تبدأ الإدارة الأمريكية أسبوعها الثانى من محاولات احتواء المعارضة القوية للاتفاق النووى الإيرانى وهى تدرك أن المواجهة سوف تزداد حدة وشراسة. وجاءت التسريبات والتقارير الصحفية عن احتمال الإفراج عن الجاسوس الأمريكى الإسرائيلى «جوناثان بولارد» لتثير أمورًا عديدة، لعل أهمها: هل ستنجح الإدارة بإثارة هذا الأمر الآن «تلطيف الأجواء» أو «تهيئتها» لتراجع إسرائيل وضمان «عدم اعتراضها» للاتفاق الإيرانى؟ لا أحد يستطيع أن يحسم أمر الإفراج. ولا أحد يستطيع أن يعرف تبعات هذا القرار أو هذه «الصفقة الإسرائيلية» إذا تم التوصل إليها والتعامل على أساسها. وكما جرت العادة فى مثل هذه الأمور وطرحها تتباين الآراء وتتعالى الأصوات وتتبارى المواقف ويتم خلق مشهد سياسى إعلامى درامى تختلط فيه الأمور والقضايا كلها. ومن ثم تأتى الصفقة أو الصفقات التى تمت واكتملت وسط الضجيج المثار. هذا هو المنتظر والمرتقب فى الأسابيع المقبلة. زيارة وزير الدفاع الأمريكى آشتون كارتر الأخيرة لإسرائيل والسعودية كانت بهدف «طمأنة» الحلفاء أو الشركاء فى المنطقة، إلا أن تفاصيل هذه «التطمينات» أو التعهدات بشأنها لم تتحدد معالمها بعد. وبالتالى مع لقاء جون كيرى وزير الخارجية بنظرائه من دول الخليج بعد نحو أسبوع فى الدوحة ربما يتبين لنا ما قد يتم أو لا يتم فى إطار دبلوماسية «الطمأنة» من أجل إزالة العوائق الماثلة على طريق تنفيذ الاتفاق النووى الإيرانى. وبالطبع لم تتوقف خلال الأيام الماضية الانتقادات شديدة اللهجة الموجهة للرئيس الأمريكى باراك أوباما وأيضًا جون كيرى وزير الخارجية بخصوص الاتفاق النووى الإيرانى الذى تم التوصل إليه فى فيينا. تحركات الإدارة المكثفة داخل الكونجرس ما زالت مستمرة بهدف إقلال أو تحجيم المواقف المعارضة للاتفاق النووى أو لأى اتفاق مع إيران. والأمر المثير للانتباه أن السفير الإسرائيلى بواشنطن «رون ديرمر» شخصيا واصل ويواصل اتصالاته مع أعضاء الكونجرس من أجل إقناعهم بوجهة النظر الإسرائيلية الرسمية. كما أن مجموعات الضغط الساعية ل«عرقلة» أو «إفشال» أو «قتل» الاتفاق تواصل بشراسة طرح كل نقاط الضعف فى الاتفاق و«أخطاء الإدارة» فى التعامل مع إيران ونياتها و«عدم اكتراثها» لما قد يحدث لإسرائيل. جون كيرى خلال جلسة الاستماع بالكونجرس منذ أيام وفى رده على تشكك بعض الأعضاء تجاه موقف كيرى من مخاوف إسرائيل على أمنها أمام الخطر الإيرانى القادم حرص على الرجوع إلى بعض ما قاله قيادات إسرائيلية أمنية واستخباراتية سابقا حول الاتفاق ودور الدبلوماسية فى تفادى المواجهة العسكرية والصدام مع إسرائيل. كيرى قال أيضًا إن لديه سجل تصويت 100 فى المئة لصالح إسرائيل وأمنها فى ال29 السنة التى أمضاها فى الكونجرس. إلا أن وزير الخارجية الأمريكى فى لقاء له مع مجلس العلاقات الخارجية ذكر أن إسرائيل قد ترسخ انعزالها أكثر بمعارضتها للاتفاق النووى الإيرانى.وقد شدد مسؤولو الإدارة ومنهم أرنست مونيز، وزير الطاقة الأمريكى على أن ما تردد عن وجود اتفاق جانبى أو سرى تم بين إيران ووكالة الطاقة النووية «غير صحيح» أو «غير دقيق» على أساس أن هذا هو الأسلوب المتبع على الساحة الدولية. ومونيز ذكر أيضا فى جلسة الاستماع بالكونجرس أن أمرًا مشابها حدث فى الاتفاق الذى تم بين الوكالة ذاتها ودولة جنوب إفريقيا بخصوص برنامجها النووى وأن «مضمون الاتفاق» على الرغم من مرور سنوات عديدة ما زال «سريا».كما حرص مسؤولو الإدارة على تكرار القول إن الاتفاق الإيرانى اتفاق مع المجتمع الدولى وليس الولاياتالمتحدة. إن العالم يتعامل مع واشنطن على أساس أن هناك وزير خارجية واحدا وليس 535 وزيرًا للخارجية هم أعضاء الكونجرس بمجلسيه، وقبل الدخول فى المفاوضات كان الاستقراء الموجود لدى الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية يقول إن إيران بحاجة إلى سنتين أو ثلاث للوصول إلى القنبلة النووية. وكان العدد المتوقع (بناءً على ما لديها من مواد لصنعها) يتراوح ما بين 10 و12 قنبلة. أما فى ما يخص عن ال100 مليار من الدولارات الأموال المجمدة فى البنوك فهى موجودة فى الخارج. وفى حالة تراجع أمريكا عن التزامها الدولى تجاه الاتفاق فإن الدول الأخرى التى بها الأموال المجمدة قد تخفف من قيود العقوبات أو تسقطها من جانبها. من جانبه قال جاك لو، وزير الخزانة الأمريكى إن إيران إذا لم تف بالتزاماتها بعد أن يتم رفع العقوبات فإنه سيكون فى إمكان واشنطن أن تعيد كل العقوبات الأمريكية وأيضًا العقوبات الصادرة عن الأممالمتحدة.ولا شك أن الحديث فى واشنطن لم يتوقف عن نفوذ إيران ونياتها فى المنطقة وعما فعلته وتفعله وسوف تفعله فى العراقوسوريا واليمن ولبنان. ويحدث كل هذا مع قرار تركيا بقصف وضرب مواقع عديدة داخل سورياوالعراق.. فى مواجهة عسكرية مع «داعش» وبالطبع الأكراد. وهنا يتساءل بعض المراقبين: هل ستقف واشنطن صامتة ولا تعترض كما فعلت من قبل مع السعودية وتعاملها مع اليمن والحوثيين؟ تفاصيل الأزمات المشتعلة فى المنطقة قد تكون مختلفة إلا أن النتيجة تكاد تكون واحدة خلق واقع جديد فى الشرق الأوسط وتوازنات ومناطق نفوذ جديدة تتقاسمها أو تتنازع حولها قوى المنطقة. إن أمريكا بلا شك أنهكتها حالة الحروب، خصوصًا بعد حربى أفغانستانوالعراق. وبالتالى لا تريد أن تخوض حروبا أخرى وترسل أفرادًا من قواتها إلى مناطق النزاع والصدام. ولكن بالتأكيد لها مصالحها وتريد أن تحميها أو تعقد الصفقات من أجل حمايتها.