كانت الإعلانات العقارية المُضللة صداعا في رأس الحكومة حتى أصدرت قانون حماية المستهلك الجديد.. فهل يردع القانون الجديد شركات النصب العقاري ووسائل الإعلان الباحثة عن الربح؟ ظل «إبراهيم.س» سنوات يستقطع جزءًا من راتبه الشهري حتى جمع مبلغًا لا بأس به، وباع مشغولات زوجته الذهبية، ليوفر جزءًا آخر، واستدان من أحد أقاربه لاستكمال ثمن «شقة العمر»، للهروب من استغلال الإيجار الجديد، وحماية نفسه وأسرته من التنقل المتكرر من شقة إلى أخرى. يتابع بشغف وتأنٍ شديدين إعلانات الشركات العقارية، التي باتت ملء السمع والبصر، تنتشر على الطرق السريعة منها والبطيئة، في قنوات التلفاز، على الإنترنت، يقارن بين أسعارها وفترات السداد، ومواقع كل منها، والفروق بينها. إلى أن استقر على أحدها، وكان ضمن أكثر الشركات سيطرة على سوق الإعلانات العقارية، فاطمأن قلبه، وتعاقد على وحدته السكنية. بعد سنوات من سداد الأقساط، حان موعد استلام «الشقة التمليك»، إلا أنه اكتشف أن كل ما رآه كان «كلام إعلانات»، لكن بعد أن ضاع عليه «شقى عمره»، راح يبحث إلى أن استقر على أحدها، وكان ضمن أكثر الشركات سيطرة على سوق الإعلانات العقارية، فاطمأن قلبه، وتعاقد على وحدته السكنية. بعد سنوات من سداد الأقساط، حان موعد استلام «الشقة التمليك»، إلا أنه اكتشف أن كل ما رآه كان «كلام إعلانات»، لكن بعد أن ضاع عليه «شقى عمره»، راح يبحث هنا وهناك عن طريقة لاسترداد أمواله. «إبراهيم.س» واحد من مئات الآلاف ممن تعرضوا لعمليات نصب عقاري، بسبب الإعلانات المُضللة لشركات العقارات، ما اضطر الدولة إلى إصدار قانون جديد بشأن «حماية المستهلك» من تلك الإعلانات، فهل يحمي القانون المواطنين من شركات النصب العقاري أم تظل الإجراءات الروتينية حائلاً بينها؟ نص القانون أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، القانون رقم 181 لسنة 2018 بشأن «حماية المستهلك»، بعد إقراره من قِبَل مجلس النواب، في سبتمبر الماضي، الذي يُلزم المورد بإعلام المستهلك عن جميع البيانات الخاصة بالمنتج، من حيث الثمن والمصدر وأي بيانات تحددها اللائحة التنفيذية، وإلزام المورد بأن تكون الإعلانات الخاصة بالمنتج باللغة العربية وواضحة. ونصت المادة رقم 15 بالقانون على «يحظر الإعلان عن طرح وحدات عقارية أو الإعلان عن بيع الأراضي المعدة للبناء إلا بعد استيفاء الإجراءات القانونية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون، ولا يجوز أن يتضمن العقد أي شرط بتقاضى البائع أو خلفه نسبة أو رسومًا أو عمولة أو أي تحايل تحت أي مسمى من ثمن تصرف المشترى في الوحدة العقارية، ومقابل هذا التصرف، ويقع باطلا كل شرط يخالف ذلك». 