الاعتداء على الأطباء.. مسلسل مستمر، وسيناريو مُكرر داخل مستشفيات الحكومة من حين لآخر تبدأ وقائعه بمشادات لفظية بين المرضى وذويهم من ناحية وبين أعضاء الفريق الطبي (أطباء وممرضين) من ناحية أخرى، تتطور إلى اشتباكات حادة واعتداءات باليد تصل بصاحبها إلى المحاكمة الجنائية والسجن في ظل غياب التأمين الكافي ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة للعلاج والتي يدفع فاتورتها المواطن ويقع الطبيب ضحية لها. الواقعة الجديدة تتكرر للمرة الثانية داخل مستشفى المطرية التعليمي، رغم مطالبات عديدة للنقابة العامة للأطباء بتغليظ عقوبة التعدي على أعضائها، ولكن دون جدوى، وحصول أطباء المطرية في القضية المعروفة إعلاميا ب«أطباء مستشفي المطرية» على حكم قضائي يقضي بمعاقبة 9 أمناء شرطة بالسجن 3 سنوات لكل منهم، ودفع تعويض مدنى مؤقت 10 آلاف وواحد بتهمة التعدي على موظف عام أثناء تأدية عمله، والتعدي على الأطباء بالضرب والقول، ولكن حتى الآن لم تُغلق القضية بعد. واقعة التعدي تتكرر من جديد بمستشفى المطرية بعد مرور عامين على واقعة أطباء مستشفى المطرية فوجئ أعضاء الفريق الطبي هناك قبل يومين بواقعة أخرى جديدة وتعديات لفظية تطورت إلى اشتباكات باليد، ولكنها هذه المرة بينهم وبين ذوي المرضى، في واقعة تتكرر بشكل شبه يومي داخل المستشفيات الحكومية في ظل غياب التأمين الكافي ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية. تفاصيل الواقعة كما يرويها أحد الأطباء المعتدى عليهم داخل المستشفى التعليمي الدكتور أحمد السعيد، طبيب الجراحة العامة بدأت أحداثها أثناء تواجده باستقبال المستشفى مطلع الأسبوع الجاري باستدعائه من قبل طبيب الباطنة للكشف على أحد المرضى المترددين على القسم وكانت حالته تستدعى تدخلا جراحيا عاجلا. اشتباكات حادة هنا فوجئ السعيد بأحد أهالى مريضة أخرى تجبره على الكشف على قريبهم، فرفض الطبيب الجراحة ذلك لأن تخصصه ليس باطنة وقام طبيب الباطنة بالكشف على الحالة وكتب لها على إجراء بعض الفحوصات والتحاليل الطبية اللازمة، ولكنه فوجئ بأهل الحالة يتعدون لفظيًا على طبيبي الجراحة والباطنة تطورت إلى اشتباكات ومشادات حادة بالأيدي بين الطرفين. في ذلك التوقيت توجه السعيد وزميله إلى نقطة الشرطة بالمستشفى وقاما بعمل محضر اعتداء على الأطباء أثناء تأدية عملهم، وانضم للمحضر المدير المناوب للمستشفى وتم تحويلهم للنيابة العامة أمس؛ لسماع أقوالهم في البلاغ وأصرّ الأطباء على استكمال إجراءات التقاضي ورفضوا مطالبات البعض بالتصالح والتنازل عن المحضر وفي انتظار تحويل البلاغ إلى تحديد أقرب جلسة في المحكمة. بدوره توجه محامى النقابة العامة للأطباء محمود إسماعيل مع الأطباء المعتدى عليهم إلى النيابة وبعد توقيع الكشف الطبي على الطبيبين المعتدى عليهما تبين أنهما يعانيان من سحجات بالساعد الأيمن والأيسر والرقبة واستمعت النيابة إلى أقوالهما في البلاغ المقدم منهما وتم إخلاء سبيلهما من سراى النيابة بينما تم التحفظ على المعتدين. روايات من دفتر التعديات لم يكن مستشفى المطرية التعليمي المنشآة الطبية الوحيدة التي شهدت وقائع تعديات على أعضاء الفريق الطبي، بل سبقتها أكثر من واقعة أخرى في غضون شهور قليلة، أبرزها مستشفيات بنها الجامعي والسويس العام وشبين الكوم التعليمي والتي تم الاعتداء فيها على طبيب داخل قسم المخ والأعصاب داخل المستشفى وإصابته باشتباه في ارتجاج بالمخ ونزيف بملتحمة العين وكدمات حول العين. يحكي تفاصيل الواقعة أحد الأطباء بالمستشفى والذي تحفظ على ذكر اسمه وقال إنهم فوجئوا بثلاثة أشخاص من الوافدين على العيادات الخارجية بالمستشفى، يشتبكون مع الطبيب أثناء الكشف الطبي لرغبة أحدهم في إجراء العملية