تشكل مؤسسة الصداقة واحدة من أهم المؤسسات الاجتماعية في حياتنا، وقد تتجاوز مؤسسة الأسرة والعائلة والطبقة الاجتماعية.. يولد المرء وتربطه علاقات وثيقة بوالديه، وينتقل من مرحلة عمرية لآخرى، ويتعلم ويتدرج في مستويات التعليم، أو لا يتعلم، يصبح عالمًا أو مفكرًا أو ممثلاً أو طبيبًا أو سفيرًا أو موسيقيًا أو قاضيًا، أو يغدو عاملاً بسيطًا أو تاجرًا أو سياسيًا إن وجدت السياسة، أو رجل أعمال أو معلم، يدخل في معارك الحياة اليومية ومصاعبها وآمالها وأشواقها، ويمر بتجارب الحب والكراهية والألم والنشوة، والنجاح والفشل، تجارب وراء آخرى، ويتمايز عن الرحم الأسري ويدخل في تجارب الحب وصبواته وعشقه وجروحه، وانكساراته وتجاوزاته عبر تجارب الملل الصعبة، ويتزوج وينجب أو لا ينجب، ويدخل في تمارين الرتابة اليومية، وقد ينفصل عن زوجته، أو يبني علاقات خارج نظام الأسرة هروبًا من هندسة الملل اليومي. كل هذه التجارب والتفاصيل الإنسانية الصاخبة حينًا، والرتيبة في عديد الأحيان، وفي ثناياها تظل "مؤسسة الصداقة الحقيقية" هي البديل لكل المؤسسات الاجتماعية والسياسية والوظيفية، لأنها تغدو بمثابة بوتقة للتطهر من الآثام والضغائن، والكراهية والآلام التي تحملها الحياة أو الذات من صراعاتها ومنافساتها اليومية في مستويات الحياة اليومية المختلفة. تبدو الصداقة مؤسسة البوح الحقيقي والاعتراف بالدنايا من الصديق للصديق، هي الابتسامة الحرة والطليقة من التوازنات والمساومات والصراعات، والنفس الأمارة بالسوء، وهي الضحكات الطالعة من القلب. الصداقة هي العقل المفتوح والآراء الصريحة، هي الهمس بالأسرار وانفتاح السرائر بلا خشية أو خوف، هي الإحساس بالأمن والأمان حيث تتراجع الحسابات في لعبة الحياة، هي الأحضان الدافئة في برودة وصرامة عالم المصالح والنذالة والشرور، والاغتيال المعنوي والاغتياب بدم بارد للآخرين. الصداقة هي الملاذ الآمن، والسكينة وأداة إعادة التوازن والسلام الداخلي في مواجهة الاضطراب والتوتر والعنف والخوف والألم. والصداقة هي الأيدي المفتوحة، والعطاء بلا منًّ أو أذى! هي مستودع الذكريات الجميلة، هي ضحكات الصديق مع أصدقاءه في لحظات الصفو، أو السخرية البريئة أو الذكية إزاء مواقف الحياة الصعبة أو التي تستدعي السخرية.. الصداقة هي الجمال والأخوة الإنسانية والوفاء والصدق، في عالم يزداد صعوبة واضطرابًا وألمًا وعنفًا، وقد يعتريها بعضًا من نثاراته ومخاتلاته، لكن الصداقة الحقيقية والصديق الوفي هو الذي يخرج من أتون الحياة اليومية معبرًا عن القيم الحقيقية والجمال والوفاء. كل هذه الأبعاد لمؤسسة الصداقة، والمحبة والصدق والجمال والذكاء والضحكات الجميلة، تجدها في صديقي العزيز لطفي لبيب المثقف قبل الممثل الموهوب، فائض الموهبة، عندما يكتب تستشعر التقاطاته الذكية ولغته الساخرة "الموهوبة" ها آنذا أكرر مفردة الموهبة مرارًا وتكرارًا لأنها تلاحقك عندما يتسنى له الكتابة الموجزة والرشيقة والمكثفة والدالة، ولا تملك سوى الابتسامة الحرة الطالعة من العقل والقلب معًا! ولا تستطيع أن تملك ذاتك من الإنصات عندما يتحدث وكأنه صيغ من الابتسامات والمرح والذكاء، صحيح قد تحاول خطف الكلمة بالقوة، ولكنك لا تملك سوى الاستسلام في طواعية أسيرًا لحكاء ماهر، لطيف المعشر. نباهة صديقي الجميل لطفي لبيب، تبدو ساطعة وجاذبة، روح لطفي مشرقة بالحياة والمحبة والسخرية الفاتنة، لم لا؟