هل استراح ضمير القاضى أحمد مكى بتقديم استقالته احتجاجا على مظاهرات «مذبحة القضاة» المعروفة إعلاميًّا باسم «تطهير القضاء»؟ هل نام بعدها وقلبه مطمئن أنه أدى ما عليه تجاه استقلال القضاء؟ هل أحس أنه حكم بالعدل بين الإخوان والقضاة؟ سيادة القاضى الجليل، لماذا انتظرت كل هذا الوقت؟ ألم يكن من الأفضل أن تقدمها قبل ذلك؟ لماذا لم تهدد بتقديمها قبل موعد المظاهرات، لعلها كانت تردع من دعا إليها، أو توقفها أو تدفع البعض إلى عدم المشاركة فيها؟ هل كنت تنتظر أن تأتى المظاهرات بثمارها وبعدها تقدم استقالتك غاسلا يديك وتاريخك من عار قانون السلطة القضائية الذى كانت وما زالت جماعة الإخوان تنوى إصداره؟ هل كنت تعرف بهذا القانون وسكتَّ ولم تنطق بكلمة واحدة عنه حتى تتيح للإخوان تكملة «الطبخة الفاسدة»، أم أنك فوجئت مثل باقى المواطنين العاديين بالقانون وأنه تم من وراء ظهرك؟ إن كنت تدرى فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدرى فالمصيبة أعظم، سيادة القاضى الجليل، لقد صمتَّ طويلا على الإهانات المتكررة التى لحقت بالقضاة، بل وشاركت فى إهدار استقلالهم عندما لم يطرف لك جفن خلال محاصرة الإخوان (متخفين فى جماعة «حازمون») للمحكمة الدستورية، ومنع قضاتها من إصدار أى أحكام حتى إقرار الدستور الإخوانى. لم يوجعك ضميرك المهنى والإنسانى عندما تم الكيد بليل للمحكمة الدستورية، وتفصيل نص فى الدستور لإبعاد القاضية الجليلة تهانى الجبالى من موقعها، فى إشارة واضحة من الجماعة بأنهم «قادرون على إبعاد كل من ليس معنا ويتصدى لوقف مخططاتنا»، لقد اعترفتَ فى حوارات صحفية وتلفزيونية بأن الطريقة التى أبعد بها النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود من منصبه غير قانونية، وأنها تمَّت دون مشاورتك، ومع ذلك قبلت الاستمرار فى الوزارة، بل إنك دافعت عن النائب العام المستشار طلعت عبد الله الذى اختاره الرئيس مرسى بعد ارتكابه أسوأ ما يمكن أن يفعله نائب عامّ مستقلّ، وهو محاولة التدخل فى سير التحقيقات وتوجيهها لصالح النظام الحالى، وهو الأمر الذى كشفَته مذكرة المستشار مصطفى خاطر محامى عامّ نيابات شرق القاهرة، عندما ذكر أن النائب العام طلب منه حبس المتهمين الذين يحقق معهم بتهمة محاولة اقتحام قصر الاتحادية، وأن هناك مؤامرة اشتركوا فيها، وهو الأمر الذى رفضه المستشار مصطفى عندما اكتشف أن المتهمين أبرياء وأنه تم القبض عليهم بواسطة أعضاء جماعة الإخوان وتعذيبهم لإجبارهم على الاعتراف بالمؤامرة المزعومة، سيادة القاضى الجليل، من المؤكد أنك سمعت بواقعة التعذيب، ولكنك لم تتحرك من أجل التحقيق فيها، ولم تقدم استقالتك احتجاجا عليها رغم أنك فى عصر النظام السابق كنت واحدا من أكبر المدافعين عن حقوق الإنسان والمناهضين للتعذيب. كل هذا يا سيادة القاضى المحترم لم يدفعك إلى الاستقالة، فما الذى شجعك هذه المرة؟ هل أحسست بالخوف عندما شاهدت المظاهرات ولم تكن تتوقع أن تصل إلى هذه الدرجة من الغلظة والخشونة فى اتهام القضاة الأفاضل بالفساد؟ هل تريد أن تهرب من عار سيلاحقك طوال التاريخ إذا صدر قانون مذبحة القضاة فى عهدك، وتقول إنك قدمت استقالتك احتجاجا عليه فتكون بطلا بدلا من أن تكون قاتلا؟ لكن التأريخ سيذكر أيضا أنك تركت الإخوان يعبثون باستقلال القضاء، وشاركت فى ذلك، ولو بالصمت. سيادة القاضى الجليل، الاستقالة وحدها لا تكفى، وعليك أن تقول لنا كيف تُدار مصر وقد كنتَ قريبا من السلطة الحاكمة الآن. اذكر لنا كيف تصدر القوانين فى مصر ومَن وراءها، الرئيس محمد مرسى أم مكتب الإرشاد. قل لنا مَن الرئيس الفعلى لمصر، مَن يحكم ومَن يدير، اكشف مَن وراء قوانين المظاهرات والمعلومات والسلطة القضائية وغيرها من القوانين المَعيبة التى تكبِّل الحريات؟ تَذكَّر يا سيادة القاضى المبادئ التى ناديتَ بها قبل ثورة يناير واستيزارك حول الحريات وحقوق الإنسان واستقلال القضاء، وحاول أن تطبقها الآن. هل تظن يا سيادة القاضى أنك باستقالتك قمت بواجبك وأن الناس ستصفق لك إعجابا بشجاعتك؟ لقد أديت دورك ببراعة لصالح الرئيس وجماعته، وعليك إذا أردت أن تغسل كل ما فعلته خلال توليك الوزارة أن تعود لتقف مع القضاة فى معارضتهم لأى قانون يُهدِر حريتهم، فهل نراك على منصة نادى القضاة وفى المظاهرات تهتف ضد الاستبداد؟ لو فعلتها سنصدق أن استقالتك حقيقية، وأنك عدت القاضى الجليل أحمد مكى.