السويس.. بلد عظيم وكبير، وسيظل اسمه محفورا في عقول وقلوب المصريين طويلا.. كيف ينسى المصريون أهالي السويس، وما قدموه لمصر على مدار التاريخ، وكيف لهم أن ينسوا ما دفعه السوايسة من حياتهم، دفاعا عن مصر، وقت أزماتها، ولا يمكن أن ننسى كيف احتضن الشعب المصري أهالي السويس، ومعهم أهالي القناة المهجرين بعد هزيمة 67، وكيف اقتسم الجميع لقمة واحدة، دفاعا عن التراب المصري، هؤلاء العظام من أهالي السويس كانوا في مقدمة أبطال ثورة 25 يناير الظافرة، وكانوا أوائل من دفعوا ضريبة الدم في تلك الثورة الطاهرة، عندما كان الناس في مصر يتابعون أخبار ميدان التحرير، بكل لهفة، كانت تكتب على أرض السويس ملحمة بطولية نادرة، سقط فيها كثير من الشهداء، والمصابين معلنين لمصر والعالم أن المصريين قادرون على الوقوف أمام جبروت حسني مبارك، هذا الجبروت الذي قبع فوق رؤوسنا ثلاثين عاما بنظامه الفاسد الفاجر. دماء شهداء السويس ال17 شهيدا، وال300 مصاب في أعناق كل مصري حر، حلم يوما بقدوم الثورة، وسقوط العهد البائد، لذلك لم يكن غريبا في مؤتمر «مصر أولا»، الذي أقيم بدعوة كريمة من الناشط المحترم، المهندس ممدوح حمزة، أن تنتفض الآلاف الموجودة في قاعة الاحتفالات الكبرى، مصفقة في مشهد مهيب، عندما ذكر اسم مدينة السويس بأبطالها، وشهدائها، ومصابيها، وما قدموه لمصر الثورة. اليوم أهالي السويس وشهداؤها، ومصابوها، لا يحتاجون منا فقط إلى التصفيق والهتاف، بل يحتاجون إلى المساندة والمؤازرة، خصوصا بعد تلك المحاكمات الهزيلة لقتلة الشهداء، وإجراءاتها العقيمة التي تجعلك في النهاية في ريبة كبيرة مما يحدث، وأنا هنا لا أقول رأيي فقط، لكن هذا ما صرح به المستشار عادل المغربي، الرئيس السابق لمحاكم القضاء الإداري، تعليقا على محاكمات قتلة الثوار حيث قال بالحرف الواحد: هناك تباطؤ شديد ومريب.. ومن الغريب والطريف أن المحاكمات العسكرية يقف أمامها الثوار، والمحاكمات العادية يقف أمامها حسني مبارك، وأعوانه قتلة الثوار. قلبي مع أهالي هؤلاء الشهداء.. شهداء التحرير أو السويس، ومحافظات مصر في البحيرة والمنصورة وغيرهما من المدن التي سالت على أراضيها دماء غالية، هي دماء ثوار يناير.. قلبي معهم وهم يرون القتلة أمامهم أحرارا يسيرون في الشوارع قابعين على كراسيهم الوظيفية، ويتمتعون بالحرية في الوقت الذي ذهبت فيه دماء أبنائهم هباء. ومما يزيد الطين بلة، ذلك القرار لمحكمة جنايات السويس التي أخلت سبيل قتلة الثوار، وهم 14 ضابطا وفرد أمن متهما بقتل ثوار السويس، ومع أنني، شخصيا، ليس لي دراية بالقانون، أو المحاكمات، فإنني أريد أن أفهم كيف لهذا القرار أن يخرج، وتحت أي صيغة قانونية.. إنه قرار حرق قلوب الناس، ليس في السويس فقط، لكن في مصر كلها.. القتلة خارج الأسوار ينعمون بالحرية، وأهالي الشهداء لم تجف دموعهم على أبنائهم طوال الشهور السابقة. بأي قانون يحدث هذا، حتى لو كان القانون صحيحا في خروج هؤلاء القتلة للحرية، فنحن نأسف على أن هذا القانون يحكمنا.. نحن نريد قانونا يؤمن إيمانا كاملا بالعدل، والحرية، والإنصاف.. على العموم، المحاكمات لم تنته مع أن الرسائل القادمة منها تقول إن المستقبل غير طيب، وإنه من الوارد، والوارد جدا، أن يفلت القتلة من العقاب، لذلك ليس غريبا، أن نجد تلك الاضطرابات التي عمت السويس بعد هذا القرار، ولا بد لنا أن نعذر الناس في ردهم الغاضب على ذلك، واتهاماتهم العالية للجميع، بمساعدة القتلة من الإفلات من حبل المشنقة. لا بد أن نعلن أسفنا لأهالي الشهداء في مصر كلها، من ميدان التحرير مرورا بشهدائنا العظام في السويس، وباقي المحافظات المصرية، وليس معنى أن نعلن الأسف أننا غير قادرين على النضال معهم، بل نحن معهم في كل وقت وكل مكان، ضد من يتخيل أنه قادر على التضحية بدماء هؤلاء الشهداء، سندافع عن دماء شريفة غطت أرض ميدان التحرير، وميادين أخرى في مصر كلها، ولا بد أن يعلم القتلة ومن وراءهم أنهم لن يفلتوا من المحاكمات، ولن يصبح أبدا الثائر بلطجيا، والقاتل ثورجيا!! كما أن الالتفاف حول المحاكمات لن يحدث، وأن الدنيا تغيرت بعد 25 يناير، ومن يعمل على ذلك سيجد نفسه في قبضة الثوار، وأمام محاكمهم، لأن هواء الثورة انتشر معلنا أن الأيام القادمة ستكون رادعة لكل هؤلاء، ومصر لن تكون مثل الأمس، وسيدافع كل في موقعه عن أبطالنا وشهدائنا الأبرار، الذين دفعوا دماءهم ثمنا لحرية الشعب المصري. وستتصدى القوى الوطنية، والكتاب الشرفاء، ووسائل الإعلام المحترمة، لكل أنواع التلاعب بدماء الشهداء، وسنظل رافعين لواء الدفاع عنهم، ولن ننسى تضحياتهم، مهما مر الزمن، فعندما كان يسقط الثوار في ميادين مصر، كانت الأسر المصرية أمام التليفزيونات تشاهدهم وهم يتساقطون دفاعا عنهم، ولم تمتلك هذه الأسر إلا أن تبكيهم في تلك اللحظات، لكنها تمسكت بأنها لن تضيع دماء هؤلاء الأبرار أبدا.. يا شهداء مصر.. يا شهداء السويس.. إحنا آسفين.