هل سيتغير موقع كارلا برونى، بعد أن انتزع منها لقب سيدة فرنسا الأولى لصالح فاليرى هولاند، زوجة الرئيس الفرنسى الجديد؟! أتصور أن المكانة التى حظيت بها كانت تستند إلى حضورها الشخصى والفنى، وليس لأنها زوجة رجل كان مهما، فلقد كانت هى أيضا فى نفس الوقت امرأة مهمة.. كنت أتابع مشوار كارلا برونى ساركوزى الإيطالية الجنسية.. إنها المانيكان عارضة الأزياء التى حققت فى هذا المجال مكانة خاصة، حيث إنها صُنفت قبل اعتزالها بين أفضل 20 عارضة أزياء فى العالم ومارست بعد ذلك الغناء ثم التمثيل.. لها فيلم مع المخرج الشهير وودى آلان، ومن أشهر أشرطتها الغنائية «وكأن شيئًا لم يكن»، وزعته على أعضاء الحكومة فى أحد الاجتماعات التى يرأسها زوجها.. الشريط احتل قبل أربع سنوات قائمة أعلى أرقام المبيعات فى فرنسا، وبالطبع ينبغى أن تصدق هذه الأرقام.. وكان بين الأغنيات واحدة يقول مطلعها «أنت مخدرى أشد فتكا من الأفيون الأفغانى وأخطر من الكوكايين الكولومبى»!!
أحدثت الأغنية رد فعل سياسيا وأسفر ذلك عن خلاف حاد بين فرنسا وكولومبيا، حيث اعتبرتها كولومبيا تحمل تعريضا بها.. ولا أدرى لماذا لم تغضب أفغانستان، أم أنها اعتبرت الأغنية نوعا من الترويج للأفيون، فهو أكثر المحاصيل التى تدر الملايين على أصحاب الأراضى الزراعية.. ولكن بعيدا عن الأزمة الدبلوماسية الطارئة بين كولومبيا وفرنسا، فإننى تذكرت على الفور أغانينا الهابطة، أقصد التى دأبنا على وصفها بالتردى وإفساد الذوق العام مثل «السح الدح امبوه»، و«تيجى نيجى»، و«الطشت قاللى»، وغيرها، فمهما اشتطت هذه الأغنيات فى تعبيراتها، فإنها تظل فى منطقة بعيدة تماما عن استخدام مفردات مثل الأفيون والكوكايين؟!
ليس هذا فقط هو الذى استوقفنى فى شريط «كارلا»، الأهم هو رقم التوزيع.. وبالتأكيد لم يجامل الشعب الفرنسى زوجة رئيسهم بشراء الشريط، ولم تمتدحها الصحافة الفنية على اعتبار أنها زوجة الرئيس، ولم يسارع مجلس الوزراء بإصدار قرار ملزم بضرورة أن يبدأ اجتماعهم بالاستماع إلى أغنية «أنت مخدرى».. ولم تُطالب المجالس النيابية بتغيير موسيقى النشيد الوطنى الفرنسى «المارسيليز» ليصبح «أنت مخدرى».. الواقع أن فى مثل هذه المجتمعات التى وصلت إلى أعلى المراتب فى ممارسة الديمقراطية لا خوف على مواطنيها ولا هم يحزنون، لو مارس أبناء وأقارب الرئيس كل الأنشطة الغنائية والاقتصادية والرياضية والسياسية، لأن المجتمع قادر على التصدى وضبط إيقاع الحياة فى أى لحظة يرى فيها جنوحا ومغالاة.
ما فعلناه فى بلدنا هو أن السيدة الأولى سابقا كانت تتعامل باعتبارها ملكة متوجة والكل يخضع لها.. عندما تتحرك يصاحبها وفد مثل الرئيس يضم كبار المسؤولين.. كانت تتطلع للحصول على تقدير عالمى، جائزة «نوبل» مثلا، لتقنع نفسها وتصدر للناس هذه الكذبة بأن هذه المكانة التى حققتها فى مصر بمجهودها الخاص وليس لكونها زوجة الرئيس، وهكذا كانت تُقدم على مشروعات ثقافية مثل «القراءة للجميع»، ليس بغرض أن تصبح للجميع، ولكن لكى تلفت أنظار العالم إلى نشاطها، وقبل نحو خمس سنوات أقنعها البعض بأن تتحول إلى مذيعة تليفزيون تروى حكايات للأطفال، وبالتأكيد هناك من أوعز إليها بأن أطفال مصر والعالم العربى لا يحلمون إلا بماما سوزان، وأدى هذا البرنامج إلى زيادة مساحة النفور الجماهيرى لها، أطفالا وشيوخا.
كل شىء كان يوضع داخله لقب السيدة الأولى، فهى تفتتح معرضا أو مسرحا أو مؤتمرا، ونتابع كيف أن كل الرؤوس انحنت، وكل العيون تطلعت للرضا السامى، وكان على رأس هؤلاء فاروق حسنى الذى صار الآن يدعى أنه كان معارضا شرسا ضد التوريث، وأنه فى السنوات الخمس الأخيرة لم يكن يحظى برضا الهانم؟!
سوزان بعيدا عن الظرف الحالى الذى تعيشه، فهى لم تكن لها مكانة تستند إليها سوى كونها زوجة رئيس الجمهورية.
كارلا برونى أحبَّ أغانيها بعض الفرنسيين وكرهها بعضهم ولكنها لم تستند إلى سلطة، ولهذا ستظل لها مكانة فى القلوب.. أما سوزان حتى لو بعد عنها شبح السجن، فلقد تلاشت سريعا من ذاكرة الناس.. كان لديها مكان على خريطة الحكم فى مصر ولكنها لم تصنع مكانة فى قلوب الناس، بينما كارلا غادرت مكان السيدة الأولى واحتفظت بمكانتها فى القلوب