لم تصدق عينيها، وهي ترى جثة زوجها أمامها ممزقة، وإلى جوارها نجلها الصغير غارق في الدماء، يبكي والدماء تسيل من جسده الواهن، فرصاصات الغدر، التي اغتالت والده، لم ترحمه أيضًا. كريمة عبد الفتاح طه، ربة منزل، التي فقدت زوجها محمد عبد الحليم أبو مسلم "ابن قرية العدوة" التابعة لمركز الفيوم، في الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة بالعريش، تحدثت ل"التحرير" على أن تلك اللحظات التي لا يمكن وصفها. بداية انتقالهم إلى العريش كريمة ذكرت، أنّ زوجها تم تعيينه مدرسًا في مدرسة العريش عام 1988، وظل هناك لمدة 6 سنوات، ثم قرر نقل زوجته للعيش معه، وهناك أنجبا ثلاثة أبناء وبنت خلال ال23 عامًا التي قضاها معًا. وأضافت أنّ أبناء الشهيد هم: إسلام (14 عامًا) طالب بالصف الأول الثانوي، وأحمد (11 عامًا) طالب بالصف الأول الإعدادي، وهند (9 أعوام) طالبة بالصف الرابع الابتدائي، وأدهم (6 أعوام) طالب بالصف الأول الابتدائي، ومع السنوات تدرج زوجها حتى أصبح مديرًا لمدرسة الروضة. وعن اليوم الأليم، تتذكر كريمة كيف كانت اللحظات الأخيرة لها مع زوجها، فقد كان يومًا عاديًا، حيث فطر مع أحد زملائه، ثم ذهبا إلى المسجد قبل إقامة صلاة الجمعة بنصف ساعة، وكانت تستمع إلى الخطبة، لأن منزلهم في مواجهة المسجد، وعقب انتهاء الخطبة قبل الركعة الأولى سمعت إطلاق نار كثيفًا، فخرجت جميع السيدات من منازلهن ليرون ماذا يحدث. وتابعت: "فوجئنا بأشخاص مُلثمين يمسكون بأسلحة آلية في أيديهم، وهددوا السيدات بإطلاق النيران عليهن إذا لم يعدن، فعادت كل زوجة إلى منزلها، وبعدما توقف إطلاق النار هرعت جميع السيدات إلى داخل المسجد، فوجدن جميع الرجال والشباب والأطفال غارقين في الدماء، فبدأت كل زوجة تبحث عن زوجها وأبنائها". وبينما تنهمر الدموع من أعين "كريمة" وتتقطع أنفاسها بسبب انهيارها تقول "لقيت جوزي ميت وغرقان في دمه وجسمه متقطع ودماغه منفجرة، ووقفت مصدومة مابنطقش وماحسيتش بحاجة لحد ما لقيت ابني الصغير أدهم بينادي عليا ويعيط وهو غرقان في دمه ومضروب بطلقات في ظهره وإيده ورجله". رحلة البحث عن ولديها وأشارت كريمة إلى أنها أخذت ابنها المُصاب إلى المنزل، وأخبرت ابنتها أن لا تفتح الباب لأي شخص، ثم عادت إلى المسجد، لتبحث عن ابنيها "إسلام وأحمد" فدخلت المسجد، وبحثت بين الجثث والمصابين، فلم تجدهما، فجلست بجوار زوجها تبكي، ووجدت ابنيها جاءا إليها ويبكيان ويخبرانها أنهما اختبآ في دورة المياه، وبدأت تأتي سيارات الإسعاف، فصعدت وأحضرت نجلها من المنزل، وأدخلته إلى سيارة الإسعاف، ثم حمل الرجال زوجها ووضعوه بجوار القتلى داخل المسجد. إسلام يروي لحظات الهجوم وروى "إسلام" لحظات الهجوم ل"التحرير" قائلًا إنه عندما انتهت الخطبة، وبدأ المصلون يصطفون للصلاة، فوجئوا بأشخاص ملثمين يدخلون المسجد، ويطلقون النيران بشكل عشوائي على المصلين، الذين بدأوا في الهرب، وفي تلك اللحظة اصطحب شقيقه "أحمد"، ودخلا إلى دورة المياه، واختبآ بآخر دورة مياه، وكتم أنفاس شقيقه حتى لا يسمعهما أحد. وأكد إسلام أنّ أحد الإرهابيين دخل إلى دورة المياه، ليرى إذا كان هناك أحد مختبئ بها من عدمه، فدخل إلى أول دورة مياه، وبدآ يشعران بالرعب خوفًا من أن يجدهما، لكنهما كتما أنفاسهما، قبل أن ينادي قائد المجموعة على من كان يبحث في دورة المياه وقال له "تعالى هنا الحمام مافيهوش حد بتعمل إيه عندك، تعالى خلص على اللي صاحيين هنا"، فخرج فورًا. وبيّن، أنه اصطحب أخاه، وخرج من دورة المياه، بعدمّا توقف إطلاق النيران، وسمعا صراخ السيدات، فوجدا أمهما جالسة بجوار جثة أبيهما وتبكي. تفاصيل عودتهم إلى الفيوم شددت أم إسلام، على أنها قررت العودة إلى الفيوم في اللحظة التي وجدت زوجها قتيلًا فيها، فانتقلت هي وأبناؤها مع ابنها المُصاب إلى مستشفى بئر العبد، ثم إلى مستشفى الإسماعيلية، ومنها إلى معهد ناصر، ثم جاء أهل زوجها وحملوا جثة زوجها ودفنوها في القرية، كما أخذوا الأطفال معهم، وبقيت هي برفقة ابنها الصغير في معهد ناصر حتى عادت إلى الفيوم اليوم. "أم إسلام"، قالت إنها توجهت إلى الدكتور جمال سامي، محافظ الفيوم، لتطالبه بنقل أبنائها إلى مدارس بالفيوم، إضافة إلى نقل معاش زوجها لتتمكن من الحصول عليه بالفيوم. قرارات محافظ الفيوم وفيما قرر محافظ الفيوم توفير مسكن مناسب لأسرة الشهيد، كما وجه بالتنسيق بين مسؤولي التضامن الاجتماعي ومسؤولي التأمينات والمعاشات لسرعة إنهاء إجراءات نقل معاش الشهيد من شمال سيناء إلى الفيوم. وأمر المحافظ، بفحص الطلب المقدم من أسرة الشهيد لنقل محل إقامتهم إلى الفيوم.