الجراحية الخاصة به قبل الموعد المحدد، وقبل المرضى الآخرين، وتم تحرير محضر بالواقعة عن طريق إدارة المستشفى، وحُجِز المعتدي عليهم 4 أيام على ذمة التحقيق. وفي مستشفى بنها الجامعي حدثت واقعة أخرى شبيهة بسيناريوهات مكررة تعرض خلالها الأطباء بقسم الأشعة للسب والقذف وصولًا للضرب بسبب إجراء الأطباء أشعة عاجلة لطفل مصاب في حادث قبل إحدى المريضات الأخريات، ما أغضب ذويها الذين تعدوا على الأطباء بالقول والضرب باليد، ما تسبب لهم في الإصابة بأجزاء متفرقة من الجسم، وحررت إدارة المستشفى محضرا ضد المعتدين عليهم. دفتر الروايات والتعديات لم يُغلق بعد وما زال الملف مفتوحًا على مصراعيه وتكررت الوقائع في مستشفى السويس العام، وكانت أكثر فجاجة وقسوة هذه المرة، حيث أحضر أهل المريض آلة حادة حين أخبرهم الطبيب في قسم الجراحة العامة بوفاة نجلهم، واعتدوا بالضرب المبرح على الطبيب تسببت في جروح بوجهه وكسر في ذراعه. في سياق متصل نشرت النقابة العامة للأطباء فيديو مصورا عن الخطوات الواجب اتباعها فى حالة الاعتداء على الطبيب أثناء عمله، تبدأ بالبقاء في المستشفى وعدم مغادرته لأي سبب والاتصال الفوري بنقيب أطباء المحافظة التابع لها الطبيب أو أحد أعضاء مجلس النقابة، ثم إرسال شكوى على الخط الساخن المخصص للجنة الشكاوى بالنقابة العامة على رقم 01095111247 عبر واتس آب. سبب الأزمة وحول أسباب تكرار وقائع التعدي على الفريق الطبي بسيناريو متشابه إلى حد كبير يقول الدكتور هشام شيحة، رئيس قطاع الطب العلاجي السابق بوزارة الصحة إن ضعف الإمكانيات وقلة الأسرة ونقص الأدوية في المستشفيات الحكومية السبب الأبرز في الأزمة، حيث أدى غياب كل ذلك إلى وضع المرضى على قوائم الانتظار لشهور طويلة لا يقوى المريض وأهله على تحملها. وتابع" هنا لا يجد المريض أمامه سوى الطبيب ليحمله أزمات وزارة الصحة ومن ثم يقوم بالاشتباك معه والتعدي عليه بالقول والضرب، مطالبا الوزارة بإيجاد حلول عاجلة لأزمات المستشفيات حتى لا يصبح الأطباء عرضة للاعتداءات شبه اليومية، مع ضرورة تفتيش المرضى قبل دخول المستشفيات وزيادة أفراد الأمن على بوابات المنشآت الطبية وتغليظ عقوبة المعتدين على الأطباء أثناء أداء عملهم". لا تنازل ومن جانبه طالب الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الأطباء أعضاء الفريق الطبي في حالة تحرير محضر ضد الجهة المعتدية بأنه يجب أن يكون باسم المنشآة الطبية التي حدثت فيها واقعة الضرب، ويتم تحريره بواسطة مدير المستشفى أو من ينوب عنه «الوكيل أو النائب الإداري» حتى لا يتم توصيف الواقعة بأنها مجرد مشاجرة «خناقة» بين طرفين إذا قام المعتدي بتحرير محضر كيدي ضد الطبيب حتي يكون محضرًا مقابل محضر لإرغام الطبيب على التنازل أو "بهدلته في أقسام الشرطة والنيابة إن رفض التنازل ويتم حفظ البلاغ". وخاطب الطاهر كافة الجهات المعنية بالدولة لتوفير نقاط شرطة في المستشفيات أو على الأقل توفير أفراد أمن إداري لهم صلاحيات ضبطية قضائية مثلاً أو ما شابه، كما قاموا بتوفير عمال نظافة بأعداد كبيرة غالبا ما تكون أكثر من حاجة المكان فالأمن لا بديل عنه، ليتمكن الأطباء من تقديم الخدمة الصحية للمواطنين. العقوبات غائبة الدكتور أحمد شوشة، عضو مجلس نقابة الأطباء ذكر أنه رغم مطالب النقابة العامة بحماية الأطباء وفرض حماية على المستشفيات، فإن الوضع اليوم يسير من سيئ لأسوأ، فما زال التعدي على الفريق الطبي مستمرا، في ظل عدم سن عقوبات رادعة لحماية الأطباء. وطالب شوشة بالتصعيد عبر اتخاذ بعض أعضاء النقابة قرارات بالإضراب، وعدم التفريط في حقوقهم بالتنازل أو السكوت ما يعد أمرا خطيرا ويجب الانتباه له، خاصة أن وقائع التعدي على الأطباء أصبحت تحدث بصورة متكررة.