، وهو خريج قسم الاجتماع من كلية الآداب، ثم تخرج من معهد الفنون المسرحية. مزاج فريد تشكل بعصامية وتكوين ثقافي متميز جعله من أكثر الممثلين المصريين ثقافة وذائقة وموهبة لامعة في أصالة، ويمكنك أن تطلق عليه تعبير "صايع مصري" في معناه الجميل، والإيجابي والحامل لمعاني الخبرة في الحياة ومعناها والبشر وتلاويهم ومخاتلاتهم وأكاذيبهم، وأسرارهم، والقدرة على فهم أغوارهم، والعارف بالجمال في دواخلهم، والشرور في تعبيراتهم، والمكر واللؤم، والعمق والسطحية. جواهرجي بشر قادر على تثمين من يراهم، ويضع كل في موضعه ومكانه. عرفته في أوائل الثمانينيات بعد عودته من إقليم النفط، الذي زاده خبرة على خبرات، وحساسية ورهافة من فرط ما رأى! صديق جميل وصادق ومجامل لأصدقائه وكريم لأبعد الحدود مع أصدقائه وزملاءه ممن آذتهم الحياة وغادرتهم الأضواء، ولا يتحدث عن عطائه الذي يقدمه للآخرين بلا منًّ، وإنما في سرية الصديق أو الزميل الوفي لحق الزمالة من أبناء مهنته لاسيما ممن كبروا في العمر ويعانون مصاعب الحياة وآلامها القاسية بروتستانتي المذهب، ولكنه لا يحملُ الروح والأخلاق البروتستانتية في التعامل مع المال الذي يقدمه للآخرين المحتاجين لكن أخلاقه البروتستانتية الجميلة تبدو في تسامحه ومحبته وصداقته. لطفي لبيب أحد صناع الضحكة الجميلة، والبهجة والجمال في حياة المصريين ممثل موهوب موهبة نادرة واستثنائية في خصوصياتها، لا يمكنك أن تقارنه بالممثلين الكبار راسخي الموهبة والخبرة في الكوميديا المصرية، على الرغم من أن بعضهم لا تجود السينما بمثلة كثيرًا، إلا أنه نسيج وحده، أرهفته الثقافة المتميزة عن أقرانه، إلا أن أداءه المشع مختلف رغم أنه لا يأبه كثيرًا بالبطولة في الأعمال السينمائية أو التلفازية الدرامية، أو المسرحية، هو البطل أيًا كان الدور الذي يؤديه طال أم قصر! وتلك آيات الموهبة الذكية المثقفة والروح الجميلة المركبة. شخصية محبة وفاتنة ووهاجة في إطلالتها على الآخرين، يمكنك أن تقول أنه أحد الذي يصوغون هوية الفن في بلاده، وكذلك هو أحد بناة الهوية المصرية المتجددة التي تتشكل من روافد كثيرة على رأسها الثقافة المصرية، والإسلام والمسيحية واليهودية – عندما كان هناك يهود مصريين أو بقاياهم -مثله مثل إسماعيل ياسين، وعبد الفتاح القصري، وشرفنطح، واستيفان روستي، وزينات صدقى وآخرين من الكبار، الذي يمثلون علامات على الموهبة والروح المصرية وهويتها المركبة، لم يمثل غالبهم الأدوار الأولى في السينما، ولكنهم هم أبطالها الكبار لأنهم عبروا عن روحنا، وأسعدونا، ولا يزال شعب مصر يحبهم، ويعتبرهم معبرين وممثلين عنهم. يتناسى المصريون أسماء قادة سياسيين أو قادة لا سياسيين، ورؤساء وزراء، ووزراء، وكتاب وصحفيين كانوا ملء السمع والبصر، وماتوا ولم يعد أحد يستدعيهم في ذاكرته!. أما هؤلاء وغيرهم من الموهوبين الكبار ومنهم صديقي لطفي لبيب يعيشون معنا لأنهم هم المعبرين عنا، ولأننا نحبهم. لطفي العزيز الغالي، نحبك وأسعدتنا، وأرجو إعطائي فرصة للكلام المرة القادمة والنبي! والمسيح الحي يا شيخ ... مرة لله!!.