطعت المياه عن المكان الموجود به السجن فانقطعت المياه عن السجن بأكمله وكانت إدارة السجن تقوم بإعطائهم المياه عن طريق الجراكن وهي كمية من المياه تكفي فقط لأن يشرب من في الزنزانة فقط وتكفي لهم ليحافظوا على حياتهم وكان معهم في الزنزانة أناس من تيارات أخرى مخالفة لفكر الجماعة فالجماعة كانت تطلق على مخالفيها في الفكر من التيارات الأخرى المخالفين وهم أشخاص بالنسبة لفكر الجماعة لا حقوق لهم تساوي حقوق فرد الجماعة على الإطلاق فهم أناس في الدرجات الأدنى وعلى حسب قوة أمير الجماعة فإن كانت الجماعة قوية يعاملهم كالكلاب وهكذا وكان معنا في تلك الزنزانة الكثير من التيارات وكانت الجماعة أقل من ثلث الزنزانة لذلك كان أفرادها يقومون بتقسيم كل ما يأتي للزنزانة بالعدل مع التيارات الأخرى ومع ازدياد مدة انقطاع المياه وعدم الاستحمام كثر القمل في البدل الكتان التي كنا نرتديها فكنا كل يوم في الصباح بعد استيقاظنا نقوم بالوقوف صفين كل منا في ظهر الآخر ونخلع ملابسنا التي نرتديها ونقتل القمل فنحن كنا نعطي ظهورنا لبعضنا حتى لا يري أيا منا الآخر .. وسمي هذا الطابور بطابور القمل والغريب أن هذا الطابور كان في نفس التوقيت الذي أجريت فيه عملية الاغتيال المشهورة بحادثة أديس أبابا التي استهدف فيها المخلوع.. المهم أننا بعد أكثر من شهر يئسنا من تلك الحال ومن كوننا قد قملنا ونحن في السجن.. فلم يكن لدينا علاج ولم يكن لدينا ماء أو طعام أو أي شيء غير بدلة كتان درجة عاشرة تعطيها لنا إدارة السجن وبطانية ميري لكل فرد منا وهكذا إلى أن فتح النقاش مرة واحدة: وبدأ الحوار كالتالى: "أكيد ربنا غضبان علينا".. فرد أحدهم "يا أخي حرام عليك احنا كلنا من حفظة القرآن ومؤمنين وبنصلي" فقال الثانى: "ده القمل الموجود لو نطق كان قال إن إحنا أجرمنا جرما خطيرا والقرآن بيقول وأجرينا عليهم القمل والضفادع دا علامة على غضب ربنا" ورد الآخر "عندك حق الجماعة الإسلامية هي سبب الغضب ده" رد الآخر: "مالك بالجماعة خليك في التكفير اللي بتكفره للناس أنت" تساءل الآخر: "ده أنت حتى مبتعذرش بالجهل".. رد الآخر: "اعذر أزاي وربنا اشهد الناس على ربوبيته".. أجاب: "مش موضوعنا".. رد الآخر: "موضوعنا إن إحنا أزاي نرفع غضب ربنا خلاص نصلي وندعي" قال الآخر : "خلاص تصلوا ورانا واحنا ندعي" تهكم الآخر قائلا: "أنتم خوارج ميجوزش الصلاة وراكم" رد الآخر "وأنت أهل بدعة وكفرة ميجوزش الصلاة وراكم" أجاب: "خلاص حنصلي احنا والجهاد مع بعض" رد الثانى: "لا مينفعش إحنا لينا شروط في الإمامة غير متوفرة في واحد فيكم" أجاب الثانى: " يا إخوانا القمل غضب من ربنا علينا بسبب العمايل دي احنا أتاخدنا بذنبكم وبذنب الناس اللي بتقتلوها بره السجن" رد الثانى: "أنت مالك أنت باللي اتقتلوا ممكن يكون بسبب أنكم مكفرين الناس كلها" هاجمه قائلا: "أنت حمار" رد الثانى: "لا أنت اللي حمار ومش فاهم حاجة". انهى الثانى الحديث وقال: "أنا مش حخش معاك في جدال.. ربنا غضبان علينا واحنا مقملين والقمل مالى كل حاجة هنا لازم نسأل ربنا يرفع غضبه عنا" واقترح أحدهم اقتراحا قائلا: "أقولكم كل جماعة تعمل صلاة تسأل ربها يرفع الغضب عنها وعنا" رد الآخر: "فكرة كويسة". انفجرت المياه بعدها مباشرة من الحنفيات، وتوصلت ليقين أن الله فعلا كان غاضبا علينا.