تنفست الصعداء بعدما أصبح هانى شاكر واجهة الموسيقيين المصريين واعتلى كرسى النقيب، تابعنا فى آخر عامين تدنيًا فى استخدام كل الأسلحة اللفظية والحركية فى الصراع بين الخصمين اللدودين إيمان البحر درويش ومصطفى كامل. وجاء هانى كطوق نجاة للجميع ناهيك بأنه صاحب تاريخ حافل بالنجاح، فهو لم يُضبط أبدًا متلبسا بالتورط فى صراع أو باستخدام لفظ جارح مهما اشتدت الخصومة، إلا أن البعض بمجرد انتخابه أراد أن يورطه فى الدخول إلى حلبة صراع مباشر مع أغانى «المهرجانات». من حق هانى كفنان أن يرفضها، بل ويهاجمها ولكن ليس دوره بعد أن أصبح نقيبًا أن يثير سلطات الرقابة ضدها لمصادرتها، هناك بالفعل من يشاطرون هانى الرأى ويرفضونها وهم بالملايين، ولكن أيضًا على المقابل لها معجبون ومريدون يقدرون بالملايين، فهى معركة خاسرة وغير متكافئة، لأن هذه الأغانى ستجد فى كل الأحوال طريقها للناس، ما الخطورة حقيقة فى أن قطاعا من الشارع المصرى بات يردد فى حفلاته وأفراحه تلك الأغنيات؟ العديد من الأفلام التسجيلية رصد هذه الظاهرة وقدم جانبا من حياة نجومها، بل والأفلام الروائية مثل «ميكروفون» مثلا لأحمد عبد الله الذى أخرجه عام 2010، وإن كانوا ينتمون أكثر إلى ما يعرف بموسيقى «الهيب هوب»، وفيلم «8%» 2013 الذى لعب بطولته أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا، كان فيلما رديئا بالمناسبة ليس بسبب أغانى المهرجانات، ولكن لضعف الرؤية السينمائية، كما أن العديد من هذه الأغنيات صار تميمة النجاح فى الأفلام الروائية. تُشكل هذه الأغنيات فنا موازيا له تنويعات فى مختلف دول العالم ينطلق خارج الصندوق الشائع، نوع من الاحتجاج على السائد، محاولة للبحث عن نغمة أكثر بساطة، تُستخدم فيها عادة التكنولوجيا فى الهندسة الصوتية كل ما هو متاح ولا تلتزم بشىء، فهى تُغنى كل شىء «أروح عند النجار أحلق شعرى بمنشار»، أو «أديك فى الجركن تركن» بعضها حاول محاكاة أغنيات «الراى» فى الجزائر، والراى بالمناسبة تعنى الرأى، لم يحدث فى أى حقبة زمنية أن اختفت هذه الأغانى من الحياة الفنية وإن تعددت المسميات، بين من يصفها بالشعبية أو ينعتها بالسوقية، فى الماضى كانوا يتبادلونها خارج الإذاعة الرسمية وكانت متوفرة على الأسطوانة وبعدها شريط الكاسيت، الإذاعة مثلا اعتبرت فى مطلع السبعينيات «السح الدح إمبوه» و«العتبة جزاز» والطشت قلّى» وغيرها أغانٍ قبيحة، بل وأبيحة محظور تداولها، ولكن مع الزمن صار من الممكن أن تستمع إلى كل هذه الأغنيات فى إذاعة رسمية تابعة لماسبيرو، وهى «شعبيات»، وأضيف لها عشرات من الأغانى الأخرى مثل «سلامتها أم حسن»، «وطلعت فوق السطوح أنده على طيرى»، لا أحد يستطيع أن يحدد بالضبط المعيار الأخلاقى الذى بمقتضاه يُوافَق على هذا ويمنع ذاك، فالموسيقار محمد عبد الوهاب لحّن لمحمود شكوكو فى الثلاثينيات «يا جارحة القلب بقزازة/ لماذا الظلم ده لماذا» كما غنى بصوته «فيك عشرة كوتشينة فى البلكونة/ لاعبنى عشرة إنما برهان» الكلمات فى معناها المباشر تدعو للقمار الذى تحرمه كل الأديان وتجرمه القوانين الوضعية، ورغم ذلك فلقد تعاملنا معها باعتبارها نكتة لا أكثر. أتذكر جيدًا أن المطرب على حميدة هوجم بضراوة بسبب أغنية «لولاكى» التى كسرت الدنيا فى نهاية الثمانينيات ومن فرط نجاحها صارت عنوانا لفيلم لعب حميدة بطولته وأخرجه حسن الصيفى، الغريب أن الذى دافع عن «لولاكى» هو هانى شاكر، بل وقال كنت أتمنى غناءها وتلك حكاية أخرى!