التبرير الأساسى، الذى يبرّر به الإخوان والجهاديون والتكفيريون جرائمهم البشعة والوحشية، فى حق هذا الشعب، وهمجيتهم الدموية، التى تسىء إلى كل من هو مسلم أو عربى، هو أنهم يفعلون هذا باسم الدين، ومن أجل الدين.. ويا له من تبرير أكثر ما يسىء إليه هو الدين نفسه!! فعندما يقتلون ببشاعة، ويمثّلون بالجثث، ويهددون ويروّعون ويريقون الدماء، ثم يتباهون بما فعلوه، باعتبار أنه باسم الدين ومن أجل الدين، فهم بهذا يرسلون رسالة واحدة، إلى كل من ليس مسلما.. رسالة تقول: «احذر هذا الدين، لأنه دين القتل والترويع والتمثيل بالجثث.. دين القهر والاستبداد والتعذيب الوحشى.. احذره لأنه دين دموى، هو أقرب إلى عبادة الشيطان، منه إلى عبادة رب العزة، الرحمن الرحيم الحكم العدل... هكذا سيصفون ديننا الحنيف.. دين الرحمة والرأفة.. الدين الذى قال رسوله، صلوات الله وسلامه عليه، إنه بُعث من أجله، ليتمّم مكارم الأخلاق.. الدين الذى أرسى رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلّم فيه مبدأ عدم الانتقام، عندما دخل مكة، التى لاقى من كفارها، هو ومن اتبعه، أسوأ معاملة.. الكفار الذين كانوا يعبدون أصناما، والذين عذبوا قومه، وقتلوا منهم مَن قتلوا، وأذلوا منهم من أذلوا، ثم أخرجوا من تبقوا من ديارهم.. دخلها وكان يمكن أن ينتقم من أهلها شر انتقام، دون أن يلومه مخلوق واحد، حتى منهم.. ولكنه، صلوات الله وسلامه عليه، أراد أن يرسى مبدأ، لكل من يأتى من بعده، وأراد أن يلتزم بما أمر به الله سبحانه وتعالى، بأن يكون السبيل إلى الدعوة لدينه عزّ وجلّ هو الحكمة.. والموعظة الحسنة.. ويا له من ترتيب عظيم للأولويات.. الحكمة أتت أولًا، ثم أعقبتها الموعظة الحسنة.. وفى تلك اللحظة فى مكة، كان هناك ترتيب آخر للأولويات.. مبدأ العين بالعين والسن بالسن كان ساريا.. ومبدأ أن الدعوة إلى دين الله أولوية كان أيضا ساريا، ولكن رسول الرحمة اختار الرحمة، ولم يختر العدل والانتقام.. اختار الرحمة، لأنه صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة، ولأنه كان يدرك أن الدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالى هى الأهم والأعلى.. وغفر لهم. غفر لمن أذوه، وضايقوه، وحاولوا قتله. غفر لهم فانبهروا بعفوه.. ودخل الناس فى دين الله أفواجا.. دخلوا بالحكمة والموعظة الحسنة، ولو أن المسلمين الأوائل دخلوا مكة، فقتلوا وسحلوا وعذّبوا، وطافوا طرقاتها بالسيوف والعيون المحمرة والحواجب المعقودة لخاف منهم الناس، ولأطاعوهم، ولأغلقوا عليهم بيوتهم ذعرا، ولكنهم أبدًا لن يدخلوا فى دين الله.. ولا تقل لى إن مكة المهزومة كانت ستدخل فى دين الله بالقوة والجبروت، وإلا لكانت مدن أخرى تعبد النار بعدها، عندما سقطت فى يد التتار، الذين عاثوا فيها فسادًا، ولكنا نحن على دين الفرنسيين، أو الإنجليز، الذين احتلونا سبعين عاما.. فالقوة تصنع خوفا وخشية، كما تصنع أيضا رفضا ومقاومة وغضبا. أما أن تصنع دينا فهذا محال.. ذكّرنى هذا بحديث دار يوما، بينى وبين واحد من أحب وأقرب الأصدقاء إلى قلبى، وهو الدكتور أحمد عارف، المتحدّث الرسمى (فى ما بعد) لحزب الحرية والعدالة، كنت أختلف معه فى إخوانيته، ولكننى أحبه وأحترمه، وأجل فيه سعيه الدؤوب للعلم.. حزنت كثيرا لخبر إلقاء القبض عليه، ولكننى، وهذا ما كنت أختلف معه فيه أيضا، أثق تماما فى عدالة ونزاهة القضاء، وفى أن كل من ارتكب جرما فى حق هذا الشعب سيعقب، وكل من لم يرتكب جرما ستتم تبرئته فى النهاية. تذكّرت هذا وذكرته، لأننى لا أهاجم جماعة الإخوان بلا سبب.. ولا أهاجم كل من ينتمى إليها، ولكننى دوما أقاتل، وسأظل أقاتل، حتى آخر العمر، من أجل هدف واحد.. الحرية.. من أعلاها أيّدته، ومن قهرها هاجمته.. ومن لم يدركها أهملته، ومن مات فى سبيلها أجللته. والدين حرية، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، والله سبحانه وتعالى وحده يجازيه خيرا، أو يعاقبه جحيما.. أما ما يصمون به الإسلام بوحشيتهم فهو الحرام.. الحرام بعينه.