كتب - أحمد نبيل الحظ لم يكتب له أن يكون عمدة كفر البلاص، لكنه ظل منافسًا لذلك الذي باع محصول القطن ورحل إلى المدينة، فاستقبله الفاسدون ورافقوه حتى أفلس، واضطر للعودة مرة أخرى إلى قريته.. صحيح لم يجسد دور كشكش بك، الذي قدمه العملاق نجيب الريحاني، إلا أنه اختار الشكل الذي فضل الظهور به. معروف أن نهايته -ولم تكن بيده- مأساوية، ظل فيها وحيدًا يصارع المرض، لكنه عرف وصفة مكنته الخلود بقلب وعقل المشاهد، واختار اسمه وشخصيته بنفسه لنفسه، فلا نقدمه باسم لم نألفه "محمد كمال المصري"، بل كما عرفه الجمهور.. لنحكي عن «شرفنطح»، الرجل الضئيل، المكار، البخيل، صاحب الصوت المميز، الذي تمر اليوم ذكرى ميلاده. ظل منافسًا شرسًا للريحاني، داخل وخارج الكواليس، ونتذكر جميعًا "خناقة" نجيب (سلامة الفراش) وجاره محمد كمال المصري شرفنطح (بيومي أفندي مرجان المعلم)، في فيلم "سلامة في خير" إنتاج 1937، ولا يعني هذا أن نعتبره مجرد كومبارس قدم الأدوار الثانوية مع عدد من الفرق المسرحية، فكيف ننسى زوج ضريبة هانم (شملول أفندي)، الذي غير حياة شحاتة أفندي من موظف بسيط إلى رجل ثري، عن طريق ورقة الياناصيب فئة “النص ريال”.. ألم يكن هو الأولى بها! شرفنطح، هو الاسم الذي اختاره الفنان الراحل محمد كمال المصري ليقدم به نفسه في السينما، حيث اشتهر في أفلامه بشخصية الرجل الضئيل المكار البخيل صاحب الصوت المميز، حتى أصبح أحد أعلام الكوميديا وصاحب مدرسة قائمة بذاتها في فن التمثيل، ولكن الغريب أنه كان منافسا شرسا للعملاق نجيب الريحاني. وعلى الرغم من أن محمد كمال اشتهر بأدوار الكومبارس إلا أنه من الشخصيات التي لا يمكن أن ينساها المشاهدون، خاصة في فيلم “أبو حلموس”، حيث قام بدور صغير ولكنه محوري غير حياة “شحاتة أفندي” -الذي قام بدوره العملاق نجيب الريحاني- من موظف بسيط إلى رجل ثري عن طريق ورقة الياناصيب فئة “النص ريال”. محمد كمال المصري ولد في 11 أغسطس عام 1886، في حارة متفرعة من شارع محمد علي، اسمها حارة ألماس، وكان والده من أساتذة الأزهر، وكان يتمنى لو رأى ابنه طبيبًا فألحقه بمدرسة الحلمية الأميرية، وكانت أول فرقة بالمدارس وقتذاك، هي فرقة التمثيل بمدرسة الحلمية، واختير ضمن أعضاء الفريق وفي إحدى حفلاتها قام بدور ماسح الأحذية الذي يدافع عن مهنته ويتفاخر بها أمام الطلبة. وبدأت مواهبه الفنية تظهر وأتقن التمثيل إلى حد أن انتزع التصفيق من جمهور الحفلة، فشجعته ضحكاتهم على أن يهجر المدرسة. أحب "شرفنطح" التمثيل بعد أحد العروض التي قدمها على مسرح الهواة، فصفق له الجمهور وأطلق عليه “سلامة حجازي الصغير”، ومع بداية احترافه كان منافسًا كبيرًا للريحاني، واجتذبته أضواء السينما فظهر في عدد من أفلام الكوميديا بملامح شخصية متقاربة، فهو العجوز الداهية واسع الحيلة، المتآمر الشرير الذي أحبه الجمهور. ولكن الفنان عانى في سنواته الأخيرة من المرض والفقر وجحود البشر ومع الشيخوخة تفاقمت حالته فعجز عن المقاومة واستسلم للأقدار التي أرادت له أن يعتزل الفن بعد أن عاش فقيرا. وعلى رغم من أنه كان ملكا للضحك، إلا أن نهايته كانت مأساوية، حيث عاش سنواته الأخيرة بمعاش النقابة عشرة جنيهات لا تكفي لشراء الدواء وعلى صدقات جيرانه وكلهم من الناس الغلابة في الحارة التي كان يسكنها، ولم يعرف أحد بموته عام 1966، إلا بعد أيام من رحيله، إذ كان يقيم في حجرة صغيرة في إحدى حواري باب الخلق، وعندما جاء مندوب النقابة ليعطيه العشرة جنيهات، قال له الجيران: البقية في حياتك الأستاذ مات. وتقدم «التحرير» في ذكرى ميلاد الشرير الذي «يموتك من الضحك»، تقرير قديم نشر في جريدة المصور، وإليكم التقرير: بيومى مرجان في فيلم سلامة في خير، عم عمر الألفي في فيلم سى عمر ، الأستاذ فصيح في فيلم فاطمة، شرفنطح فى فيلم كله إلا كده، مرقص فى فيلم حسن ومرقص وكوهين، كلها شخصيات من زمن الفن الجميل أسعدتنا وأضحكتنا ، قام بعزفها على شاشة السينما الرائع محمد كمال المصرى، الشهير ب شرفنطح. عام 1951 كانت البداية لنهاية شرفنطح المحزنة، حيث هاجمه مرض الربو وتحالف مع الفقر والشيخوخة ضد جسده الهزيل، وهجره الأصحاب والزملاء والمخرجين، فترك منزله فى شارع محمد على، واتجه وزوجته إلى حارة "حلوات" بالقلعة، وهناك نزل ضيفًا فى بيت صهره. وعن مأساته قال شرفنطح.. "أنا كما ترون، وحيد متعطل، مريض بالربو، مثقل بالشيخوخة، ولم يعد لدى مال.. أنفقت ما أملك على الدواء، وليته أجدانى، فإن الربو لم يبرح مكانه صدرى.. إن الربو عنيد لا يتزحزح، لقد أقعدنى وأعجزنى عن العمل، وقال لى الأطباء إننى سأموت إذا غامرت بالعمل والربو فى صدرى، ليس لى أسرة كبيرة، فإن زوجتى وحدها هى أسرتى التى ترعانى، وتقوم بتمريضى، وتسهر على راحتى". لم ينجب محمد كمال المصرى أولادًا، وعن السبب قال "لقد عشت حياتى معذبا مثقلا بالهموم والمتاعب، فلم أجد معنى لأن أقدم بيدى ضحايا جديدة للحياة.. لم أشأ أن أقذف بنفوس جديدة فى بحر الحياة، تعانى مثلى الهموم والأحزان"، وقال بيت الشعر الشهير ل أبى العلاء المعرى: هذا جناة أبى على.. وما جنيت على أحد".