جاء الاتفاق التاريخى مع ايران ليفتح صفحة جديدة فى علاقة واشنطن مع طهران. أو على الأقل لطى صفحة بل صفحات قديمة من العداء والمواجهة طال أمدها. واشنطن بالتأكيد رحبت بالاتفاق خاصة انها استثمرت خلال الشهور الماضية رصيدها من الدبلوماسية المكثفة من أجل تحقيق هذا الاتفاق. الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى كلمة له عقب الاعلان عن الاتفاق ذكر من جديد ما قاله من قبل بأن الاتفاق يأخذ ايران بعيدا عن امتلاك السلاح النووي.وذكر أيضا أن الاتفاق مبنى على التأكد من الالتزام ببنوده وليس على الشعور بالثقة تجاه ايران. وبعد أن أشار الى أن الاتفاق سيتم مناقشته من جانب الكونجرس حرص أوباما على القول بأنه سيستعمل حقه فى الاعتراض واستخدام «الفيتو» ضد أى قرار سيقره الكونجرس. ومن المنتظر والمتوقع أن تشهد واشنطن خلال الأيام المقبلة وبعد الاطلاع على تفاصيل الاتفاق وبنوده العديدة مواجهات سياسية واعلامية ساخنة حول ما فعلته وما لم تفعله واشنطن فى المفاوضات الأخيرة من أجل التوصل الى الاتفاق. خاصة أن معارضى توجه الادارة والرئيس يرون أن الادارة كانت قد وصلت الى «طريق اللاعودة» والأخطر أنها كانت «متلهفة» و»مندفعة» فى حرصها على انجاح المفاوضات مما وضعها فى موقف «المفاوض الضعيف المستعد لقبول شروط الطرف الآخر».وهذا الاعتراض كان وما يزال مبنيا على أساس أن الاتفاق سوف يؤدى الى رفع عقوبات دولية تخص ايران ونفطها وأرصدتها المالية فى مقابل وضع بعض القيود لبرنامج ايران النووى وتحديدا قدراته ومخزونه خلال ال15 السنة المقبلة. واذا كانت الادارة تحرص على ذكر وشرح التفاصيل التقنية الخاصة بالاتفاق والجدول الزمني. فان فى المقابل يحرص الصحفيون والمعلقون على ذكر الشكوك تجاه سلوك طهران فى المنطقة وصلاتها بالارهاب ونشر الفوضى فى المنطقة. وأيضا مدى جديتها فى الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق. ومن ثم سنجد أن الادارة ستستعين بوزيرى الخارجية جون كيرى والطاقة ارنست مونيز المشاركين فى التفاوض مع ايران لشرح التفاصيل التقنية للحد من البرنامج النووى الايراني. والقول بأن ما تريده واشنطن ومعها المجتمع الدولى ايجاد آلية محكمة وجدول زمنى محدد يمكن من خلالهما متابعة برنامج ايران النووي. كما نقل عن بعض مؤيدى الادارة أن الهدف من هذا الاتفاق ليس تغيير النظام الايرانى أو سلوك ايران بشكل عام ويماثل الاتفاقات نزع السلاح مع الاتحاد السوفييتى منذ عقود. وذكر «ديفيد سانجر» فى «نيويورك تايمز» بأن لا أحد فى البيت الأبيض يتوقع أن طهران بعد أن قدمت بعض التنازلات فى برنامجها النووى من أجل الافراج عن أرصدتها المجمدة وأيضا من أجل تدفق أكثر لنفطها لديها اهتمام بعلاقات أوسع مع الولاياتالمتحدة على المدى القريب. ونقل سانجر عن مفاوض أمريكى أمضى وقتا طويلا مع الفريق الايرانى المفاوض قوله «لا أراهن على هذا» «هذا ليس كوبا. ولن ترى فتحا للسفارات على المدى الطويل الطويل». وحسب ما تم ذكره ومناقشته والجدل حوله بخصوص «الصفقة» مع ايران فان الرئيس أوباما بلا شك يجازف بانخراطه وتمسكه بهذا الاتفاق. خاصة أن نجاحه أو فشله مرتبط فى كل الأحوال بمدى التزام طهران ببنود الاتفاق. وهل ستعتبر طهران التوصل الى الاتفاق مع أمريكا والمجموعة الدولية «علامة رضا» أو «عدم اعتراض» لما قد تفعله أو تمارسه طهران فى دول المنطقة من دور فى زعزعة الاستقرار أو «اثارة القلاقل» (بتعبير أدق). كما أن هذا الاتفاق بلا شك يمهد لمرحلة جديدة فى الشرق الأوسط. والبعض لا يبالغ بالقول عندما يذكر أن شرق أوسط جديد قد بدأ يتشكل أو يتبلور مع هذا الاتفاق. وأن ايران وتواجدها وتمددها فى المنطقة سواء تم الاعتراف بها أو التصدى لها فان التعامل معها سيكون مختلفا عما سبق.