جون كيرى متفائل بالاتفاق الإيرانى الأمريكى ما تحقق فى جنيف يعد «خطوة أولى مهمة نحو حل شامل» للبرنامج النووى الإيرانى. هذا ما قاله الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى كلمة له من البيت الأبيض ليلة السبت (بتوقيت واشنطن). ومع إعلان ترحيبه بالتوصل إلى اتفاق أو صفقة ما بين الدول الكبار وإيران فى جنيف ذكر أوباما أنه «لأول مرة منذ نحو عقد نقوم بوقف التقدم فى برنامج إيران النووى» مشيرا أيضا إلى أن هذا الاتفاق «يقطع أكثر الطرق التى غالبا ستأخذها إيران فى اتجاه قنبلة». ولم يعد سرًّا أن هذه الصفقة مهما قيل عنها من أنها «تاريخية» و«هامة» فإن إدارة أوباما تجد نفسها الآن وأكثر من أى وقت مضى أمام تحديات كبرى تتعلق بالدفاع عن أو تبرير ما قبلته ورضيت به وأبرمته من «صفقة مع إيران». ولم تمر ساعات قليلة إلا وشهدت العاصمة الأمريكية مواجهات ساخنة وشرسة حول هذا الملف الشائك. ولم يتردد قيادات بارزة فى الكونجرس فى أن يشيروا إلى الصفقة وخطورتها وأيضا عدم الثقة فى التعهد الإيرانى أو التزام طهران بإرجاء امتلاكها للسلاح النووى. وهذا ليس بالشىء الجديد إذ إنه قبل التوصل إلى الصفقة تقدم 14 عضوا فى مجلس الشيوخ من كلا الحزبين لمشروع قرار يزيد من العقوبات المفروضة على إيران فى الفترة المقبلة. وكانت الإدارة فى إطار تشاوراتها مع الكونجرس قد طالبت بإرجاء عقوبات جديدة لإعطاء فرصة للدبلوماسية أن تتحرك وأن تسمح للإدارة بتحقيق ما تريد أن تحققه فى جنيف. جون كيرى وزير الخارجية كعادته أبدى تفاؤلا تجاه ما تحقق. خصوصا أنه راهن منذ فترة على الجهود الدبلوماسية المكثفة لتحقيق الصفقة. كما أنه استثمر الوقت والجهد ومعاناة السفر المتكرر من أجل الوصول إليها. ومن المتوقع أن تتكشف مع الأيام تفاصيل ما تم فى الكواليس وأيضا من خلال اتصالات سرية جرت مع الإيرانيين خلال الفترة الماضية. وقد كشف موقع «المونيتور» الأمريكى والمعنى والمهتم بشؤون الشرق الأوسط، خصوصا إيران، أن وليام بيرنز نائب وزير الخارجية كان على اتصال وتواصل مع مسؤولين إيرانيين منذ فترة حتى قبل أن يتم انتخاب روحانى رئيسا لإيران. وأن بيرنز فى الفترة الأخيرة وجد فى جنيف خلال الجولة الحالية والسابقة من المفاوضات دون الإعلان عن وجوده هناك وليس فى واشنطن بمكتبه فى الخارجية الأمريكية. وبيرنز ليس جديدا على هذا الملف الإيرانى وقد قاد الفريق الأمريكى فى الفترة من 2008 إلى 2011 فى مفاوضات مماثلة جرت بالشأن نفسه. ويرى المراقبون أن هذه الصفقة وضعت ستة أشهر «تجميدًا» لبرنامج إيران النووى إلا أن القضايا الخاصة بالتخصيب ما زالت قائمة. وأنها خطوة هامة حتى لو كانت متواضعة نحو «إبطاء» قدرات إيران فى امتلاك واستخدام السلاح النووى. وبالتأكيد خلال مناقشة كل تفاصيل الصفقة، خصوصا من الجانب الرسمى الأمريكى فإن المفاعل النووى فى أراك أصبح مجمدًا وهكذا حجم اليورانيوم المخصب وعدد أجهزة الطرد المركزى إلا أن «ثغرات» الصفقة سوف يظهرها خبراء ومعارضون سياسيون للإدارة وتوجهاتها نحو إيران. وهناك حرص من إدارة أوباما أيضا على أن تظهر أن هذه الصفقة كانت بالمشاركة مع الدول الكبار وأن كاترين آشتون الممثلة العليا للاتحاد الأوروبى لعبت دورا مهما وملموسا فى إتمام الصفقة. كما أن الإدارة حريصة على القول بأن رفع بعض العقوبات لا يعنى أبدًا إلغاء كل العقوبات وأن الغالبية منها ما زالت قائمة و«قاتلة». وأن المرحلة المقبلة ستة أشهر هى فترة اختبار ل«نيات» إيران واختياراتها. ومع التوصل إلى الصفقة أثير من جديد الرفض الإسرائيلى والسعودى وغضبهما من التودد الأمريكى والتقارب والتفاهم مع إيران دون «شروط مسبقة». ولا شك أن اتفاقا بهذا الحجم التاريخى والبعد السياسى والاقتصادى فى أثناء طرحه للنقاش سوف يأخذ كل طرف مشارك فيه ما هو «رنان» بالنسبة له تاركًا فى الخفاء وطىّ الكتمان ما يعد «تنازلًا منه» و«مكسبا للطرف الآخر». وكان المثال المطروح فى الفترة الأخيرة كاعتراض للتقارب مع إيران هو أن يتم تكرار ما حدث مع كوريا الشمالية وأن المطلوب، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلى أخيرا فى زيارة له لواشنطن، هو أن يحدث ما حصل مع ليبيا. وكان يقصد ما تم عام 2003 عندما سلمت ليبيا كل ما يخص البرنامج النووى ولم يترك لها أى قدرة على صنع الوقود النووى. ولا شك أن التزام إيران بشروط الصفقة على مدى الأشهر الستة المقبلة يعد اختبارا ليس فقط لحسن النيات لدى إيران وإنما لمدى جدية الصفقة وجدواها فى التعامل مع الملف النووى الإيرانى. خصوصا ما يوصف دائما ب«البنود والتفاصيل الصغيرة التى تحمل الاختلافات والفروقات الكبيرة» سوف تتكشف مع مرور الأيام. وحدث ما حدث.. وإدارة أوباما تتحرك بحذر ولا تريد أن تبدو أنها قدمت تنازلات أمام لا شىء، أو أن إيران «خدعتها» و«وعدت بما لا تريد أن تقوم به» أو «قالت ما قالت لكى تفلت من حصار العقوبات الخانقة». وبالتأكيد فإن العاصمة الأمريكية فى الأيام المقبلة سوف تشهد جدالا ساخنا وحادا حول هذه الخطوة أو «الوثبة» الدبلوماسية التى أتت من جانب إدارة أوباما. خصوصا أن منتقدى الإدارة وأصدقاء إسرائيل وأعداء إيران ليسوا قلة على الإطلاق، بل هم كثرة و«اعتادت على شيطنة إيران» ولها بالتأكيد مصالح عديدة اكتسبتها عبر سنوات طويلة من معاداة إيران ومعاقبتها وأيضا التعامل معها فقط من خلال العصا، والتلويح دائما بعقوبات تزداد شدة و«ضغطا عليها». إن الصفقة مع إيران لها ملفات لا حصر لها من مصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية أمريكية «يتقاسمها» أطراف عديدة فى المنطقة.