2 مليون جنيه غرامة أكد مصطفى عبد الستار، مدير الشئون القانونية بجهاز حماية المستهلك، أن القانون الجديد لحماية المستهلك ينص على وقف أى إعلان دون ترخيص أو مضلل، والتأكد من تراخيص الأرض المقام عليها المشروع، وثبوت ملكيتها، لضمان حقوق المستهلك، موضحًا أن الغرامة الموقعة على الشركات فى حالة الإعلانات المضللة تبدأ من خمسين ألفًا إلى مليوني جنيه. وأشار مدير الشئون القانونية بجهاز حماية المستهلك، إلى أن القانون يحمى «مالك الوحدة» أيضًا إذا باعت الشركة العقارية وحدته لشخص آخر بفرض غرامة على الشركة تصل إلى 10% من قيمة بيع الوحدة، نظرًا لكونه المالك الوحيد، وأن تقاضى أي أموال من عملاء آخرين يعد باطلا، وفيما يخص تشطبيات الوحدات السكنية «توجد فترة ضمان للتشطبيات تصل إلى عام، وفى حالة مخالفة الشركة المنفذة المواصفات المتفق عليها، فهناك غرامة تصل إلى مليون جنيه، لكن لا توجد فى القانون عقوبات تخص عدم الالتزام بمواعيد التشطيب أو التسليم». الغرامة رادعة.. بشرط أكد محمود العسقلانى، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، أن المادة الخاصة بفرض غرامة تصل لمليوني جنيه على الشركة العقارية، التي تبيع الوهم عبر الإعلانات العقارية المضللة، من الممكن أن تكون رادعة، لكن بشرط واحد، وهو تشكيل لجنة قضائية مشتركة مكونة من 9 قضاة في جهازي حماية المنافسة وحماية المستهلك، للفصل في تلك الإعلانات للبت في مسألة الغرامات الفورية، تحكم وتنفذ الحكم فورًا، وتجبر الشركات على دفع الغرامة، وعلى المتضرر الاستئناف على القرار في المحكمة. وتابع العسقلاني ل«التحرير»: «وذلك لأنه عند الإبلاغ عن إعلان مضلل في الوقت الحالي، يتم إرساله إلى النيابة، ثم المحكمة، ثم صدور حكم ابتدائي، وبعد ذلك استئناف على الحكم، ثم حكم نهائي، وذلك قد يستغرق 5 سنوات أو أكثر، وفي هذا الحالة قد يكون صاحب الشركة العقارية المضللة جمع الأموال وهرب، كما أن قيمة الغرامة بعد مرور السنوات تصبح منخفضة القيمة». مسئولية مشتركة قالت سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك، ونائب رئيس الاتحاد العربي للمستهلك، إن هناك إجراءات لضمان تنفيذ ونجاح هذا القانون، أهمها أن التزام الوسائل الإعلانية المختلفة بالحصول على نسخ من التراخيص القانونية الخاصة بالمشروع، وفي حالة مخالفة ذلك تتعرض الوسيلة للغرامة والتحذير، بجانب محاسبة الشركة العقارية المضللة إعلاناتها. كما طالبت الديب، المواطن الراغب في شراء وحدة سكنية جديدة الاطلاع على كل الأوراق وسندات الملكية، التي تثبت صحة موقف الشركة من عدمه، وعدم الاعتداد بالإعلانات فقط. تشديد العقوبات قال محمد عبد العال، الخبير الحقوقي في تشريعات الإسكان، إننا نحتاج إلى تعديل تشريعي لتشديد العقوبة على الشركات العقارية أو الأفراد التي لا تلتزم بمواعيد التسليم أو نوعية التشطيبات المتفق عليها أو المساحات المتعاقد عليها، مضيفًا أن هذه النوعية من الجرائم لا يعتبرها قانون العقوبات نصبًا، كما أننا في حاجة إلى تشريع خاص يجرم «الإيهام ببيع العقار». وأشار الخبير الحقوقي في تشريعات الإسكان، إلى أن المواطن يواجه مشكلة كبيرة في حالة توجهه إلى الجهات الحكومية، ممثلة في الأحياء وأجهزة المدن والشهر العقاري، للسؤال عن عقود ملكية العقار، أو التراخيص، أو حتى شهادة صلاحية المبنى، كي يطمئن المواطن لعملية الشراء، فيجب تسهيل تلك الإجراءات.