فى طريق عودته من القاهرة إلى بلدته فى المنزلة بمحافظة الدقهلية.. استقل محقق «فيتو» سيارة ميكروباص، وبعد انطلاق السائق بدقائق لاحظ أن الفتاة التى تجلس بجواره تتحدث فى تليفونها المحمول وتبكى بكاء حارا وهى تقول «أمى تعبانة وانا مسافرة أشوفها».. بعد أن انهت مكالمتها حاول المحقق أن يهدئ من روعها وتجاذب معها أطراف الحديث، وعرف أنها تعمل مرشدة للمباحث منذ فترة وتدعى «شيماء وهذا ليس اسمها الخقيقى .. ازداد الفضول الصحفى لدى المحقق وقرر أن يعرف قصتها، وكيفية تجنيدها وطريقة عملها، وأغرب القضايا التى ساهمت فى كشف غموضها، فكشفت تفاصيل غاية فى الإثارة. سألها المحقق عن حكايتها فقالت: ولدت فى المنزلة قبل 42سنة وسط أسرة متوسطة الحال.. لى من الإخوة 3 بنات وولدان.. منذ صغرى وأنا أحلم بأن أكون ضابط شرطة.. وقتها سخر الجميع منى لأننى اخترت عملا غير مألوف ولا يتناسب مع طبيعة البنت الريفية، ولكننى صممت على تحقيق الحلم.. عندما وصلت الى الصف الخامس الابتدائى تعرض والدى لأزمة حادة ثم حكم عليه بالسجن لمدة 3 أشهر، ومرضت أمى وعجزت عن العمل، وشقيقى الأكبر كان مجندا فى الجيش.. المهم اجتمعت كل الظروف ضدى واضطررت لترك الدراسة، ووقفت على فرش الفاكهة مكان والدى، وفى نفس الوقت أخدم والدتى التى ازداد المرض عليها.. مرت السنوات سريعا ونسيت الدراسة ولكننى لم أنس يوما حلمى القديم. قاطعها المحقق: وكيف انتقلت الى القاهرة؟.. قالت: تعرفت على سائق ميكروباص يعمل فى القاهرة وربطت بيننا قصة حب.. تقدم لخطبتى ولكن أسرتى رفضته بحجة أنه فقير ولن يتمكن من الإنفاق علىَ.. وقفت ضدهم وصممت على الزواج منه وهو ما حدث بالفعل، انتقلت مع زوجى إلى القاهرة وأقمنا فى شقة مستأجرة.. مع الوقت تدهورت أحوالنا المادية وعجز زوجى عن تدبير نفقاتنا فقررت الخروج الى العمل لمساعدته.. قال المحقق: بعيدا عن كل هذه التفاصيل.. كيف عملت مرشدة للمباحث؟.. أجابت: بعد موافقة زوجى.. عملت مرافقة لسيدة مريضة فى المستشفى، وخلال وجودى معها تعرفت على ابن شقيقها ضابط الشرطة.. حدثته عن حلمى القديم وطلبت منه أن يساعدنى فى العمل كمرشدة للمباحث.. أخذ منى بطاقتى الشخصية للكشف علىَ جنائيا.. تخيلت أنه لن يفعل شيئا ولكن بعد أسبوع واحد فوجئت بموافقته على عملى معه وقال إنه يحتاجنى فى مأمورية مهمة.. كدت أن اطير من الفرحة وأسرعت إليه فى قسم شرطة عين شمس، لأحقق حلمى فى العمل الشرطى.. وهناك بدأ يعطينى تعليمات وقواعد العمل وأهمها السرية التامة وعدم كشف شخصيتى مهما حدث، والتصرف بشكل طبيعى جدا وألا أتحدث مع أحد غيره. وفى جوابها على سؤال عن أول مهمة لها قالت: كانت مهمتى الأولى أن أدخل إلى الحجز كمتهمة مع السجينات وأفتح حديثا معهن حول ظروفهن الخاصة، ومحاولة معرفة مدى تورطهن فى القضايا أو شركائهن فيها.. وقبل أن أدخل الحجز تعرضت للسب والإهانة والضرب من الضباط والعساكر، حتى يبدو دخولى السجن طبيعيا.. فى البداية واجهت صعوبات بالغة فى التأقلم على الوضع الجديد، ولكن مع الوقت تعودت على الامر، وساهمت فى كشف الكثير من الحقائق حول قضايا كثيرة من خلال المعلومات التى قدمتها للضباط.. وأطول فترة قضيتها داخل الحجز كانت 01أيام، وأرشدت عن نحو 002 قضية وتقاضيت عن كل واحدة مبالغ تتراوح بين 003، و005 جنيه، بالإضافة، لمصاريفى الشخصية والأكل الذى كانوا يدخلونه السجن لى بحجة أنه زيارة من أسرتى. عاد المحقق يسأل: من المؤكد أنك استمعت لقصص وحكايات غريبة داخل السجن.. فما أشهرها؟. أجابت: داخل السجن عالم آخر ملىء بالمآسى الحزينة.. أذكر منها حكاية فتاة عمرها 22 سنة متهمة فى قضية هيروين.. كانت تعيش فى أسرة ثرية جدا، وكانت مرفهة لأبعد حد، ولكن تغيرت حياتها بعد إفلاس والدها ثم وفاته، وانتقلت لتعيش عند شقيقتها ولكن زوجها لم يحتملها وطردها إلى الشارع.. تعرفت على بعض رفقاء السوء، وأدمنت المخدرات، ثم تزوجت من تاجر هيروين وأجبرها على مشاركته تجارته غير المشروعة، وعندما سقطت فى قبضة الشرطة تخلى عنها. قال المحقق: وهل تعرضت لمواقف إنسانية أثرت فيك؟.. فأجابت: هناك مواقف عديدة أذكرمنها أن إحدى السجينات تعرضت للإجهاض داخل الحجز ولم يحاول أحد مساعدتها من المسئولين، بل إن أمناء الشرطة وبعض العساكر والضباط كانوا يسخرون منها. سأل المحقق: «وهل عملك يقتصر على التواجد داخل السجون فقط؟.. قالت: لا.. فقد عملت مرشدة خارج السجن فى قضايا عديدة سرقة وقتل وغيرها.. ومنها قضية مقتل جواهرجى على يد أحد الأشخاص، وكلما حدد رجال المباحث مكانه كان يهرب قبل القبض عليه.. فذهبت إليه وادعيت أننى يتيمة ولا أهل لى ولا أجد مكانا أنام فيه، فأخذنى فى سيارته وفى الطريق اتصلت برجال الشرطة فحضروا على الفور وألقوا القبض عليه»., قال المحقق: أين كنت أثناء الانفلات الأمنى واقتحام أقسام الشرطة؟.. أجابت: كنت فى عملى وتعرضت مع الضباط والعساكر للموت أكثر من مرة.. المساجين ثاروا واعتدوا على الجميع بالضرب والإهانة، وسرقوا الأسلحة الميرى وقتلوا كثير من رجال الأمن. هدأت السيارة من سرعتها تمهيدا للتوقف فى موقف المنزلة.. وقبل أن يتركها المحقق سألها: هل انت سعيدة بعملك.. فقالت بثقة: طبعا سعيدة به جدا لأننى أجد فيه حلمى الضائع».