على مرمى رصاصة بندقية خمسة من قريتنا. تزهو البنادق، معلقة على الأكتاف كالنيشان، ليست ببعيدة عن جبال الأحجار الصلبة، تلك القرى. التى تُسمعنا كل ليلة أصوات الطلقات، نحن نسترق السمع، نعرف ساعتها نوع المقذوف والبندقية، ألمانى 56 مظلات، رجل غراب، دبشك خشب. مقذوف خارق. حارق. كاشف، تجمعنا الحكايات، بسطاء يهدنا القهر والتعب، لا يخاف منا أحد، بالكاد نرى الأسلحة فى أفراح القرية القليلة. الأيام تخطو نحو وقع الأحذية الثقيلة، نختبئ من البرد. أحيانا. ومرات نحرق قش شوارعنا، ليخاف اللصوص. ذئاب الجبال. لأن العمدة باهت. وجاء بالتعيين من وزير الداخلية، يهتز حين سماع رنين الهاتف، يأتيه الصوت بالأمر، أحضر لنا 6 بنادق آلية، ولأننا سلمنا منذ أيام قليلة 4 بنادق. على مضض نذهب إلى مندرة العمدة، نلتقى، يهزنا الصمت، من سيرفض سيكون معتقلا، هذه أوامر عليا، نسمع الكلمات من العمدة، نرفض التسليم.. وليكن ما سيكون، يتصل بالخطير، صاحب نفوذ وحضور مؤقت، فى مركز الشرطة. ينفق على ضباط الشرطة الكثير، وفى عملية هزلية، تأتى سيارة الشرطة، ضابط. ومخبر وعسكر، يطاردون أطفال القرية، من مقاهى الجريد، يذهب بعضنا إلى الخطير، يهاتف المخبر، يخرج الصبية فى آخر الليل، يدس مئات الجنيهات فى جيب المخبر، بعد غسل يديه من العشاء. نبدى صمتنا، لن نسلم أى بندقية، البنادق معروف طريقها للجميع، فليذهبوا ويأتوا بها إن كانوا يستطيعون. أقسم العمدة أنه سيربى القرية، يخرج الكشف، فى جيب الخفير متجها إلى المركز، يقتحمنا الليل، ننام بنصف يقظة. نداعب أطفالنا. نهش غضبنا المكتوم، تلوكنا الأسئلة، لماذا يفرضون علينا التسليم؟ الوضع يشى بالكثير، الأولاد ذهبوا إلى بيت جدهم، أنا خلف الباب، أسمع الطرقات القاسية، وأصوات المخبرين. أغفو أصحو. أنظر من ثقب الباب إلى الشارع الضيق، يقتلنى الأرق، أستلقى تحت جلد النمر، أشعر بالدفء يغزو قدمَىّ، أستهزئ من كل الذين يرغبون فى التسليم، أسأل نفسى لماذا يتم هذا العمل بكل هذا الضمير؟ لأن باب الخشب رقيق كحالنا ينكسر قبل أن تصل إليه قدم الجندى، يقفز على بطانيتى عشرات الجنود، يكسرون كل شىء، صعدتُ السيارة، انظر حولى فى الوجوه لأسمع الشتائم من أهل بلدى، ماذا فعلتَ بنا؟ كنا نسلم كل مرة، منك لله، أأقول أخطأت؟ تمضى السيارة عكس اتجاه المدينة، إلى نقطة صغيرة، بجوار الجبل، كل القرى سعيدة سلمت البنادق، أما نحن فيتم عرضنا فى صفين، أما السيد الباشا رئيس فرع البحث الجنائى، الذى بدأ يلعن القرى وأهلها، أنتم حريم، فيخرج جوابات الاعتقال، التهمة خارجون عن القانون، ينهار الرجال، يأمرنا بالخروج، لنبدأ الفصل الأخير، الفلكة، أسلاك الكهرباء العارية عندما تمس الجسد، نهتز، نلتقط الأنفاس، نقاوم، صوت الصفعات، الطلقات التى تحاصرنا نسمعها من مكان قريب، لماذا لا يذهبون لإحضارها، أمرونا بالنوم على وجوهنا، مروا على أجسادنا بأحذيتهم، اللص، والقواد، والعسكرى، والمأمور، والعمدة، وأخيرا جاء الخطير... ينظرون ألينا بشماتة المنتصرين.. لن نسلم أى بندقية، يشتد الغضب، يصرخ المأمور فى الضابط النوبتجى، هاتوا لى الحريم، نسمعها، نصرخ فى صوت واحد، أهلنا فى الزانزنة الكبيرة. باعوا كل شىء، الماشية، الدقيق. وعند التسليم وعلى باب وكيل النيابة، خرج الجميع إلا أنا مكبلًا بأغلال الحكم، يمسك المخبر البندقية، والمحضر أمام الوكيل، هل هذه بندقيتك؟ أرفض التسليم، ينهرنى بعنف. أبصم فى آخر الورقة، يتم الإفراج بعد تسليم بندقية واحدة، نسمع كل ليلة تزغرد البنادق الخمس، بعد أن دفعنا ثمنها، مع تاجر الداخلية، تنتظر مرة أخرى التسليم.