كلما حققت أى شخصية عامة قدرا من الذيوع الطبيعى والنجاح والتألق، أصبحت هذه الشخصية مرصودة وشبه مراقبة. وهناك من يستيقظ كل صباح ليتلصص عليها، وبالطبع فإن محررى الصحف والمجلات يحولون كل شهيق أو زفير إلى خبر، وبالتأكيد ستكون هناك إضافات لزوم التفخيم والتضخيم فى الخبر، سلبا أو إيجابا، ولذلك هناك من يتوارى ريبة من هذا الذيوع الذى يجلب الصداع لصاحبه، ولكن هذا التوارى يعنى فى بعض الأحيان أن يكفّ الكاتب أو الفنان أو السياسى أو لاعب الكرة عن العمل، وعن ممارسة حياته الاجتماعية بشكل طبيعى. وهذا يعنى أن أى سلوك بسيط لذلك النجم الفنى أو السياسيى أو الرياضى أو الأدبى، يتحول إلى قصة متشعبة وذات أزقة وتفريعات غير عادية، والشواهد كثيرة جدا فى تاريخنا الثقافى والفنى والسياسى، وأتذكر مثلا أن علِى ومصطفى أمين حوّلا أنفاس الزعيم الوفدى مصطفى النحاس إلى كتاب كامل عام 1951، واختارا لهذا الكتاب عنوانا مثيرا وهو «هكذا تحكم مصر»، ولعب الكتاب دورا سيئا فى المعركة التى كانت دائرة بين الملك ورعاياه من أحزاب أقلية، وبين حزب الوفد الذى يقوده النحاس، واستثمر علِى أمين كل تحركات الزعيم العادية والبسيطة، ورصدها وحوّلها -فى الكتاب- إلى كوارث، حتى إنه راح يسجّل كل نأمة تصدر عن زوجته السيدة زينب الوكيل، وكانت حربا غير أخلاقية على الإطلاق. مصطفى أمين الذى هندس فكرة هذا الكتاب لحساب الملك فاروق وحاشيته، هو أول من انقلب على الملك نفسه، بعد إزاحته والإطاحة به وإخراجه من البلاد، وتأكد أمين تماما أن عصرا جديدا قد بدأ، فراح يكتب حلقات صحفية مسلسلة تحت عنوان «ليالى فاروق»، استثمر فيها كل ما كان يأتى به فاروق من أحداث صغيرة، لتتحول على يد مصطفى أمين إلى مصائب وخيانات وعربدة وعُهر، ونفخ أمين من خياله فى كل الأحداث الصغيرة لكى تتضخم بدرجات أسطورية. وما حدث للنجمة فاتن حمامة فى عزّ تألقها الفنى فى مطالع الخمسينيات كان مبالغا فيه بدرجات قصوى، وبالتحديد قبل وفى أثناء وبعد فيلم «صراع فى الوادى»، وهى التى قامت ببطولته مع النجم الصاعد عمر الشريف، وأخرجه الفنان يوسف شاهين عام 1954، وهو الذى قاتل من أجل إقناع المنتج جبرائيل تلحمى على إشراك عمر الشريف فى الفيلم، وكان تلحمى مترددا فى هذه المشاركة، لحداثة عمر الشريف بفن التمثيل. كانت فاتن حمامة النجمة السينمائية الأولى بكل المقاييس، وكانت قد انفصلت عن زوجها المحترم الأول عز الدين ذو الفقار، ورغم هذا الانفصال فإن درجات الاحترام ظلت قائمة بينهما، ولكن بعد عرض الفيلم بدأت الشائعات تملأ الصحف والأروقة الفنية، وراحت النميمة تعمل -كالعادة- بقوة، لماذا هى انفصلت؟ وما مصير ابنتهما نادية؟ وهل ظهور الفنان الشاب الجديد عمر الشريف له معنى فى حياة فاتن حمامة؟ وما الذى يختفى وراء القبلة الطويلة التى كانت بين حمامة والشريف؟ إذن لا بد أن حبا يربط بين الاثنين ولا بد أن هذا الحب سيؤدى إلى زواج، ولكن هل عمر الشريف (ميشيل شلهوب) الذى لا يدين بدين الإسلام سيعلن إسلامه لكى يتزوج حمامة؟ ولم تتورع الصحف والمجلات عن تناول تفاصيل الموضوع على صفحاتها، وذكر معلومات كاذبة، أو استنتاجات خاطئة. وفى 9 أغسطس سنة 1954 كتبت مجلة «روزاليوسف» موضوعا عنوانه «قصة الخلاف بين يوسف شاهين وعمر الشريف»، وذكر المقال فى مطلعه الثناء الذى منحه شاهين للشريف، واعتبر أن السينما المصرية لم تشهد بطلا فى عظمة عمر الشريف، ولن يقدَّر لها فتى أول ينال ما ينتظر أن يناله عمر الشريف، وتحققت هذه النبوءة بشكل مفرط. ولكن عمر الشريف الذى كان بطل الفيلم، تحدث عن غيرة يوسف شاهين منه، وسرّ غيرة يوسف من عمر هو عطف فاتن حمامة عليه. وذكر الموضوع الصحفى أن صداقة عميقة نشأت بين النجمين فى أثناء تصوير مناظر فيلم «صراع فى الوادى» بالأقصر، وكانت أعصاب يوسف شاهين تثور بدرجات متفاوتة، وكانت فاتن لا تجد إلا عمر الشريف لتلجأ إليه من شاهين، وكان يمثل لها الصدر الحنون الذى يستمع إليها. هنا ثارت الأسئلة، ونفى يوسف شاهين أن تكون علاقة ما بين حمامة والشريف، إذ إن فاتن حمامة كانت تتخفى من أعين الناس، وتحاول أن تعامل الشريف بحياد ما، حتى لا تثير أى غبار حول علاقتهما، ولكن المحرر الذى يعرف أن يوسف شاهين يحب فاتن حمامة -حسب ما كتب- ذهب ليسأله فى قصة فاتن والشريف، وهل عمر سيعلن إسلامه أم لا، فكانت إجابة يوسف شاهين القاطعة والمفاجئة: «لو صح هذا لقتلتهما معا -عمر وهذه المرأة- من كانت.. ومن ستكون؟!» علامتا التعجب والاستفهام من وضع محرر المجلة. واستطرد الموضوع على هذه الوتيرة المثيرة، التى أثارت صحفا ومجلات أخرى، وبعدها بقليل تعلن تلك الصحف والمجلات أن عمر الشريف أعلن إسلامه وتزوج فاتن حمامة، وتنشر «روزاليوسف» سلسلة مقالات فى الموضوع، ويكتب إحسان عبد القدوس بنفسه عن هلع فاتن حمامة من إعلان الخبر، ومن المتربصين دوما بها. ولكن عبد القدوس لم تكن تشغله قصة فاتن وشاهين والشريف، بقدر ما كانت تشغله قصة وتاريخ وسمعة صديقه المحترم عز الدين ذو الفقار، الذى كتب عنه مقالا بديعا ليسرد فيه علاقته به منذ أن كانا فى المدرسة الثانوية، وشاركا معا فى ثورة 1935 من أجل استعادة دستور 1923، وكذلك ذكر بعض القصص الجميلة التى كان يكتبها ذو الفقار فى ذلك الوقت، ولكن كل هذه القصص والأحداث كان منطلقها الفنانة العظيمة فاتن حمامة.